همس اليراع
آفاق التدخل التركي في اليمن2
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
مواصلةً لما سبق وإن تناولناه حول الطموح التركي للتدخل في اليمن يمكن الإشارة إلى إن هذا الطموح يمثل جزءً من المساعي التركية للتوسع في المنطقة العربية وهذا يأتي في إطار صراع المشاريع في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم.
ويشير الباحثون إلى ثلاثة مشاريع تتناوش المنطقة العربية هي:
1. المشروع الفارسي، الذي يتصدى له حكم آيات الله في إيران، وقد عبر عن نفسه في اختراقاته العديدة في المنطقة وتحدث أنصاره عن تمكنهم من الهيمنة على أربع عواصم عربية، وتلك حقيقة لا مراء فيها، وسيحاول رواد هذا المشروع مواصلته مهما تعاقبت عليهم العواصف والمعوقات.
2. المشروع الصهيوني الذي يرفع شعار دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وهذا لا يحتاج إلى المزيد من الشرح والإيضاح فمفاعيله متصلة وإن هدأت مؤقتا لكنها تعمل بصمت وستنتقل إلى الضجيج في اللحظة المناسبة لرواد هذا المشروع.
3. المشروع التركي وهو حلم يراود أردوجان منذ صعوده إلى سدة الحكم منذ قرابة عقدين، ويتميز بأنه يعتمد على حركة عالمية تجد لها جيوبها في معظم (إن لم يكن كل البلدان العربية) وهي حركة الإخوان المسلمين ، التي تتخذ أسماءً مختلفة من بلد إلى آخر، وهذه المشاريع الثلاثة ليست بعيدة عن مشاريع إمبراطورية عالمية تتداخل وتتشابك مع أصحاب المشاريع الثلاثة، ولكل منها أدواته داخل هذه المشاريع أو بموازاتها وخارجها.
المشروع التركي يستمد خلفياته من بعدين: البعد التاريخي، المتكئ على تركة الإمبراطورية العثمانية التي هيمنت على عشرات البلدان في القارات الثلاث على مدى ما يقارب خمسة قرون ومنها المنطقة العربية، والبعد الآيديولوجي القائم على فلسفة الإخوان المسلمين كحركة عالمية تسعى لاستعادة دولة الخلافة وإن برداء عصري وبعض الرتوش العلمانية التي ترفضها معظم فروع الحركة لكن أردوجان لا يستطيع الفكاك منها في المرحلة الراهنة، حتى لا يستثير الشعب التركي ضده، لكنه يقضمها قضماً تدريجيا حتى إنهائها.
كل ما يتعلق بهذه التفاصيل لا يعنينا كثيرا في هذه الوقفة لكن ما يعنيا هو إمكانية وجدوى وآفق التدخل التركي في الأزمة اليمنية وفي هذه النقطة لا بد من التوقف عند الجزئات التالية:
• لم يقف النظام التركي موقفاً محدداً من الانقلاب على الشرعية في العام 2014م، كما لم يتخذ أي موقف من الصراع العربي الإيراني في اليمن، وهو ما يعني أن تركيا لم تكن معنية لا بالتمدد الإيراني ولا بوجود أو عدم وجود حكومة شرعية في العاصمة صنعاء، ناهيك عن أي موقف من الصراع بين مشروع التحالف العربي والمشروع الإيراني في اليمن والمنطقة عموماً.
• وعندما أعلن التحالف العربي عاصفة الحزم التي أيدها تحالف أكثر من 12 دولة عربية وإسلامية لا يذكر اليمنيون أي موقف مميز لتركيا إذ بقيت نائيةً بنفسها وتصرفت على إن الأمر لا يعنيها، وشيئا فشيئا أظهرت موقفاً معاديا لهذا التحالف برز من خلال المواجهات الإعلامية التي تتهجم على التحالف العربي من المواقع ووسائل الإعلام والقنوات الفضائية التركية أو التي تنشط في تركيا.
• إن سمعة تركيا في اليمن ليست على ما يرام فلا تذكر تركيا والحكم التركي لليمن إلا ويتذكر الناس الرشوة والفساد، ونظام الرهائن وفرض الإتاوات وثقافة الحريم والأسر والسبي وعموما التخلف والنهب والهيمنة والطغيان، أما الذين يتحدثون عن المساجد والقصور والقلاع والطرقات والأسوار فتلك ليست منجزات للشعب اليمني بقدر ما بناها بناتها لحاجة الحكم إليها ولحماية الولاة وجيوشهم وأنصارهم من غضب الشعب، وإن سمحوا للعامة بالصلاة في المساجد.
• كل التدخلات التركية في مناطق الربيع العربي أدت إلى خراب ودمار ولم تثمر أية نتيجة تذكر، ويتذكر الجميع أين كانت الثورة السورية، السلمية ثم المسلحة قبل التدخل التركي، وأين أوصلها أردوجان من خلال المتاجرة بها وتحويلها إلى أداة لعقد الصفقات مع أيران وروسيا والاكتفاء بمحاربة الأكراد والشعب الكردي في سوريا، ويمكن القياس على ذلك بالتدخلات في ليبيا ومصر والتي ما تزال تتبلور وتتجلى بوضوح يوماً عن يوم ولا تثمر إلا تأجيجا للحروب وزعزعة للأوضاع.
• علاقة النظام التركي الملتبسة مع المنظمات والجماعات الإرهابية حيث أن الأراضي التركية ظلت وما تزال معبراً دائما لتلك الجماعات التي دخلت إلى سوريا ومنها إلى العراق ومارست إرهابها في تلك المناطق ومناطق أخرى دون أن نسمع عن عملية واحدة داخل الأراضي التركية تبنتها داعش أو القاعدة.
• أي تدخل تركي في اليمن لن يكون تكاملا مع تدخل دول التحالف العربي الداعم للشرعية، بل سيتصادم معه وقد يتكامل أو يتصالح مع المشروع الإيراني (كما جرى في سوريا) وهو ما يعني توسيع دائرة الصراعات في اليمن وليس الحد منها وتضييق نطاقاتها.
هذه المعطيات ومعطيات أخرى تبين أن الرهان على أي تدخل تركي في اليمن إنما يمثل رهاناً على زيت جديد يصب فوق نار الحرب الملتهبة في اليمن والتي يسعى التحالف العربي والمجتمع الدولي إلى إيقافها بعد ما عانى اليمنيون ما عانوه بسبب الانقلاب السلالي، وفشل النخبة السياسية الموالية للشرعية في إحداث أي اختراق يساهم في هزيمة المشروع الحوثي الإيراني ويعيد اليمن إلى الصف الخليجي والعربي.
ويقيني أن الأشقاء في دول التحالف العربي يدركون من الحقائق ما هو أكثر من هذا وما تعنيه أي محاولة لتوريط لتركيا في الأزمة اليمنية، وما يمكن أن يمثله ذلك من توسيع لدائرة العنف والاضطراب وعدم الاستقرار في اليمن والمنطقة عموماً.