في عدن آدميون يأكلون من القمامة
خلف الأبنية الشاهقة والفلل المحاطة بالأشجاروبعيدا من طريق السيارات الفارهة ,وضمائر ملاكها ,وبين الكثبان الرملية في الصحراء المترامية الأطراف يعيش قوم يطلقون على أنفسهم بدو عدن ساقهم القحط وجدب الأرض وقلة الكلى والمرعى لهجر مساكنهم و جمالهم وماشيتهم ومصدر عيشهم وامتهان فرز النفايات التي ألقيت على مشارف أرضهم أو ما بقي منها مما تركه تجار البقع وناهبي الأرض والنافذ ون الجدد .
فهم على سجيتهم وفطرتهم يبتكرون الحلول مما حولهم ومقلب القمامة كان الأقرب إليهم والملجأ السهل الوحيد الذي أستوعبهم وأطفالهم ونساءهم دون أن يطالبهم بسنوات خبرة أو شهادات لا يملكونها لسبب بسيط أن احد منهم لم يلتحق بمدرسة أو حتى زاوية شيخ في الكتاتيب.
لن يصدق احد أن هؤلاء الناس هم من سكان عدن الأقحاح ومئات السنين مرت وهم على هذه الأرض أشبة بالهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين ما اقحموا أنفسهم يوما في السياسة ولا اختلطوا بغيرهم حتى من سكان البوادي القريبة ولا تاقت أنفسهم لحياة الرفاهة والمدنية ومباهجها فقد اكتفوا بما تجود به أرضهم وان كان قليل واشتغلوا بالرعي وتربية المواشي عن توفير الخدمات حتى الأساسية منها فلا كهرباء,ولا ماء ’ أو طرقات والوصول إلى قريتهم بغير سيارات الدفع الرباعي أو عربات السكان التي تجرها الجمال صعب وعسير .
الخالة ملوك
امرأة في الخمسين من عمرها تتنفس البساطة وابتسامة رسمت على محياها لا تزول تنم عن رضا وراحة بال تلمسه في حديثها وحركاتها أبت واحمر وجهها الأبيض خجلا حين استأذنتها بالتصوير وقالت بتلقائية لا تتكلفها المعيشة والفقر في إجابتها على سؤالي ما الذي دفع بهم وأطفالهم لترك منازلهم وأرضهم وإبلهم وأغنامهم وما يملكون والعيش بين النفايات ,وزادت (ماشي مطر ) إذا لم تجد السماء عليهم منذ سنوات فيبس الزرع ونفقت قطعان الماشية والإبل وما بقي منها رافقهم إلى مقلب القمامة ليبحثوا هم أيضا على سبل البقاء بين ركام النفايات .
احمد يصر على مسح الصورة :
لفت نضري بتردده في أخذ أكياس التمر التي تصدق بها فاعل خير وضل يراقب من بعيد وبعد أن تفرق أصدقاؤه اشرت اليه بالقدوم وسألته في أي صف أنت ؟ قال أنا لا ادرس وكل الأطفال هنا لم يذهب أي منهم إلى مدرسة ونضرت إلى المكان الذي أقف فيه واكتفيت بالإجابة وعبثية السؤال ....
وعرفت كم السمسرة والرياء والصفقات المشبوهة التي تنفقها المنضمات الدولية والمحلية والمعنية بحقوق الطفل وهي بالعشرات أين هي من هؤلاء ومعاناتهم؟؟ أطفال لا يتجاوز عمر كبيرهم الثالثة عشرة يعملون ليلا نهارا في مقلب القمامة والحديث بعدها عن صحتهم وسلامتهم وحقهم في اللعب يثير الكثير من الضحك وإذا أين دور اليونيسيف ومراكز الأبحاث والدراسات الذين أغرقونا بالبروشورات والندوات والنشرات التي تدعو إلى تأمين الأطفال ورعايتهم وتجنيبهم الصراعات والحروب وأيضا منعهم من العمل الذي لا يتناسب وقدراتهم الجسدية والذهنية .
عاد احمد بعد تفكير طويل ليطلب مني بأدب جم أن امسح الصورة التي التقطت له.
وتبعه على 9 سنوات وعارف 10 سنوات وعلي سليم 6سنوات ودفعنا إليهم بأكياس أخرى من التمر ليعودوا مسرعين إلى حيث يعمل أهلم في وسط مكب النفايات .
ناصر شاب يعمل في تسويق شوالات النفايات المفروزة جاء مسرعا إلى مكان السيارة التي كنا نستقلها يريد نصيبه من التمر فسألته أين يبيعون ما يتم فرزة من الحديد والعلب الفارغة والبلاستيك وغيرها ؟فقال أنهم يذهبون بها إلى منطقة دار سعد أو الشيخ عثمان لان المصنع القريب من المقلب يدفع لهم في الكرتون 4ريال يمني فقط وأضاف :مع أن النفايات تأتي من عدن تكون قد فرزت مرتين من قبل عمال النظافة أنفسهم في المديريات أو من قبل الباعة المتجولين الذين يمرون على براميل القمامة ويأخذون مافيها مما يمكن أن يباع والسكان هنا كما ترون يستخدمون أدوات الحفر للبحث عنها وسط الركام وهو عمل شاق وخطير في كثير من الأحيان خاصة إذا كانت الحمولة منقولة من احد المصانع التي تستخدم المواد الكيماوية والسامة في صناعتها وقد تعرض الكثير من السكان العاملين للأمراض ووقعت قبل أشهر حالة وفاة نتيجة التعرض لمواد سامة .
قاصرات بين الرابعة عشرة والثامنة عشرة
من بين العاملات في المقلب فتيات لا تزيد أعمارهن عن الثامنة عشرة وبرغم ماعلق في وجوههن
من أتربة وأوساخ ما استطاعت أن تخفي تلك السحنات الحسناء الضاربة في السمرة الذهبية ومسحة الخجل ضلت سمة تتزين بها نضراتهن يتقدمن لاستلام نصيبهن من التمر في أدب جم وخجل واضح يتحاشين الكامرة ما استطعن بل ويختمرن كلما توجهت العدسة نحوهن وبرغم عددهن الكبير فقد توزعن في سلاسة تنم عن أنفة وإباء لقوم أعزة أذلهم العوز وضيق ذات اليد ورمت بهم الى مكب النفايات ليتخذوه موطنا ومسكنا .