عصر التواصل الاجتماعي يضيق مساحة المناورة بين أبل وسامسونغ، وعمالقة التكنولوجيا يجتازون عصر ما بعد انهيار نوكيا.

ثقافة القبيلة تجتاح سوق الهواتف الذكية

الأربعاء 28 فبراير 2018 03:09:21
ثقافة "القبيلة" تجتاح سوق الهواتف الذكية

جعبة المخططين في شركات الهواتف الذكية بدأت تجف

العرب

تكشف الخصائص التي يحملها هاتف غالاكسي آس9، أحدث إنتاجات شركة سامسونغ، عن تحولات تطال عقلية صناعة الهواتف الذكية بشكل شامل، والأمر لا يقتصر فقط على سامسونغ التي اختارت أن يكون أحدث هواتفها مواكبا للثورة في عالم مواقع التواصل الاجتماعي، من حيث التطبيقات والصوت وجودة التصوير، ضمن استراتيجية تشير إلى أن هذه الشركات بدأت تأخذ منحى أكثر تخصصا في تصنيع هواتفها عوضا عن إنتاج هاتف يتمتع بخصائص شاملة.

تتحول المنافسة بين شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تصالح مع واقع جديد يفرض نفسه تدريجيا على سوق الهواتف الذكية، وسط تراجع حاد في نسب الأرباح والقدرة على الحفاظ على سوق “ثنائي القطبية” ظلت المنافسة فيه منحصرة لسنوات بين أبل وسامسونغ.

وانعكست الرؤية الجديدة لصناعة الهواتف في خصائص هاتف غالاكسي آس 9 الذي طرحته سامسونغ الأحد الماضي، وركزت فيه على استهداف قطاع واسع من الشباب، الذين يعكفون لساعات طويلة كل يوم على مواقع التواصل الاجتماعي.

توافقات موازية

تظهر السياسة الجديدة اتخاذ عمالقة التكنولوجيا في العالم منحى مختلفا يقوم على استراتيجية “التوافقات الموازية”، بدلا من نهج تقليدي يعتمد على الصدام ومحاولة كل طرف إخراج منافسيه من السوق، أو المواجهات القانونية طويلة الأمد التي لا تزال المحاكم الأميركية تشهدها بين أبل وسامسونغ وغوغل ومايكروسوفت.

عصر مواقع التواصل غيّر طريقة عمل شركات التكنولوجيا، وأجبرها على التكيف مع احتياجات أجيال جديدة، تمثل مواقع فيسبوك وتويتر وسناب شات وإنستغرام ضرورة يومية بالنسبة لها

وباتت الشركات، في إنتاجها للهواتف الجديدة، تستهدف “قبيلة” معينة في صورة قطاع متماسك من المستخدمين، بدلا من تقاليد التنافس على طرح أكثر الهواتف شمولية وقدرة على جمع خصائص متنافرة أحيانا.

سيخلق ذلك ثقافة إنتاج جديدة، تحاول محاكاة التطلع المتزايد لدى المستخدمين لهواتف أكثر تخصصا، وتسهم في ملء فراغ اهتمام معين يقوم الكثيرون باقتناء الهاتف الذكي من أجل إشباعه.

ويركز هاتف سامسونغ الجديد على التطبيقات البصرية الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي، على أمل جذب الشباب وسط سوق متباطئة.

وفي ظل توقّعات بأن يظل سوق الهواتف الذكية مستقرا أو حتى يتجه نحو الانكماش بعد نمو هزيل، بلغ واحدا بالمئة فقط العام الماضي، يركز البائعون على الخواص المصممة لتشجيع العملاء على التخلص من هواتفهم القديمة بشكل أسرع.

الرؤية الجديدة لصناعة الهواتف الذكية انعكست في خصائص هاتف غالاكسي آس 9 الذي طرحته سامسونغ

وفي السابق لم يكن عامل “الإغراء” محور استهداف الطرز القديمة ودفع المستخدمين لشراء الأحدث. وأظهرت فضيحة أبل، التي اتهمت بأنها تعمل على إبطاء بطارية الهاتف عبر النسخ الجديدة من برنامج التشغيل “أي أو آس”، بتمسك شركات التكنولوجيا بمحاولات إجبار المستخدمين على التخلص من هواتفهم القديمة.

لكن بعد طرح أبل بطاريات هواتفها بأسعار رخيصة (أقل من 30 دولارا)، زادت المخاوف من إمكانية أن يؤدي ذلك إلى إبطاء المبيعات وتراجع النمو في صافي الأرباح بشكل عام.

وأطلقت سامسونغ الهاتف آس 9 خلال معرض الهواتف المحمولة في برشلونة، حيث اجتذب الآلاف من المراسلين للوقوف على كيف بإمكان أكبر شركة منتجة للهواتف الذكية في العالم الابتكار في فئة بات اللاعبون الكبار فيها متقاربين تكنولوجيا أكثر من أي وقت مضى.

ووصلت نسبة التقارب إلى اختفاء الفروق بين هواتف سامسونغ وأبل، خصوصا تكنولوجيا التعرف على الوجه، التي أطلقتها أبل في هاتفها آيفون إكس. وقالت سامسونغ حينها إن هواتف سامسونغ تحتوي على هذه الخاصية بالفعل.

ويقول متخصصون في صناعة التكنولوجيا إن “جعبة المخططين في شركات التكنولوجيا بدأت تجف من الابتكارات الجديدة”.

ويتميز هاتف غالاكسي الجديد بكاميرا محسنة وأداة صوتية مزودة بخصائص الذكاء الاصطناعي ووظائف لوسائل التواصل الاجتماعي أكثر سهولة في الاستخدام من الهواتف السابقة.

شركة أبل تستعد للكشف عن أكبر جهاز آيفون على الإطلاق، إضافة إلى نموذجين آخرين أقل سعرا وبنفس الخواص الرئيسية للهاتف الشهير

وتشمل الخواص الجديدة كاميرا يمكن ضبطها لتصوير الحركة ببطء، بالإضافة إلى برنامج يحوّل الصور الذاتية الملتقطة بالكاميرا الأمامية إلى رموز تعبيرية فورية.

وكشفت شركة سوني عن هاتفها الجديد إكسبيريا إكس-زد2، ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للجوال، والذي ويشبه هاتف غالاكسي آس9 الهاتف الجديد إكسبيريا إكس-زد2 الذي حاول أيضا مغازلة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، عبر تزويد الهاتف بكاميرا تعمل بتقنية موشن آي المتطورة، التي تستطيع التقاط مقاطع الفيديو بتقنية4 كيه.

ويقول محللون ومتخصصون إن عصر مواقع التواصل غيّر طريقة عمل شركات التكنولوجيا، وأجبرها على التكيف مع احتياجات أجيال جديدة، تمثل مواقع فيسبوك وتويتر وسناب شات وإنستغرام ضرورة يومية بالنسبة لها.

وتتطلب المواظبة على مواقع التواصل هاتفا بجودة كاميرا عالية، تستطيع التقاط الصور ومقاطع الفيديو بجودة عالية، كما تتطلب معاجلا سريعا واتصالا دائما بالإنترنت. كما يتطلب أيضا وحدة صوت قادرة على الوصول إلى نقاء عال، حتى يتمكن محبو إرسال الرسائل الصوتية استخدام الهاتف دون تعقيد.

البحث عن قبيلة

ليست مواقع التواصل وحدها هي المحدد الرئيسي لسياسات عمالقة التكنولوجيا اليوم، بل لا تزال تحرك شركات صناعة الهواتف ميولا أخرى أيضا.

ومن بين أهم خصائص هاتف سوني الجديد كبر حجم الشاشة، الذي يصل قياسها إلى 5.7 إنش بجودة إتش دي، وبتقنية إتش دي أر، وهو ما يجعل الهاتف مثاليا للمستخدمين من محبي مشاهدة الأفلام على الهواتف الذكية.

كما ركزت شركة سوني في هواتفها السابقة على جودة تقنيات الصوت، إذ أصدرت مجموعة من هواتف إكسبيريا عرفت باسم “الهواتف الموسيقية”. وكانت سوني تهدف إلى الفوز بحصة كبيرة بين مستخدمي الهواتف الذكية المحبين للاستماع للموسيقى كثيرا، في وقت كانت شركتا أبل وسامسونغ لا تزالان تهيمنان على السوق بشكل حصري.

لكن هذه الهيمنة بدأت تنحصر تدريجيا خصوصا بعد بدء اعتماد المصنعين على إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز إلى الهواتف الذكية، خصوصا في بصمة التعرف على الوجه والألعاب الإلكترونية، كما دخلت الشركات في تنافس كبير على إطالة أمد شحن البطارية، وتقنيات الشحن اللاسلكي.

وأدّى ذلك إلى ضيق حيز المناورة بين الشركات المتنافسة، ولجوء أغلبها إلى تقنيات متشابهة.

وقال خبراء إن عمالقة التكنولوجيا انتهجوا، منذ عام 2010، سياسة الإسراع في الاستحواذ على الأفكار التي كانت جديدة نسبيا في ذلك الوقت، والتنافس على حصة شركة نوكيا، الرائدة في صناعة الهواتف التقليدية، من السوق.

لكن هذه المرحلة انتهت على ما يبدو، منذ أن طرحت أبل هاتفي آيفون 8 وآيفون إكس العام الماضي. ويقول الخبراء إن عام 2017 مثل التقاء عمالقة التكنولوجيا عند نقطة فراغ واحدة.

وتعمل الشركات المتنافسة اليوم على تحويل نقطة الالتقاء إلى نقطة انطلاق. وسيكون الانطلاق هذه المرة متشعبا، إذ ستبحث كل شركة من جانبها على “قبيلة” من المستخدمين التي ستحاول استهدافها وتلبية رغباتها، أملا في إغراء مستخدميها للتخلص من هواتفهم القديمة أسرع من الشركات المنافسة.

وستعتمد كل شركة في ذلك على مراقبة الشركات المنافسة أملا في تجنب أي تكرار مع الخاصية الرئيسية التي تتبناها في هواتفها الذكية. لكن ذلك لا يمنع من مشاهدة منافسة شرسة على محاولة الشركات اجتذاب المستخدمين الذين يحافظون على ولائهم لشركات أخرى، سعيا لزيادة نسب المبيعات وحصص السوق.