كيف عاد تنظيم الدولة الإسلاميّة داعش الى عدن ؟ : القصّة الكاملة
اعلن تنظيم الدولة الإسلامية " داعش " ولاية اليمن تبنيه تفجيري عدن الذين استهدفا في أقلّ من أسبوع إدارة البحث الجنائي ومقر سيطرة ومراقبة تابع للحزام الأمني في مدينة المنصورة
تفجيران أوقعا أكثر من 57 قتيلا من قوات الأمن ومدنيين لترشح بعدهما العديد من التساؤلات بشأن أسباب ودوافع استئناف التنظيم لعملياته في عدن بعد غياب دام لأكثر من عامين وتحديدا منذ تنفيذه تفجيرات متزامنة استهدفت أوائل اكتوبر من العام 2015 فندق القصر مقرّ حكومة رئيس الوزراء السابق " خالد بحاح " ومنزل القيادي في المجلس الانتقالي الشيخ " صالح بن فريدالعولقي " ومعسكر تابع لقوات التحالف في مدينة الشعب .
يُذكر أن أسلوب تنظيم الدولة " داعش " في تنفيذ الهجمات يختلف كثيرا عن الأسلوب الذي يتّبعه تنظيم القاعدة و" المعروف بالهجوم المزدوج " ويتم عبر تفجير سيارة مفخخة يتبعها مباشرة انغماس عدد من عناصره المسلحين بغية السيطرة على الموقع المستهدف .
نجيب من خلال هذا التقرير عن بعض الأسئلة التي باتت تطرح نفسها بقوّة وأبرزها:
من يقود داعش؟ وكم عدد أتباعه في عدن ؟ وما مقدار قوته وحجم عتاده العسكري ؟
هل هناك هدنة غير معلنة وتعاون ضرورة آني بين تنظيمي القاعدة وداعش فرعي اليمن ؟
هل اثرت الضربات الجوية الأمريكية وعمليات الحزام الأمني الأخيرة في كل من لحج وأبين وشبوة والبيضاء ومأرب شمالا على قدرات القاعدة ليتصدر المشهد تنظيم داعش ؟
لم استهدفت الضربات الأمريكية المسيّرة معسكرات ومقار وقيادات القاعدة واستثنت من ذلك تنظيم داعش ولاية اليمن ؟
ما حقيقة دعم قيادات عسكرية محسوبة على الشرعية وأخرى إخوانية للتنظيمين بغية ضرب خصومهم السياسيين ؟
لم لا تستهدف الهجمات الانتحارية وحوادث الاغتيالات قيادات في الحكومة الشرعية أو مقار ومعسكرات تابعة لها ؟
وعلى الرغم من أن الإجابة عن مجمل هذه الأسئلة يحتاج الى براهين وأدلة
لكنّا سنحاول الإجابة عنها متن هذا التقرير بما توفر من وقائع وعبر مقارنات ومعلومات خاصة جرى جمعها بدقّة من مصادر خاصة ولمدّة زمنيّة طويلة.
عود على بدء :
بعد خروج الحوثيين من عدن ولحج منتصف يوليو ايلول 2015م سيطرت الجماعات العقديّة المسلحة مباشرة على مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج 30 كلم شمال عدن وأحياء واسعة في مدينة عدن بينها المنصورة والممدارة وأجزاء من كريتروالمعلا والخساف والشعب ونصّبت أمراء على مديريات المنصورة والتواهي والبريقا ’ ولم تكتف تلك التنظيمات بذلك فتبنّت عبر بيانات تبثها مواقع محسوبة عليها تنفيذ عشرات عمليات الاغتيال طالت ناشطين وضباط وقضاة توّجتها بعملية اغتيال نوعيّة كان ضحيتها محافظ عدن اللواء جعفر محمد سعد كما استهدفت لاحقا بست سيارات مفخخة محافظ عدن التالي "عيد روس الزبيدي " ومدير أمن المدينة اللواء شلال شائع نجيا منها جميعا غير أن تلك العمليات أوقعت أكثر من 75 قتيلا وعشرات الجرحى وهو الأمر الذي دفع بقوات الأمن الى إعلان الحرب عليها بغية إخراجها من المدينة .
في مارس 2016 هاجمت تشكيلات أمنية مسنودة بمروحيات اباتشي تابعة للتحالف مدينة المنصورة وتمكنت خلال يومين من تحريرها بعد خروج قيادات من القاعدة كانوا يتمركزون فيها بصفقة لا يعلم تفاصيلها حتى اليوم .
خروج قيادات القاعدة وداعش من عدن باتجاه محافظات شبوة وأبين والبيضاء ومأرب مكّن الأمن من اعتقال من بقي من عناصر التنظيمات الجهادية واحدا واحدا وزج بهم في السجون خلال تلك المدّة التي انحسر فيها نشاطها بشكل ملحوظ .
ضلّ " داعش " بين الفينة والأخرى يتبنى عمليات اغتيال فردية طالت قيادات في المقاومة الجنوبية والأمن ورجال دين سلفيين ومتقاعدين في جهازي الأمن والجيش .
عدنيا على راس هرم تنظيم الدولة ولاية اليمن:
عشيّة عيد الفطر المبارك من العام 2016 شهد تنظيم الدولة ولاية اليمن تغيّرا لافتا تمثّل باغتيال الشيخ "أبو هاجر العدني " من قبل مسلّحين ، يُعتقد انتماؤهم إلى تنظيم داعش نفسه "، في بلدة يافع، التابعة لمحافظة لحج، جنوب البلاد.
حادثة الاغتيال هذه شقّت صفوف التنظيم الدولي، الذي يتزعّم فرعه في اليمن نشوان العدني "أبو سلمان"، كون القتيل عضواً في "الهيئة الشرعية العليا" لـ"الدولة"، ومن المقرّبين لأمير التنظيم، أبي بكر البغدادي.
"فأبو هاجر"، عقب عودته إلى اليمن،قاد حركة "المعتزلين" المنشقّة عن التنظيم، بحجّة فساد وسوء إدارة ومآخذ أخرى، يقول "المعتزلون" إنّهم وجدوها في قيادة فرع اليمن، ورفعوا بها شكوى إلى قيادة "الدولة" في العراق، مطالبين إيّاها بعزل أمير التنظيم في اليمن، ابا سلمان ونائبه "أبو بلال الحربي".
ردّ البغدادي على المعتزلين، الذين تجاوز عددهم الـ200 ، جاء مخيّباً لآمالهم، إذ إنّه طالبهم بـ"لزوم السمع والطاعة لوليّ الأمر، بمقتضى البيعة التي في أعناقهم".
وعلى الرغم من الردّ القاسي من قيادة "الدولة ألإسلامية على قائد المعتزلين، "أبو هاجر العدني"، ومن تبعه من عناصر التنظيم في اليمن، إلّا أن الأخيرين ما فتئوا يردّدون أنّهم على بيعتهم لـ"أمير المؤمنين"، ولن يبدّلوا أو يخلعوا بيعته أبداً، لكن تحفّظهم على قيادة فرع اليمن لا زال قائماً، واعتزالهم العمل الميداني مستمرّ أيضاً.
اعتزال اعتبرته قيادة الفرع تحريضاً بينّاً، وشقّاً للصفّ، وخروجاً عن الطاعة، يصل حدّ التآمر مع "القاعدة"، ويهدف إلى تقويض التنظيم ، وهو ما يجب حسمه في الحال.
كما اتّهمت قيادة فرع "الدولة" في اليمن المنشقّين بقيادة ابو هاجر العدني " وهو خريج جامعة الإيمان المملوكة لرجل الدين المعروف " عبد المجيد الزنداني " بتشكيل مجلس عسكري في بلدة الزاهر، بالتعاون مع عناصر "القاعدة" ولاية البيضاء ودلّلت على ذلك باعترافات قالت إن "الهمداني "، وهو أحد قيادات المعتزلين، أدلى بها في محضر تحقيق، وهو ما عدّه الفرع "شقّاً للجماعة، يوجب تنفيذ حكم النبي، صلى الله عليه وسلّم، في من شقّ عصا المسلمين، وحدّه السيف .".
عقب مقتل الشيخ "أبو هاجر العدني"، زعيم المنشقّين عن "الدولة " في بلدة يافع، حاول التنظيم لملمة الأمر، وتهدئة الأوضاع ونشر بياناً حول الحادثة قال فيه : "إن الدولة الإسلامية -أعزّها الله - تتبرّأ من هذا الفعل جملة وتفصيلاً"، وإن "القيادة العامّة والقيادة في اليمن لم تأمر بقتله أو بقتل أحد منهم أبداً ممّن ادّعوا أنّهم منعزلون، وفي عنقهم بيعة عظمى وليس بيعة قتال وجهاد".
ولفت التنظيم إلى "أنّه يتعرّض، منذ زمن طويل، لتشويه وتضليل وتحريف، وهذا ليس غريباً.".
وأضاف أن "الواجب على كلّ مناصر ومحبّ للدولة أن يتّقي الله في نفسه، وألّا يكون مطية لنشر الأكاذيب والافتراءات على الدولة الإسلامية، والنبي، صلّى الله عليه وسلّم، يقول: (حسب امرئ من الشر أن يحدّث بكلّ ما سمع)، وكما قال القائل وما آفة الأخبار إلّا رواتها".
وبيّن أن "بعضهم، بمجرّد أن قُتل أبو هاجر العدني -رحمه الله- بدون أن يعرف تفاصيل المسألة، يقول هؤلاء خوارج، وهذا من التسرّع والجهل، إذ إن المسلم إذا قتل أخاه المسلم هل يسمّى خارجيّا ؟ "، متابعاً أن "للخوارج علامات ودلالات تدلّ عليهم، ولهم اجتهادات كثيرة متشعّبة، و أصول أجمع عليها الخوارج لا مقام هنا لتفصيلها "".
أنموذج الليبي بعدن :
يسعى تنظيم "الدولة الإسلامية" بحسب المعطيات إلى تطبيق النموذج الليبي في اليمن –لاحقاً وعدن بداية –و يحاول، بقدر المستطاع، النأي بنفسه عن خوض غمار المعارك في الجبهات المشتعلة بين الحوثيين والتحالف وحلفائه المحليين ، باعتبار أن لديهم تجارب مشابهة في العراق وسوريا، يطلقون عليها "التحذير من التحالف مع الصحوات"، في إشارة إلى الحراك الجنوبي .
وعابت قيادات "الدولة" كثيراً على تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب " مشاركته في الحرب الأخيرة إلى جانب التحالف والحراك الجنوبي ضدّ "الحوثيين "، معتبرة أن تجربة التنظيم في حكم مدينتي المكلّا وزنجبار في أبين، ومشاركة الحراك الجنوبي، لاحقاً، في تصفية مدينة المنصورة بعدن من سيطرة عناصره، مثال حيّ للمآل الذي حذّرت قيادات "الدولة" "القاعدة" منه مراراً.
ويعتقد قادة "الدولة" أن إعداد العدة وتكديس الأسلحة وتدريب الأعضاء أولوية الآن، إذ إنّه لا مجال للسيطرة على الأرض، خاصّة في المحافظات الجنوبية.
كما يرون أن انشغال التحالف وجميع الفرقاء في اليمن بالحرب فرصة لا تعوّض لتقوية الفرع وتنظيم صفوفه، ويرفضون بشدّة الانخراط في أيّ عمليّات عسكرية، باستثناء تنفيذ عمليّات اغتيال خاطفة بحقّ قيادات فاعلة في الحراك الجنوبي، وخاصّة تلك القيادات العسكرية البارزة التي يمكن أن تشكّل حجر عثرة مستقبلاً، إذا ما حان الوقت للتنظيم ليعلن قيام "الدولة الإسلامية" في اليمن، وفرض ذلك عسكريّاً، بعد أن يكون الجميع قد أُنهك تماماً في اقتتال داخلي، مرّ على اندلاعه أكثر من 3 سنوات .
وإذا فداعش الذي كدس الأسلحة أثناء الحرب ودرب عناصره بعدها يعتمد استراتيجية " النمر المتربص " وضل يتحين الفرصة المناسبة التي سينقض فيها على الجميع " الجميع المنهك جراء استمرار مشاركته في الحرب الدائرة في اليمن بما فيها تنظيم القاعدة "ومنها سيعلن قيام الدولة الإسلامية ولاية اليمن ؛و ربما أن عمليتي عدن الأخيرتين يأتيان في إطار البث التجريبي للسيطرة الكاملة الموعودة ؟
عتاد الدولة وتسليحها :
تمكن تنظيم «الدولة» من تخزين وجمع كميات كبيرة من الأسلحة والألغام والمواد المتفجرة من معسكرات في عدن أُخليت مع اندلاع الحرب في 25 مارس 2015. وبحسب المعلومات، فقد تمكن التنظيم من الاستيلاء على كميات كبيرة من مادة الـ«سي فور» شديدة الانفجار، وأسلحة متوسطة بينها صواريخ «لو»، وصواريخ مضادة للطيران محمولة على الكتف من معسكر القوات الخاصة في حي التواهي بعدن. وتشير تلك المعلومات إلى تمكن التنظيم في اليمن من نقل عدد من تلك الصواريخ إلى سوريا مستغلاً أوضاع الحرب.
والجدير ذكره أن الهجمات الأمريكية لم تستهدف ، حتى اليوم ، أياً من معسكرات تنظيم «الدولة»، على الرغم من معرفة «البنتاجون» لمواقعها بدقّة كبيرة ، واكتفت بضرب مواقع وعناصر تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، المصنف أمريكياً كواحد من أخطر فروع تنظيم «القاعدة» في العالم ,وأثخنت فيه كثيرا فبحسب الأنباء فقد قتل أكثر 49 عضوا في تنظيم القاعدة بينهم قيادات في ضربات جويّة أمريكية مسيرة .
ويبقى السؤال الابرز بشان العلاقة بين قيادات عسكرية وسياسية في الحكومة الشرعية بينهم نائب الرئيس هادي الجنرال علي محسن الأحمر بشخصيات قيادية في تنظيم القاعدة خاصة ممن يطلق عليهم الأفغان العرب .
وبحسب معلومات ترددها جهات أمنية موالية لدولة الإمارات العربية فقد حصلت المخابرات الأمريكية على اعترافات لمعتقلين من اعضاء القاعدة تثبت تورط شخصيات سياسية وعسكرية في تمويل الجماعات الجهادية في كل من عدن ومأرب والمكلا والبيضاء وأبين حيث قالت وسائل إعلام أمريكية أن متشددين من آل الذهب تسلموا عتادا عسكريا من القوات الموالية للشرعية بينها اسلحة متوسطة ومبالغ مالية ضخمة .كما أكدت ذات الجهات الأمنية
أن " وائل سيف أبو سالم "أمير ولاية عدن في تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب عاد الى عدن قبل أيام قادما من محافظة تعز وبحسب تلك المصادر فلم تدم إقامة أبو سالم في عدن أقل من 24 ساعة غادر بعدها متخفيا الى مكان مجهول خارج المحافظة .
وأوضح المصدر أن أبا سالم تمكن من مغادر عدن قبل وصول قوات مكافحة الإرهاب بساعات الى البناية التي كان يقيم فيها بمنطقة بئر فضل حيث التقى هناك بعدد من عناصر التنظيم أطلق سراح بعضهم مؤخرا وقيادات عسكرية محسوبة على الحرس الرئاسي الموالي للشرعية
وكانت قوات أمنية قد اغلقت قبل ايام طرقا رئيسة وفرعية غرب مدينة المنصورة باتجاه حيي إنماء والتقنية و شرعت بعملية تعقب واعتقالا لمطلوبين يعتقد صلتهم بتفجيري عدن الأخيرين