مسار جريفيث السياسي.. استراتيجيةٌ ينقصها الحزم

الأحد 8 مارس 2020 02:05:44
 مسار جريفيث السياسي.. استراتيجيةٌ ينقصها الحزم

من جديد، تحدَّث المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث عن مسار الحل السياسي للأزمة القائمة منذ نحو ست سنوات، وخلّفت وراءها كثيرًا من المآسي.

تصريحات جريفيث جاءت خلال زيارته إلى محافظة مأرب اليوم السبت، حيث قال إنّها تستمر يومًا واحدًا ويلتقي خلالها ممثلي السلطات المحلية وقادة القبائل ومجموعة من النساء والشباب وناشطي المجتمع المدني.

جريفيث دعا كافة الأطراف إلى تجنب تحويل محافظة مأرب لبؤرة نزاع قادمة، وقال إنّه وصل الآلاف من النازحين لمأرب هربًا من القتال في الجوف.

وأضاف: "يجب على أطراف النزاع ضمان استمرار مأرب كملاذ وألا تتحول لبؤرة النزاع القادمة".

وشدّد المبعوث الأممي على ضرورة الوقف الفوري غير المشروط للأنشطة العسكرية من مختلف الأطراف، وجدّد دعوته بضرورة البدء في عملية خفض تصعيد شاملة وجامعة تسمح بالمحاسبة والمساءلة.

وأوضح أنّه يجب أن تُترجم الردود الإيجابية الأولية التي تلقاها من أطراف النزاع باليمن لأفعال فورية على الأرض.

ولفت جريفيث كذلك إلى على عدم وجود بديل عن تسوية سياسية يتم التوصل إليها عن طريق التفاوض من خلال استئناف مبكر لعملية السلام.

وقال مبعوث الأمم المتحدة إنّ روح المغامرة العسكرية والسعي نحو تحقيق مكاسب في السيطرة على الأراضي ليس له جدوى؛ لأن تلك الحرب لا يمكن كسبها عسكريًّا في ساحة القتال.

تصريحات جريفيث تؤكّد أهمية المسار السياسي لحل الأزمة الراهنة في اليمن، إلا أنّ هذه الاستراتيجية الأممية ستظل منقوصة من الإجراءات التي تُلزم المليشيات الحوثية بإتباع مسار السلام، والعمل على إيقاف الحرب على الفور.

يُستدل على ذلك، بالنظر إلى اتفاق السويد الذي تمّ التوصُّل إليه في ديسمبر 2018، وقد نُظر إليه بأنّه خطوة أولى على مسار الحل السياسي، إلا أنّ الخروقات والانتهاكات الحوثية بدّدت هذه الآمال، وأفشلت سبل التوصّل إلى حل سياسي شامل يوقف الحرب.

وأصبح من الضروري على الأمم المتحدة أن تلزم المليشيات الحوثية بأن تنخرط في طريق السلام، لا سيّما أنّ إطالة أمد الحرب أمرٌ يضاعف من المأساة الإنسانية.

ويعيش السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين مآسي إنسانية شديدة البشاعة، وثّقتها التقارير الدولية بفعل تفشي حالة الفقر وتزايد أعداد المتسولين بشكل حاد.

ولوحظ في الفترة الماضية، انتشار مكثف للمتسولين في معظم أنحاء محافظة صنعاء، وهو ينتشرون في معظم الأحياء، يجوبون الشوارع وتقاطعات الطرق والأسواق، يفترشون الأرصفة وأبواب المساجد والمحال التجارية والمنازل، أملًا في الحصول على مساعدات مالية أو عينية.

وما تشهده صنعاء ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين من زيادة المتسولين أصبح أمرًا غير مسبوق، حتى أصبح التسول من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشارًا، بسبب تفشي الجوع وفقد الوظيفة وموت العائل.

ولا تقتصر ظاهرة التسول على شريحة كبار السن الذين يمكن أن يتعاطف الناس معهم، فالأطفال والنساء انضموا أيضًا إلى طابور كبير من المتسولين الذين تمتلئ بهم شوارع المدن.

وكشفت دراسة كانت قد أجريت في 2013، شملت ثماني محافظات، العدد الكلي للمتسولين في صنعاء بنحو 30 ألف طفل وطفلة جميعهم دون سن الـ18، إلا أنّ دراسات أخرى صدرت في 2017 بيّنت أنَّ عدد المتسولين ارتفع بشكل مخيف ليصل إلى أكثر من 1,5 مليون متسول ومتسولة.

وتشهد المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين تفشيًّا مخيفًا لكارثة المجاعة منذ خمس سنوات على الأقل، مع تزايد أعداد الأسر الفقيرة وفقدان آلاف الأسر لمصادر عيشها.

وهناك ملايين السكان الذين هو بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، في وقت ظهرت فيه مؤشرات المجاعة في أكثر من محافظة، جرّاء الحرب التي شنتها مليشيا الحوثي منذ صيف 2014.

وفي وقتٍ سابق، أعلن البنك الدولي أنّ الحرب الحوثية تسبّبت في وقوع أكثر من 21 مليون نسمة من أصل 26 تحت خط الفقر، أي 80% من تعداد سكان البلد المضطرب، في حين قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنّ قرابة 24 مليون شخص بحاجة للمساعدات الإنسانية.

كما كشف تقرير حديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "OCHA" أنّ ما يقرب من 50% من الأسر في اليمن بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.

وقال المكتب في بيان له، إنّ أزمة اليمن لا تزال أسوأ أزمة إنسانية في العالم في عام 2020 ، حيث أن ما يقرب من 50 ٪ من جميع الأسر في حاجة ماسة للمساعدات، وأضاف: "شكرًا للمانحين وجميع الشركاء الذين يعملون بلا كلل لتخفيف معاناتهم".

وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في نهاية العام المنصرم، أنّ نسبة الفقر في اليمن وصلت 75% مقارنة بـ4% قبل بدء الحرب في العام 2014.

وقال بيان صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إنّه إذا استمر القتال حتى عام 2022، فستُصنف اليمن كأفقر بلد في العالم"

وأضاف في حالة عدم نشوب الصراع، فإنه كان بالإمكان أن يحرز اليمن تقدما نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتي تُعد الإطار العالمي لمكافحة الفقر الذي تم الاتفاق عليه في عام 2015 مع التاريخ المستهدف لعام 2030 ولكن أكثر من أربع سنوات من القتال أعاقت التنمية البشرية لمدة 21 عامًا.

في الوقت نفسه، غرست المليشيات الموالية لإيران بذور بيئة خصبة لتفشي الأوبئة والأمراض القاتلة، كما عملت على استهداف المستشفيات وعرقلة عملها سواء بتعريض حياة كوادرها للخطر أو قصفها لإخراجها عن العمل، فضلًا عن سرقة الأدوية المخصصة لعلاج المرضى.

أدّى كل ذلك إلى أزمة صحية متفاقمة في بيئة مجتمعية فقيرة، لا تملك مواجهة هذا الخطر المروِّع، وذلك يندرج في إطار خطة حوثية كاملة تستهدف نشر الفوضى على كافة الأصعدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.