مخازن تكتظ بالأدوية ومرضى يكابدون ضنك العيش ..
مجانية الدواء .. خدمة مع وقف التنفيذ
دفاع صالح
وصفة طبية تنطق بالأسى وضعتها يٌد ترتجف من شدة المرض على طاولة الصيدلية..
نظر الطبيب الصيدلاني إلى الورقة وبدأ بتجميع الأدوية.. (عشرة ألف ريال قيمة الدواء يا والد)، باليد الأخرى، أخذ المريض الوصفة وغادر الصيدلية بضعفين من الألم ..
" ذهب المريض دون أن يأخذ الدواء " وجهت حديثي للصيدلاني .. رد قائلا: "هذه أسعار الأدوية محددة من شركات عربية ودولية ، ليس لنا يد في هذا الأمر، وإذا كان المريض يبحث عن الأقل سعرا عليه أن يتجه للعلاج في المرافق الصحية العامة فهناك صرف شبه مجاني للأدوية " ..
السؤال الذي طرح نفسه بقوة : ما الذي يجعل المواطن البسيط يهجر المرافق الصحية العامة إلى الخاصة إذا كان هناك فعلا صرف شبه مجاني للأدوية ؟!
في جولة استطلاعية للمرافق الصحية العامة في عدن بحثا عن إجابة لهذا السؤال السهل الشائك .. كانت بدايتها في قسم الطوارئ التوليدية لمستشفى الصداقة ، إذ تحدثت الطبيبات عن خلل كبير في صرف الأدوية على أقسام المستشفيات مما أدى إلى حرمان المرضى من فرص حصولهم على كثير من الأدوية التي تباع بأسعار مرتفعة في الصيدليات ..
تقول إحدى الطبيبات " للأسف غياب الأمانة أدى بكثير من الأطباء والممرضين وحتى القابلات إلى المتاجرة بالأدوية وحرمان المرضى منها ".
وتضيف أخرى: " نحن في الطوارئ التوليدية نفتقر لأبسط أدوية الإسعاف الأولي ، في حين يتحدثون عن دعم كبير للمستشفيات الحكومية بالأدوية المتنوعة لمختلف الأقسام التمريضية ".
التساؤلات التي تراكمت حملتها في جعبتي إلى مسؤولي مخازن الأدوية في مستشفى الصداقة ، وهناك حدثتني د/ خديجة دحمان بتفاصيل العملية التي يتم من خلالها توزيع الأدوية في الأقسام المختلفة للمستشفى، مبيّنة من خلال حديثها توافر أنواع كثيرة من الأدوية التي تصل إلمستشفى حسب الطلب ، لكنها تأسف أن كميات الأدوية التي تصل من جهات داعمة تكون ذات صلاحية محدودة ومشارفة على الانتهاء ، فتتكدس في المخازن ولا يتم الاستفادة منها- كما جاء في حديثها.
وهل هذا هو السبب الرئيس لحرمان المرضى من صرف أدوية يحتاجونها ؟ .. سألتها، فأجابت: " دور إدارة المخازن ينتهي عند صرف الأدوية للأقسام بصورة منتظمة ، لكن لا ندري ما الذي يدور في الكواليس".
لم يتضح بعد الخلل المعيق لاستفادة المواطن من الأدوية المجانية التي تصرف للمستشفيات الحكومية ، فالمرضى واقعون في تلك "الفجوة" الغائبة .. يدفعون ما يملكونه نظير علاجهم في مستشفيات عامة ، وهم في حساب الداعمين مدعومين يتلقون العلاج المجاني ..
في قسم العمليات لمستشفى الجمهورية قرأت في الوجوه الشاحبة تفاصيل الأسى .. بيئة علاج غير آمنة .. مرضى ومرافقون يتحملون أعباء تضاف إلى ضنك العيش دون رحمة من أيادٍ تغتال حقوقهم ..
سالم الصياد المرافق لوالدته المريضة المحتاجة لتدخل جراحي يأخذ نفس عميق قبل أن يتحدث : " هذه ثالث مرة خلال ساعة أخرج إلى بوابة المستشفى علشان الأدوية " .. هكذا يقول ، ويردف " في المستشفيات الحكومية يعفى المريض فقط من أجرة الطبيب والباقي على المريض حتى (المطارش وقطن التضميد) " ..
في إدارة التموين الطبي لمستشفى الجمهورية مخزن يكتظ بـ(كراتين الأدوية) ، لم أدقق في تفاصيل الأنواع ، غير أن ما اتضح من شرح د/عيدروس عبد العزيز – مدير التموين الطبي في المستشفى – هو أن هناك صيدلية للطوارئ تُغطى بأنواع الأدوية ، وكذا الأقسام المختلفة ومنها العمليات الكبرى ، مؤكدا على وجود آلية صرف تنتهجها إدارة التموين .
" لكن المرضى يشكون من عدم حصولهم على أدوية مجانية ، فيضطرون إلى شرائها من الصيدليات الخارجية كما ذكروا " .. وجهت حديثي إليه ، أجاب : " مستشفى الجمهورية تغطي محافظات عديدة ، وتستقبل مرضى من كل المحافظات ، ونفتقر إلى بعض أنواع من الأدوية، لذا يطلب من المريض أخذها من الصيدليات الخاصة ".
ويتحدث أطباء عن انتهاك لحق المريض في حصوله على العلاج المجاني من خلال المتاجرة بالأدوية المدعومة والمرصودة للمرافق الصحية العامة .. يقول د/ سمير عبد اللطيف : " للأسف هناك تفشي لعملية تهريب الأدوية من المستشفيات العامة وبيعها في الصيدليات بأسعار أقل من المحدد لشركات الأدوية ، حتى أن بعض الأدوية تباع بالعلامة (مجانا) ، وهذا دليل واضح على وجود تحايل على حقوق المرضى ، والكل صامت ، لذا فالمسؤولية تقع على عاتقنا جميعا".
نعم على عاتق الجميع تقع المسؤولية .. هنا فقط نضع النداء .. و (لقد أسمعت لو ناديت حيا .....).