الاستحداثات الحوثية في الحديدة.. نسفٌ مبكرٌ لجهود السلام
تواصل المليشيات الحوثية، توجيه رسائل مباشرة وغير مباشرة حول نواياها التصعيدية وأنّها لن تنخرط أبدًا في مسار السلام، ما يفرض ضرورة القضاء عليها عسكريًّا.
ففي خطوة جديدة، أجرت المليشيات الموالية لإيران تحركات وتعزيزات وحفريات ضمن عملية واسعة من الاستحداثات الحوثية شملت مدينة الحديدة ومناطق ومديريات جنوب المحافظة بما فيها الدريهمي وحيس والتحيتا والجاح ببيت الفقيه.
وأقامت مليشيا الحوثي معسكرات تدريب في مديرية جبل راس جنوب شرق محافظة الحديدة، واستقطبت إليها المجندين وصغار السن من مديريات المحافظة ومن خارجها.
في سياق غير بعيد، وثّق تصوير جوي للقوات المشتركة عمليات عبث مليشيا الحوثي بمنازل ومزارع وممتلكات المواطنين الذين شردتهم منها في المناطق القريبة من كيلو 16 والتي تقع في إطار مراقبة نقطة الارتباط الثالثة.
ويظهر في التصوير عملية حفر أنفاق وخنادق ممتدة في مساحة كبيرة من مزارع المواطنين وصولاً إلى منازلهم التي حولتها المليشيات إلى ثكنات عسكرية لها.
كما رصد استطلاع اللواء السابع عمالقة في جبهة حيس تحركات وتعزيزات بالمقاتلين، واستحداث متاريس قتالية للمليشيات؛ من جهة مفرق سقم - وادي ظَمِي جنوباً، ومن جهة المزارع المطلة على حيس شرقًا، ومن جهة وادي نخلة ومفرق العُدين شمالاً، وخصوصاً في الشهر الجاري.
بالإضافة إلى ذلك، تمّ رصد استحداث متاريس ظاهرة وشبه مخفية في الأشجار، استعداداً لتنصيب أسلحة القناصة وتنصيب العيارات الرشاشة.
وأفادت مصادر عسكرية بأنّ المليشيات استحدثت منذُ عام معسكرات تدريبية في أماكن سيطرتها جنوب الحديدة استغلالاً للهدنة الأممية وقامت بحشد مقاتلين من أماكن سيطرتها إجبارياً، وتجنيدهم فيها والزج بهم إلى خطوط المواجهات في جبهة حيس وإلى مختلف جبهات الساحل الغربي.
كل هذه التحركات الحوثية تُعبِّر عن رغبة هذا الفصيل الإرهابي في إطالة أمد الحرب، وهو ما يُعقِّد من جهود المبعوث الأممي مارتن جريفيث الذي يسعى لحلحلة الأزمة واختراق جدارها الصلب، إلا أنّ هذه الجهود ستظل محاطة بشكوك كبيرة فيما يتعلق بعدم إجبار الحوثيين على السير في طريق السلام.
وكانت صحيفة "الشرق الأوسط" قد سلّطت الضوء في وقتٍ سابق، على جهود جريفيث، لإطلاق مبادرة سياسية جديدة، وأشارت إلى أول إحاطة لجريفيث في العام الجاري، أمام مجلس الأمن الدولي، وتطلعه لأن تكون هذه السنة التي سيتحقق فيها السلام في اليمن.
ونبّهت إلى الكثير من المؤشرات التي تحيل إلى تعقيد كبير في مسار السلام المتعثر سواء من قبل مجيئ غريفيث أو من بعد تولي مهمته الأممية قبل عامين، وأوضحت أنه منذ أن أوكلت إليه المهمة الأممية في مارس 2018، قام بالعديد من الجولات المكوكية بين صنعاء والرياض وعواصم خليجية أخرى وعربية في سياق السعي الأممي المسنود بضغط غربي وبريطاني على وجه التحديد، غير أن كل ما تحقق لا يعدو عن كونه خطوات هائمة حتى الآن في محيط الجدار الصلب للأزمة.
وبعد أن باشر جريفيث مهمته كان صرح بأنه لا ينوي أن يبدأ من الصفر وأنه سيبني على ما قطعه سلفه إسماعيل أحمد ولد الشيخ من جهود كادت أن تتوج باتفاق تاريخي في الكويت لولا تعنت المليشيات الحوثية التي رأت أنّ مثل هذا الاتفاق سيسلبهم أهم مصادر قوتهم وهو ترسانة الأسلحة الضخمة.
وبحسب الصحيفة، يبدو أنّ المبعوث الأممي راهن كثيرًا على التوطئة لمسار الحل النهائي الذي يصبو إليه بإنجاز ما وصفه بـ"خطوات بناء الثقة" أولًا، غير أنّ تحقق ذلك بعد مرور عامين أثبت أنه محض سراب أيضًا، لجهة عدم التنفيذ الفعلي لاتفاقية السويد التي كان يفترض بها ترسيخ هذه الثقة.
وفي حين كان يفترض أن تؤدي خطوات بناء الثقة هذه إلى بناء أساس قوي للانطلاق منه نحو عقد مشاورات شاملة لبحث ملفات الجوانب الأمنية والسياسية والعسكرية وصولًا إلى تحقيق اتفاق السلام، أصبحت في حد ذاتها عقبة سياسية.
وفي الوقت الذي يحاول فيه المبعوث الأممي الآن تجاوز اتفاقية السويد والمضي قدمًا إلى مشاورات جديدة تتناول الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية، يبدو أنه يحاول الاستفادة من أطروحات وتصورات المجموعات اليمنية المستقلة أو غير المنخرطة مباشرة في الصراع، كما هو الحال في الاجتماع الأخير الذي دعا إليه في عمان على مدى يومي الأربعاء والخميس الماضيين.
وكان جريفيث قد صرّح خلال اجتماعه بمجموعة متنوعة من الشخصيات العامة والسياسية في عمان، بأنّه لا بديل عن الحل التفاوضي، وأنّ اليمن في مفترق طرق، مشددًا على ضرورة تقديم تنازلات من الجميع وضبط النفس على الصعيد العسكري.
وقال إنّ الاجتماع التشاوري هدفه التفكير في خطوات جادة للانتقال نحو عملية سياسية وبحث القضايا المرتبطة بالنزاع في اليمن، وأضاف: "اليمن موجود الآن على مفترق طرق.. إما الاتفاق على آلية شاملة لخفض التصعيد واستئناف العملية السياسية، أو الدخول في مرحلة جديدة من تصعيد أكبر وما يترتب عليه من ارتفاع عدد الضحايا وتعثر الوصول إلى طاولة المفاوضات".
ولفت جريفيث إلى عدم وجود بديل للحل التفاوضي قائلًا: "على الجميع تقديم التنازلات، لا يمكننا الانتظار لفترة أطول، فقد تسبب الصراع بسقوط الكثير من الضحايا وهو ما يهدد بانهيار الدولة وتفكيك النسيج الاجتماعي".
وأضاف: "على الرغم من القتال المستمر، لا يزال الطرفان يعملان بشكل بنّاء للغاية. ومن أجل البناء على هذه المكاسب وتوطيدها، نحتاج إلى ترتيب حقيقي لخفض التصعيد يشمل الجميع لضمان ضبط النفس على الصعيد العسكري".
وأعرب المبعوث الأممي عن قلقه العميق إزاء التصعيد في شرق صنعاء الذي قد يهدد التقدم المحرَز في الحديدة، على حدّ تعبيره.
وأوضح جريفيث الحاجة الماسة إلى المضي قدمًا في تنفيذ اتفاق السويد وكذا اتفاق الرياض بشكل واضح، لكن لا يمكن ولا ينبغي تنفيذ هذه الاتفاقيات بمعزل عن الجهود الأوسع لإنهاء النزاع.
تصريحات جريفيث تؤكّد أهمية المسار السياسي لحل الأزمة الراهنة في اليمن، إلا أنّ هذه الاستراتيجية الأممية ستظل منقوصة من الإجراءات التي تُلزم المليشيات الحوثية بإتباع مسار السلام، والعمل على إيقاف الحرب على الفور.
يُستدل على ذلك، بالنظر إلى اتفاق السويد الذي تمّ التوصُّل إليه في ديسمبر 2018، وقد نُظر إليه بأنّه خطوة أولى على مسار الحل السياسي، إلا أنّ الخروقات والانتهاكات الحوثية بدّدت هذه الآمال، وأفشلت سبل التوصّل إلى حل سياسي شامل يوقف الحرب.
وأصبح من الضروري على الأمم المتحدة أن تلزم المليشيات الحوثية بأن تنخرط في طريق السلام، لا سيّما أنّ إطالة أمد الحرب أمرٌ يضاعف من المأساة الإنسانية.