بَذخ الأمم المتحدة.. رصاصٌ آخر فاقم مأساة اليمن
في الوقت الذي تتقاسم فيه المليشيات الحوثية وحكومة الشرعية مسؤولية تفاقم الأزمة في اليمن وتردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، فإنّ الأمم المتحدة تتحمّل هي الأخرى جانبًا من انهيار الوضع الإنساني بفعل ممارساتها وسياساتها التي تظل مثار الكثير من الانتقادات.
وفيما بلغت الأزمة الإنسانية حدًا شديد البشاعة، فيبدو أنّ هذا الوضع مرشحٌ لمزيد من الانفجار في المرحلة المقبلة، بعدما أعلنت الأمم المتحدة اعتزامها وقف العديد من البرامج التي تقوم بها في اليمن إثر نقص التمويل.
وعبرت وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة، اليوم الجمعة، عن قلقها من تدهور الوضع الإنساني في اليمن مع انتشار فيروس كورونا ونقص التمويل الذي يهدد برامج إغاثة ضرورية.
وقال روبرت كولفيل المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في إفادة صحفية في جنيف: "أكثر من 30 برنامجًا من بين 41 برنامجًا تدعمها الأمم المتحدة باليمن ستتوقف في الأسابيع القادمة ما لم يتم تأمين تمويل إضافي".
من جانبها، أوضحت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لاركيه أنّه لم يُسدد سوى 47% فقط من أصل 1.35 مليار دولار تم التعهد بتقديمها من أجل اليمن في أوائل يونيو، وهو ما يقل مليار دولار عن المبلغ المستهدف.
الخطوة الأممية تقود إلى سيناريو مخيف ينتظره اليمن خلال الأسابيع المقبلة من حيث تفاقم المأساة الإنسانية في اليمن، وهي في الأساس أزمة كارثية ليست بحاجة إلى مزيدٍ من التعقيد.
مسؤولية هذا الوضع البشع تقع على المليشيات الحوثية وحكومة الشرعية، وكذا الأمم المتحدة التي توجّه لها انتقادات بل واتهامات عن تعاملها مع مجريات الأزمة الراهنة، وما يمكن اعتباره بذخًا كبيرًا تمارسه المنظمات الأممية سواء في التنقل عبر الطائرات أو الإقامة في الفنادق.
وفيما تشكو الأمم المتحدة ومنظماتها الإغاثية من نقص التمويل، فإنّ المنظمة الدولية تمارس بذخًا كبيرًا وتنفق قدرًا كبيرًا من الأموال على ميزانية تشغيل برامجها، على النحو الذي يلتهم قدرًا كبيرًا من هذه المساعدات.
وفي الوقت الذي تتعقد فيها الأزمة سياسيًّا وتستعر المأساة إنسانيًّا، قفد تم الكشف عن نفقات ضخمة لتشغيل البرامج الأممية من باب العمل الإغاثي.
وسبق أن كشفت رئيسة منظمة مبادرة "مسار السلام" رشا جرهوم أنّ ميزانية مكتب المبعوث الأممي مارتن جريفيث خلال العام الماضي بلغت حوالي ١٧ مليون دولار، وتصل هذا العام الموازنة إلى ١٨ مليون دولار، موضّحةً أنّ ميزانية مكتب جريفيث تخطت ميزانية البعثة الأممية في سوريا والتي تبلغ ١٦ مليون دولار.
وأضافت أنّ صرفيات مكتب جريفيث المتعلقة بالطيران هي بمعدل ١,٣ مليون دولار سنويًّا، مشيرةً إلى أنّ عدد موظفي مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن بلغ 95 موظفًا في العام الماضي وسيرتفع إلى 101 خلال هذا العام، أغلبهم موظفون دوليون، وبالمقارنة في سوريا فهناك ٩١ موظفًا.
واستعرضت رئيسة المنظمة ميزانية بعثة الأمم المتحدة في الحديدة لعام ٢٠١٩، حيث أوردت البيانات أنّها بلغت 56 مليون دولار، بمعدل صرفيات شهرية تتراوح بين 2.4 - 4.6 مليون دولار.
وقالت جرهوم - الحائزة مؤخرًا على جائزة (أنیتا أوجسبرج للمتمردات ضد الحرب) - إنّ عدد موظفي بعثة الحديدة بلغ ١٣٨ موظفًا في ٢٠١٩، وسيرتفع إلى ١٥٩ في ٢٠٢٠ بواقع ٢١ وظيفة ١٥ منها لموظفين محليين.
وأضافت أنّ إيجار السفينة مقر بعثة الحديدة بلغ 810 آلاف دولار بالشهر، مشيرةً إلى أنّ هناك توصية بوقف الاستئجار للسفينة من مارس ٢٠٢٠ وترميم واستئجار فلل داخل مدينة الحديدة.
يُلخِّص هذا الكشف حالة العبث التي تؤديها الأمم المتحدة في تعاطيها مع الأزمة اليمنية الراهنة، حيث أصبح واضحًا للعيان أنّها لا تهدف إلى وقف الحرب وإنقاذ المدنيين وحمايتهم من براثن الحرب.
ويعيش اليمن مأساة إنسانية بشعة، ليست في حاجة لما يضاعفها، وقد أعلن البنك الدولي -قبل أيام- أنّ الحرب الحوثية تسبّبت في وقوع أكثر من 21 مليون نسمة من أصل 26 تحت خط الفقر، أي 80% من تعداد سكان البلد المضطرب، في حين قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنّ قرابة 24 مليون شخص بحاجة للمساعدات الإنسانية.
كما كشف تقرير حديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "OCHA" أنّ ما يقرب من 50% من الأسر في اليمن بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.
وقال المكتب في بيان له، إنّ أزمة اليمن لا تزال أسوأ أزمة إنسانية في العالم في عام 2020 ، حيث أن ما يقرب من 50 ٪ من جميع الأسر في حاجة ماسة للمساعدات، وأضاف: "شكرًا للمانحين وجميع الشركاء الذين يعملون بلا كلل لتخفيف معاناتهم".