سي_آي_إيه: الإخوان خطر بعيد المدي على المصالح الأمريكية
اعتبرت دراسة سرية تتعلق بالشأن المصري أجرتها وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) تنامي قوة الإخوان المسلمين في مصر خطرًا بعيد المدى على المصالح الأميركية، لكنها حذرت من أن استهداف الجماعة أكثر خطورة؛ لأن الفراغ المتوقع أن تتركه قد تشغله تنظيمات أكثر تطرفًا وأقل تقبلا للولايات المتحدة.وتعود الدراسة التي أزاحت عنها «سي آي إيه» السرية إلى منتصف عام 1986، عندما كان الرئيس الأسبق حسني مبارك في أوج قوته، ومع ذلك فقد تضمنت محاولة لاستشراف المخاطر المحتملة على نظام حكمه. وتوقعت الدراسة أن يواجه النظام تحركًا شعبيًا إذا ما استمر تدهور الأوضاع وسوء الإدارة وتناقص الموارد.
كما توقعت أن تلعب جماعة الإخوان المسلمين المحظورة دورًا محوريًا في أي احتجاجات ضد النظام رغم أنها تضمنت معلومات عن وجود تعاون بين جماعة الإخوان ونظام مبارك لتحقيق أهداف سياسية مشتركة. وتضمنت الوثيقة خلاصات يفهم منها أن الاستخبارات الأميركية كانت تعول على جماعة الإخوان في لعب دور مهم لكبح جماح الجماعات الأكثر تطرفًا، غير أن محللي الوكالة المختصين في الشؤون العربية حذروا من أن الإخوان لا يؤمن جانبهم وأن التجارب أثبتت عدم نجاعة التحالف معهم.وحسب محللي «سي آي إيه» الذين أعدوا هذه الدراسة فإن قوة الجماعة تكمن في شبكتها المالية الواسعة، بينما تشكل صراعاتها الداخلية نقطة ضعفها.
من بين أهم الوثائق السرية التي نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية هذا الأسبوع في موقع الوكالة على شبكة الإنترنت، بعد إزالة ستار السرية عنها، تحليل عن جماعة الإخوان المسلمين المصرية، يعود تاريخ إعداده إلى شهر أبريل (نيسان) من عام 1986، وتضمن توقعات تحقق كثير منها، خلال الثلاثين عاما التي تلت كتابته.وفي الوقت الذي يكشف فيه التحليل عن جوانب قوة الجماعة مقابل مكامن ضعفها، فإن أهميته تكمن في أنه يفسر أسباب التذبذب في الموقف الأميركي من الإخوان، ويكاد التحليل يوحي بأن الولايات المتحدة، وليس الإخوان، من طبق فقه الضرورة في التعامل مع الآخر، إذ إن محللي الاستخبارات الأميركية ينظرون إلى الإخوان على أنهم يمثلون أهون الشرين بالمقارنة مع الجماعات الإسلامية الأكثر تطرفا.
ويقر معدو التحليل – الذين لم تنشر أسماؤهم – بأن تمكين جماعة الإخوان المسلمين من بسط نفوذها على المجتمع المصري سوف يلحق الضرر بالمصالح الأميركية، ولكن في المقابل، فإن الصدام مع الجماعة التي يبلغ عدد أعضائها وقت كتابة التقرير 500 ألف عضو يشكل تهديدا أكثر خطورة على الأمن الأميركي.وطبقا لفهم الاستخبارات الأميركية، فإن الإخوان المسلمين لهم أهداف استراتيجية بعيدة المدى وأخرى تكتيكية آنية. وتتمثل الأهداف البعيدة في إقامة مجتمع أصولي وإبعاد التأثير الغربي تمهيدا لتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، كما يراها الإخوان، في دولة تفصل بين الرجال والنساء وتمول مؤسساتها من الزكاة كنظام ضرائبي بديل. أما الهدف الآني الذي كانت جماعة الإخوان المسلمين تعمل على تحقيقه في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ولم تتمكن من ذلك حتى الآن فهو استعادة شرعيتها بإزالة الحظر القانوني عليها، بما يمكنها من ترسيخ تفوقها على الجماعات الأصولية المنافسة كافة.
ولتحقيق الهدف المرحلي المؤدي للهدف الأبعد، بدأ الإخوان – وقت كتابة التقرير – في إظهار نوع من التعاون مع الحكومة المصرية، ضد الجماعات الدينية الأكثر تشددا، بالتوازي مع استمرار التركيز على اختراق مؤسسات التربية والتعليم والنقابات المهنية والاتحادات الطلابية، فضلا عن تنويع مصادر الربح والتوسع في الأنشطة التجارية التي ترفد الجماعة بإمكانات مالية ضخمة.وكشف التقرير عن لقاءات أميركية تمت مع ممثلين عن الإخوان لم يسمهم، خلال الثلاث سنوات السابقة على كتابة التقرير. ولم تقتصر اللقاءات على «الإخوان» المصريين فقط، بل امتدت لتشمل ممثلين عن تنظيمات الإخوان المسلمين في كل من الأردن والكويت واليمن الشمالي وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة. ولم يوضح كاتبو التقرير أين تمت اللقاءات ومتى على وجه التحديد، لكنهم أشاروا إلى أن قيادات الإخوان المسلمين من جميع البلدان الوارد ذكرها يلتقون بصورة شبه دورية في أوروبا، بغرض التخطيط والتنسيق لأنشطة تنظيماتهم. (لم تشر الوثيقة إلى وجود تنظيم دولي لـ«الإخوان»، وإنما اعتبرت التنظيمات الموجودة في الدول العربية مجرد فروع للجماعة الأم في مصر).
موالاة مبارك
ومن الأسرار التي تتعلق بجماعة الإخوان المصرية، وتطرق التقرير إليها؛ أن الجماعة بدأت منذ صيف 1985 تحاول التقرب من نظام الرئيس مبارك وتستميل رجاله إلى جانبها، على أمل إغراء النظام بفكرة تشكيل تحالف معه ضد الجماعات الأكثر راديكالية. وحسب مصادر الاستخبارات الأميركية فإن قادة الإخوان تمكنوا من إقناع مسؤولين كبار في نظام مبارك بأن الجماعات الأخرى، وليس الإخوان، هي من تسعى لإشعال ثورة إسلامية في مصر على نمط ما جرى في إيران عام 1979 بنسخة سنية. وقدرت الاستخبارات المركزية عدد أعضاء الجماعات الأكثر تشددا في مصر ما بين عشرين إلى ثلاثين ألفا موزعين على عدد من الجماعات التي وصفتها بأنها جماعات متصارعة فيما بينها نتيجة للتنافس الشخصي بين زعمائها. وفي المقابل، فإن جماعة الإخوان المسلمين قد وصل عدد أعضائها إلى نصف مليون في تلك الفترة، وتعاني هي الأخرى من صراعات الأجنحة داخلها، خصوصا بين المعتدلين والمتشددين.
ويعتقد المحللون الأميركيون أن جماعة الإخوان قادرة بالفعل على كبح جماح الجماعات الأكثر تطرفا، لكونها جماعات منافسة تلعب في الساحة ذاتها، غير أن معدي التحليل سرعان ما يعودون في موضع آخر منه إلى التحذير من أن الإخوان لا يؤمن جانبهم؛ لأنهم جبلوا على الغدر بحلفائهم والتنصل من الشراكة مع الآخرين؛ وللتدليل على صحة هذا الاستنتاج أشار التقرير إلى أن الجماعة فشلت في أول اختبار لها من قبل النظام المصري لإثبات صدقيتها، حيث إنها دعمت المتشددين من مرشحي «الجماعة الإسلامية» في انتخابات اتحاد طلبة جامعة القاهرة على حساب المرشحين المتفق عليهم مع النظام.
ويضيف التقرير أنه رغم إنكار الجماعة الإسلامية أي دور لـ«الإخوان» في فوز مرشحيها، فإن الاستخبارات الأميركية، وفقا للتقرير، على قناعة بأن الإنفاق المالي الكبير أثناء الحملة الانتخابية لم يكن بمقدور أي جماعة تحمله باستثناء جماعة الإخوان ذات القدرة المالية الضخمة.ويشير التقرير إلى أن الحوار لم يتوقف بين الإخوان ونظام مبارك رغم تعثره أحيانا جراء غياب الثقة، لكن المرشد في ذلك الوقت، عمر التلمساني، نجح في ترميم جزء من جدار الصدقية المفقودة، وأثبت قدرته على التعاون مع النظام في تجربة أخرى جرت في الإسكندرية، وترتب على ذلك حصول الإخوان على تنازلات من الحكومة كان من بينها السماح لهم باستئناف إصدار مطبوعتين هما «الاعتصام» و«المختار الإسلامي»، ولم تمض سوى شهور قليلة إلا وقد نجح التلمساني في الحصول على موافقة بإعادة إصدار مجلة «الدعوة» الأوسع انتشارا.
وفي الوقت الذي استمر فيه التعاون بين النظام والجماعة على استحياء فإنه لم يصل إلى درجة أن تبادر الحكومة برفع الحظر المفروض على الجماعة بصورة رسمية، وأثناء المفاوضات علمت الاستخبارات الأميركية أن نظام الرئيس مبارك وضع أمام الجماعة أربعة شروط مقابل منحها ترخيصا يعيد إليها شرعيتها.
شروط الرئيس لمنح الإخوان الشرعية القانونية
أولا: التخلي تماما عن العمل السياسي والاكتفاء بالنشاط الدعوي.
ثانيا: إعادة النظر في تحالفات الإخوان مع أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الوفد الجديد.
ثالثا: التوقف عن الاحتجاج على معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل.
رابعا: الابتعاد تماما عن محاولات التجنيد داخل الجيش المصري.
وترجح الاستخبارات الأميركية أن جماعة الإخوان رفضت هذه الشروط؛ وهو ما أعطى الحكومة المبرر الكافي للامتناع عن رفع الحظر عن الجماعة.وفيما يتعلق بالتحالف مع حزب الوفد الجديد الذي بدأ في 1984، فقد جاء في التقرير، نقلا عن السفارة، أنه أسدى ثماره في الانتخابات البرلمانية؛ فمن بين 58 مقعدا فاز بها حزب الوفد الجديد كان نصيب الإخوان ثمانية مقاعد على الأقل؛ غير أن الإخوان كعادتهم يفتقدون للوفاء، على حد تعبير المحللين الأميركيين؛ حيث إن الإخوان الثمانية في البرلمان، تجاهلوا تماما قادة الوفد، وظلوا يصوتون بناء على تعليمات الجماعة دون أدنى تنسيق أو تشاور مع زملائهم الوفديين في البرلمان.
خطر بعيد المدى على المصالح الأميركية
خلص التحليل إلى أن تنامي قوة الإخوان المسلمين في مصر يشكل خطرا بعيد المدى على المصالح الأميركية باعتبار أن الجماعة بطبيعتها مناهضة للنفوذ الأميركي في العالم ولمعاهدة السلام المصرية مع إسرائيل، وتتوجس شرا من التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، ولا يؤمن جانبها في حال التقارب معها، بسبب فقدانها للصدقية مع معظم من تحالف معها أو تقرب إليها.وفي الوقت ذاته يرى المحللون أن إضعاف الجماعة لا يخدم المصالح الأميركية؛ لأن الفراغ الذي يمكن أن تتركه في حال الإجهاز عليها سوف تملأه على الأرجح تنظيمات أكثر تطرفا، وأقل قبولا للولايات المتحدة بالمقارنة مع جماعة الإخوان.
وتوقع المحللون في حال امتناع الولايات المتحدة عن التدخل سلبا أو إيجابا أن تتصاعد قوة الإخوان المسلمين في المجتمع المصري لما بأيديهم من شبكات مالية قوية، غير أنهم لن يشكلوا تهديدا فوريا على نظام مبارك إلا في حالتين، الأولى أن يستمر التدهور في الحالة المعيشية للمصريين إلى درجة قد تسمح لـ«الإخوان» باستغلال الوضع وتأجيج الشارع على النظام، والثانية أن يتلاشى دور التيار المعتدل في قياد الإخوان، ويسفر صراح الأجنحة داخل الجماعة عن بروز قيادات أشد تطرفا وأقل خبرة من المرشد عمر التلمساني، بما قد يستفز النظام إلى صدام مع مجتمع معبأ، وقد يصعب التحكم في النتائج.
شبكة الإخوان المالية
تضمنت الوثيقة الاستخبارية إشارة إلى أن الحكومة المصرية ساهمت دون قصد منها في رفد أفراد جماعة الإخوان بأموال ساعدتهم على بدء مشروعات تجارية صغيرة سرعان ما توسعت وأصبحت رافدا ماليا للتنظيم لا يستهان به، ويوضح التقرير أنه عقب الإفراج عن أعضاء الجماعة المسجونين منذ عهد الرئيس الراحل عبد الناصر، منحت الحكومة المصرية كل فرد منهم تعويضا ماليا يعادل ألف جنيه عن كل سنة قضاها في المعتقل. وقد يبدو المبلغ بسيطا للوهلة الأولى لكن بالنظر إلى عدد سنوات السجن الطويلة فإن الرقم تضاعف عدة أضعاف، فضلا عن أن القيمة الشرائية للجنيه المصري قبل ثلاثة عقود كانت عالية بالمقارنة بيومنا هذا.
ولم تكن المبالغ المقدمة من الحكومة مصدر التمويل الوحيد للجماعة، بل إن تبرعات المتعاطفين كانت سخية للغاية، خصوصا من مصادر خليجية ومهاجرين في البلدان الغربية. ويبقى المصدر الأساسي لتمويل الجماعة طبقا لمعلومات الاستخبارات المركزية هو شبكة الأنشطة التجارية المتشعبة التي تدر على الإخوان المسلمين أموالا طائلة بصورة قانونية. وحسب المعلومات الواردة في التقرير فإن الإخوان عمدوا إلى حماية استثماراتهم التجارية من إقدام الحكومة على مصادرتها بأن أدخلوا شركاء من غير أعضاء الإخوان واستقطبوا رجال أعمال كبارا لإدارة تلك المشروعات التجارية مع الحرص على عدم وضع الاستثمارات في سلة واحدة، إضافة إلى تجنبهم إيداع الأموال في البنوك المصرية تحوطا من استيلاء النظام عليها.
ويأتي على رأس المشروعات التجارية التي ينشط فيها الإخوان، المستشفيات، والعيادات الطبية، والمصانع الإنتاجية، وشركات الاستيراد والتصدير، وغير ذلك.وتعدد الاستخبارات الأميركية في الوثيقة قائمة الشركات العملاقة التابعة لـ«الإخوان» أو ذات العلاقة الوطيدة بهم، زاعمة أن من بينها:
شركات للمقاولات، وبنوكا إسلامية، ومصانع لإنتاج البلاستيك، ومجموعات تجارية واقتصادية أخرى، تعتقد الاستخبارات الأميركية أنها مملوكة لأعضاء في الجماعة أو متعاطفين معها، وتدير سلسلة من الفنادق في القاهرة وخارجها.وتشير الوثائق إلى أن رجال الأعمال الأثرياء من أعضاء جماعة الإخوان أو المتعاطفين يتبرعون بعشرة في المائة على الأقل من مداخيل أعمالهم لدعم الجماعة.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط