حرب دبلوماسية أمريكية على الحوثيين.. ما القصة؟

الجمعة 6 مارس 2020 16:00:17
 حرب دبلوماسية أمريكية على الحوثيين.. ما القصة؟

من جديد، أحدثت الانتهاكات المروعة التي ترتكبها المليشيات الحوثية في ملف "المساعدات الإنسانية" غضبًا غربيًّا، جاء هذه المرة من الولايات المتحدة.

مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية قالت إنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تضغط على الأمم المتحدة، لتقليص عمليات المساعدات في اليمن، حيث تسعى المليشيات الحوثية المدعومة إيرانيًّا للسيطرة بشكل أكبر ونهب المساعدات الإنسانية في الأراضي الخاضعة لسيطرتها.

ونقلت المجلة عن مصادر دبلوماسية قولها إنّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يعتزم الحضور إلى الأمم المتحدة للاجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، وسيثير بومبيو مخاوف بشأن ما يراه مساعي الأمم المتحدة البطيئة لتجميد توصيل المساعدات في ظل استمرار عرقلة الحوثيين واستحواذهم على الإغاثة المنقذة للحياة.

وأضافت المصادر أنّ إدارة ترامب غاضبة لأن الكثير من المساعدات الإنسانية تقع في أيدي الحوثيين، مشيرةً إلى أنّه من المتوقع أن يستدعي بومبيو منسق الإغاثة في الأمم المتحدة، مارك لوكوك، لعدم تجاوبه مع نداءات الولايات المتحدة بإتباع نهج أكثر حزمًا وتعليق المزيد من برامج الإغاثة في اليمن.

هذه الخطوة تأتي كرد فعل على مساعي الحوثيين لإعاقة إيصال المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرتهم، كجزء من استراتيجية أوسع لفرض سيطرة أكبر والاستحواذ على المساعدات في الأراضي الخاضعة لسيطرتهم.

وأثارت هذه الإجراءات غضب الدول المانحة، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا والمنظمات الإغاثية الخاصة، ومسؤولو الإغاثة التابعون للأمم المتحدة، حيث اتهموا الحوثيين بالسعي لانتهاك قواعد المساعدات الإنسانية لتحويل المساعدات لكسب اليد العليا في الصراع، وكسب المال، وتوفير معاملة تفضيلية منحازة للمجتمعات التي تؤيد قضيتهم.

ويؤكد مسؤولون مطلعون لمجلة "فورين بوليسي" أنّ الولايات المتحدة تعتزم تجميد الإنفاق على سلسلة من البرامج في وقت لاحق من هذا الشهر، ما تسبب في احتكاك مع الدول المانحة الأخرى والمنظمات غير الحكومية التي ترغب في إبقاء تدفق كافة المساعدات.

من جانبه، صرّح منسق الإغاثة الإنسانية في الأمم المتحدة مارك لوكوك بأنّ الحوثيين رفضوا الموافقة على 40% من جميع المشروعات من قبل وكالات الإغاثة المستقلة أو المنظمات غير الحكومية.

وأدى تدخل الحوثيين إلى تقويض قدرة الأمم المتحدة على تقييم الاحتياجات الإنسانية الكاملة في اليمن أو مراقبة ما إذا كانت المساعدات تصل إلى حيث تشتد الحاجة إليها.

وأضاف لوكوك: "اقترح الحوثيون أيضًا أن تدفع المنظمات غير الحكومية ضريبة قدرها 2% لتمويل هيئة تنسيق المساعدات التابعة للسلطات الحوثية"، مشددًا على أنّ "الوضع بات غير مقبول".

ولم تحدد الولايات المتحدة البرامج التي ستتوقف عن تمويلها، لكن مسؤولًا أمريكيًّا بارزًا قال إنه سيكون هناك استثناءات لبرامج منقذة للحياة فعليا بما في ذلك إطعام الأطفال المرضى ولقاحات الكوليرا وسوء التغذية.

ويحذر عمال الإغاثة من أنّ تعليق الإغاثة عن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني السيئ بالفعل.

وفي فبراير الماضي، قال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية: "تصر الولايات المتحدة على وجود إجماع بين الدول المانحة الرئيسة والمنظمات الخاصة، والتي تضع خططا تتضمن تعليق الكثير من برامج المساعدة، مع استثناءات لبرامج تنقذ الأرواح فعلياً كإطعام الأطفال وغيرها".

وأضاف: "لقد ارتكب الحوثيون أيضا انتهاكات أخرى مثل المضايقة، وحتى تعذيب الموظفين التنفيذيين، وتحويل المساعدات إلى الجماعات والمناطق التي يفضلونها وتحويلها إلى مجهودهم الحربي".

ووفقًا لتقديرات الحكومة الأمريكية الحالية، قال المسؤول الأمريكي: "بسبب قيود الحوثيين، فإن 65 مليون دولار في شكل مساعدات إنسانية أمريكية، تم توفيرها في العامين الأخيرين لشركاء المنظمات غير الحكومية لمساعدة حوالي 1.4 مليون شخص، لم يتم تنفيذها بالفعل".

وصرّحت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت بأنّ سلوك الحوثيين يمثل معضلة بالنسبة للولايات المتحدة والدول المانحة الأخرى التي التزمت بضمان إنفاق أموال دافعي الضرائب بطريقة مسؤولة.

وأضافت: "قد نضطر إلى التفكير في تعليق أو تخفيض مساعداتنا في شمال اليمن في أوائل شهر مارس ما لم يتوقف التدخل الحوثي غير المبرر على الفور".

وخلال العامين الماضيين، سعى الحوثيون باستمرار إلى فرض سلسلة من الشروط الجديدة على إيصال المساعدات، مما أثار أزمة جديدة.

والصيف الماضي، قام برنامج الغذاء العالمي بتعليق برنامج المساعدات بعد أن خرق الحوثيون اتفاقية للسماح لوكالة الغذاء العالمي بتقديم برنامج لتتبع متلقي الأغذية باستخدام معدات الأنظمة البيومترية. غير أن الحوثيين استولوا على المعدات في مطار صنعاء الدولي.

ولا يزال ملف المساعدات الإنسانية عنوانًا للاستهداف المروّع من قِبل المليشيات الحوثية، على النحو الذي يُضاعف من المأساة والأزمة الإنسانية.

وقبل أيام، كشفت مصادر عاملة في مجال المساعدات الإنسانية في صنعاء لـ"المشهد العربي"، أنَّ جميع المشروعات الإغاثية والتنموية للمنظمات الدولية متوقفة منذ يناير الماضي بسبب رفض ما يسمى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشئون الإنسانية الذي أنشأ بواسطة مليشيا الحوثي, منح تصاريح للمشروعات الجديدة.

وأوضحت المصادر أنَّ المجلس الذي قامت المليشيات بإنشائه للسيطرة على المساعدات، رفض منح أي تصريح لمشروع جديد منذ يناير الماضي, وأنّ النشاط الإنساني مهدد بالتوقف جراء تعنت المليشيات.

وأضافت أنّ المليشيات تطالب بشكل صريح وفج مبالغ مالية مقابل تسهيل المشروعات الإنسانية والإغاثية التي تنفذها منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني.

وأشارت المصادر إلى أنّ المليشيات تطالب بإعادة صرف المبالغ التي كان يقدمها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

وكانت مليشيا الحوثي قد قامت بفرض ضرائب على المشروعات الإغاثية والإنسانية ردا على إيقاف الميزانية التي كانت تصرف من ( أوتشا ) للحوثيين, قبل أن تتراجع بعد الضجة الأخيرة .

غير أنّ المصادر أكّدت أنّ المليشيات ما تزال ترفض منح تصاريح جديدة للمشروعات الإنسانية والإغاثية رغم إعلانها التراجع عن فرض الضرائب.

ولفتت المصادر إلى أنّ سلسلة اجتماعات عقدت بين ممثلي منظمات الأمم المتحدة وقيادات حوثية في صنعاء لتجاوز العراقيل, غير أنّها تعود إلى نقطة الصفر جراء إصرار المليشيات على إعادة المبالغ التي كانت تصرف لقيادات حوثية.

وشهدت الفترة الماضية، خلافات حادة بين مليشيا الحوثي والمنظمات الدولية، ما دفع المانحين للتهديد بإيقاف تمويل برامج المساعدات الإغاثية في مناطق سيطرة المليشيات.

الخلافات بدأت بعد إيقاف مخصصات مالية ضخمة كانت تصرف من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا "الأوتشا", كميزانية لما يسمى هيئة تنسيق وإدارة الشئون الإنسانية التي قامت المليشيات بإنشائه للسيطرة على المساعدات.


ونشأت الخلافات أيضًا بعد توقيف مخصصات مالية كبيرة تصرف شهريًّا من منظمات الأمم المتحدة المختلفة لقيادات حوثية تحت بنود التنسيق والتسهيل.

هذه الميزانية كانت تصرف لقيادات بشكل شهري بينهم القيادي النافذ محمد علي الحوثي عضو ما يسمى المجلس السياسي, وأحمد حامد المعين من المليشيات مديرًا لمكتب رئاسة الجمهورية, ورئيس مجلس إدارة ما يسمى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشئون الإنسانية, وعبدالمحسن الطاووس المسؤول عن المجلس, وقيادات حوثية أخرى بينهم القيادي فيصل مدهش الذي عين مؤخرًا في هذا المجلس.

وردَّت القيادات الحوثية على إيقاف تلك المخصصات المالية بفرض ضريبة على المساعدات تذهب ريعها لصالح مجلسهم, وهو ما رفضته منسقة الشئون الانسانية في اليمن ليزا غراندي، وحذرت الحوثيين من تأثير ذلك على المانحين.

ولا تزال تفرض المليشيات الكثير من العراقيل على مشروعات الأمم المتحدة، مطالبةً بإعادة الميزانية التي كانت تصرف من "الأوتشا", وكذلك المخصصات المالية التي كانت مرصودة من منظمات الأمم المتحدة.

وزادت المليشيات من تعنتها لابتزاز المنظمات العاملة في المجال الإنساني والإغاثي, رغم الأموال التي كان يتلقونها باسم تسهيل العمل.

وأسفرت جرائم الحوثيين في نهب المساعدات الإغاثية وعرقلة توزيعها في مضاعفة الأزمة الإنسانية على صعيد واسع، حتى لجأت كثيرٌ من الأطراف إلى وقف تسليم هذه المساعدات.