همس اليراع

هل يهيلون التراب على اتفاق الرياض؟

بعد مضي شهرين ودخول الشهر الثالث على توقيع اتفاق الرياض بين ممثلي حكومة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي في الخامس من نوفمبر المنصرم، يمكن القول بأن الاتفاق لا يتعثر فقط ولا يواجه فقط بعض المصاعب والعوائق في طريق تطبيقه، بل إن يترنح ويكاد يسقط أرضاً ليهال عليه التراب.
مسؤولية تنفيذ ما تضمنه الاتفاق من بنود وما حمله من التزامات وما احتواه من استحقاقات على الأطراف الموقعة عليه ولها، ليست مسؤولية الموقعين وحدهم بل إن الجزء الأكبر من هذه المسؤولية يتحمله الأشقاء الراعون للمباحثات المطولة التي أفضت إلى الاتفاق.
كان واضحا منذ اليوم الأول أن طرفاً قوياً ومتعنتاً داخل "الشرعية" يرفض الاتفاق ولا يتمنى له النجاح، وهذا الطرف يتمتع بقوة وسطوة تفوق من عداه من العقلاء وذوي الشعور بالمسؤولية ممن يسميهم البعض بالحمائم داخل بنية الشرعية، ويقف على رأس هذا الطرف دعاة ومفتيي وعرابي حرب 1994م على الجنوب، الذين لم يعدموا بعض الجنوبيين ليأكلون الثوم بأفواههم، ولذلك لاحظنا وزراء في حكومة الشرعية يلعنون الاتفاق صباحاً ومساءً ولا يترددون في البوح بأنهم سيعملون ما بوسعهم للحيلولة دون تنفيذه.
ولأن حكماء الريفيين قد تعلموا وعلموا أبناءهم وأحفادهم بأن "ما يخفيه البشر تظهره البقر" فإن ما يصدر عن هؤلاء لا يعبر عن وجهات نظرهم ومواقفهم وحدهم وإلآ كان اتخذ من الإجراء ما يقتضي وقفهم عند حدهم، لكن ما يصدر عن هؤلاء إنما يعبر عن لسان حال الكتلة الصلدة الكبرى من المتنفذين في داخل بنية السلطة الشرعية، الكتلة التي تتعنت وتتشدد وتحمي ليس فقط الرافضين للاتفاق بل ومعهم الجماعات المسلحة وزعماء بعض القبائل المتعهدين بالتخريب، ومسلحي القاعدة وداعش الذين يأتون ويذهبون إلى المعسكرات التي يدعي قادتها نصرتهم للشرعية.
لم ينفذ شيئا من التعهدات التي يفترض أن ينفذها "الشرعيون"، لا بل لقد شرعوا في تعطيل الخطوة الأولى وهي عودة رئيس الوزراء وراحوا يكيلون له الاتهامات الممجوجة والمستنسخة بالانقلاب وبالولاء للإمارات لأنه كشف بعض جرائم الفساد التي ارتكبوها، أما بقية بنود الاتفاق فقد أسدل عليها الستار بدءً بتفعيل الخدمات وصرف المرتبات مرورا بتعيين محافظين ومدراء أمن ثم تشكيل الحكومة، وأداءها اليمين أمام رئيس الجمهورية في عدن في غضون ستين يوما (ونحن اليوم في اليوم الرابع والستين لتوقيع الاتفاق، ولم تنفذ الخطوة المحددة في الاسبوع الأول)، لا بل لقد شرع (الشرعيون) في التحشيد على مناطق شبوة وأبين وشن الهجمات المسلحة على الأحياء المدنية وقتل المدنيين لمجرد رفضهم وجود قوات غازية في مناطقهم كما حصل في مناطق لقموش بشبوة والعين وشقرة والمحفد وأحور و مناطق مختلفة في أبين بالتكامل مع ما يفعله الحوثيون في مريس والضالع وكرش والصبيحة وفي عقبة ثرة ومكيراس.
كل هذه الأفعال والجرائم الهادفة للتهرب من تنفيذ اتفاق الرياض تتم تحت سمع وبصر الأشقاء في التحالف العربي الذين ساهموا في صياغة نص الاتفاق ورعوا حواراته وأشرفوا على التوقيع عليه، وهو ما يثير الاستغراب والتساؤل عما إذا كان الأشقاء قد توصلوا إلى قناعة بأن الاتفاق لن ينفذ طالما بقي تنفيذه مناطاً بالرافضين له أم أنهم (أي الأشقاء) لم يتوصلوا إلى هذه القناعة بعد.
بقي أن نهمس للأشقاء رعاة اتفاق الرياض أن من يقاوم تنفيذ الاتفاق هو التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي يقيم ممثلوه التحالفات ويشكلون العصابات ويرسمون المخططات للانقضاض على المنطقة العربية ومنها وفي مقدمتها دول التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن، وهذا التنظيم كما تعلمون ليس عدواً لإيران ولا حتى لإسرائيل، ولن يكون كذلك وقد لاحظتم ذلك التعاطف الذي أبداه التنظيم مع إيران عند مقتل رجلها الأول في المنطقة العربية قاسم سليماني، فهل تريدون المزيد من البراهين حتى تقتنعوا أن مريض الجذام لا يمكن أن يعالج مرضى الحساسية الجلدية، بل سينقل عدواه إليهم؟؟
وأخيرا: نقول للأشقاء في التحالف العربي إذا كنتم تعتقدون أنكم ستهزمون المشروع الحوثي (وضمنا ستنفذون اتفاق الرياض) بفقهاء ودراويش ومليشيات تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن فإنكم إما تراهنون على الحصان الخطأ أو تمارسون تكتيكا أثبت فشله عشرات المرات، فلقد جربتموهم على مدى خمس سنوات فلم تحصدوا سوى الخسائر المادية والبشرية والسياسية، وانتصارات الحوثيين وإيران، والأهم من هذا الخسائر المعنوية التي جعلت عدد من أقوى وأكبر دول العالم تتهمكم زوراً بجرائم لم ترتكبوها ولكن ارتكبها هؤلاء وما يزالون يخططون للمزيد منها لتوريطكم والخروج منها باتجاه اسطنبول وطهران وطرابلس الغرب.
إنهم يودون إهالة التراب على اتفاق الرياض وسيكون يوم عيدهم يوم إعلان فشل الاتفاق ليس فقط لأن فشله يمثل نجاحاً ونجاةً لهم، لكن لأنه يمثل فشلا للتحالف العربي الذي لا يترددون في كيل الاتهامات والشتائم لقادته أناء الليل وأطراف النهار