همس اليراع

لماذا يتمسك المجلس الانتقالي باتفاق الرياض؟

هذا السؤال واجهته عشرات المرات تارةً بصورةٍ مباشرة. عن طريق اتصالات ورسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتارات كثيرة من خلال منشورات ومقالات مختلفة لناشطين معظمهم أنصار وعلى الأقل متعاطفين مع القضية الجنوبية وضمنا مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
السؤال وجيهٌ ومشروع، وكما قال ذات يوم أحد الفلاسفة: لا توجد أسئلةٌغبيةٌ لكن يمكن أن توجد أجوبةّ غبية، ويرى كثيرون ممن يطرحون هذا السؤال بأن اتفاق الرياض ليس فيه مصلحة للمجلس الانتقتلي فلماذا يتمسك به؟
وللوقوف عند هذه المسألة لا بد من الاتفاق على بديهيةٍ معروفة فيما يتعلق بموضوع الاتفاقات والمعاهدات بين الاطراف السياسية أو حتى الاجتماعية والاقتصادية والخيرية، وهي أنه لا توجد اتفاقات تتضمن فوزاً مطلقاً لطرفٍ على طرف، لكن الاتقاقات تتضمن مصالح مشتركة بين المتفقين وقد تتفاوت نسبة الفائدة او التنازل بين الاطراف الموقعة علي هذا الاتفاق او تلك المعاهدة.
لم يكن اتفاق الرياض ليهدف إلى إجبار طرفٍ على التنازل للطرف الآخر، وعلى الأقل من جانب المجلس الانتقالي كان الهدف استعادة السكينة والسلام وتطبيع الأوضاع الأمنية والتنفيذية وتفعيل الخدمات في العاصمة عدن وبقية محافظات الجنوب، ومساعدة الرئيس الشرعية على استكمال مواجهة المشروع الانقلابي الحوثي - الإيراني، ولن اناقش هنا أهداف الشرعية لأن هناك أكثر من شرعية، ابتداءً بمن يحرص على تنفيذ الانفاق، مروراً بمن يؤيد الاتفاق لفظاً ولا يمانع من إجهاضه عملياً، وانتهاءً بمن يجاهر في العمل من أجل إفشال الاتفاق، وهؤلاء ليسوا قليلي الشأن في صف الشرعية وبعضهم ذوي سلطات حاسمة وقوية وتأييد شعبي واسع في الشمال نتيجة لطبيعة التركيبة الديمغرافية هناك وبفعل نظرية الفرع والأصل، وفلسفة الواحدية الزائفة التي جرى الترويج لها بعد حرب ١٩٩٤م الكارثية، لكن بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي لا بد من الاعتراف بأنه قدم تنازلات كبيرة، َقدمها طوعيا، وبطبيعة الحال قدمها بعد مباحثات ومشاورات طويلة, نزولا عند تعهداته واتفاقه مع الأشقاء في التحالف العربي الذي ظل الجنوبيون وما يزالون صادقين معهم بلا مواربة ولا تدليس كما يفعل الآخرون.
ويبقى السؤال: لماذا يحرص المجلس الانتقالي على تطبيق بنود اتفاق الرياض بما في ذلك التنازلات التي قدمها، بينما يسعى الآخرون إلى إجهاض هذا الاتفاق رغم ندرة ما قدموه من تنازلات؟
المجلس الانتقالي ليس لديه أجندتين كما لدى الأخرين، وحينما وقع اتفاق الرياض كان يدرك أن هناك استحقاقات له وللآخرين وأن هناك التزامات عليه وعلى الآخرين، ولذلك فإنه يحرص على تنفيذ الاتفاق إيفاءً بالتزاماته وحرصاً على إنجاح مهمة الأشقاء في التحالف العربي ورغبةً منه في إنهاء معاناة المواطنين جراء غياب الدولة واضمحلال أداء مؤسساتها ورداءة الخدمات وغيابها وتدهور الأوضاع الأمنية، وفي سبيل هذه الأهداف قدم المجلس ما قدم من التنازلات، ومن أجلها يصر على تنفيذ اتفاق الرياض بحذافيره، أما إذا كان هناك من يجتزئ الاتفاق او يعتقد أنه سينفذ منه ما يحلو له فقط أو أن يسعى لتأويل مضامين الاتفاق على المقاسات التي تناسب أجنداته فهذا يخصه هو ونترك الأشقاء في التحالف العربي ليجيبوا عليه، وكلنا يقين أن الأشقاء يدركون ما معنى أن يقف غالبية الشعب الجنوبي رفضاً لإملاءات جماعات المصالح وأصحاب الأجندات المعادية لأهداف التحالف العربي والتي تتلقى تمويلاها وتعليمات قادتها من عواصم خصوم التحالف العربي، كما نثق بأنهم يميزون بين من كان وفياً معهم منذ اليوم الأول ونجح معهم في دحر المشروع الإيراني في أقل من مائة يوم وبين من يبتزهم منذ خمس سنوات ولم يتحرك مترا واحد لتجاَز فرضة نهم.
"وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" ٠