موسم الحزن

يبدو أنه موسم الحزن المتوالي يأبى إلا أن يلازم حياتنا ويجبرنا على التعايش مع آلامه المرة.
ذات مرة قال أحد المعلقين أن د. عيدروس واقف في محطة التعازي والمواساة، . . . ويبدو انه محق في ذلك لكن الأحزان هي من تختارنا ولسنا من يختارها وإلا لتمنى المرء أن لا يرى نفسه حزيناً ولو للحظة واحدة.
اليوم تلقيت نبأ وفاة الشخصية التربوية والوطنية الأستاذ يسلم صالح زين السنيدي.
الفقيد شخصية وطنية وتربوية وسياسية معروفة بمواقفها الوطنية وعلاقاتها العامة المشرفة وسمعتها النقية في كل مديريات يافع وأبين.
في العام ١٩٧٠م كنا مسافرين برا عبر طريق حطاط (سيرا على الأقدام) عائدين من عدن وأبين . . . كنا وفدا طلابيا من ٣ افراد هم الزميلان محمد عوض راجح، الذي غدا مدرسا ثم موجهاً للغة الإنجليزية في ما بعد، ناصر علي حيدره القائد العسكري والأستاذ في الكلية العسكرية (والمبعد عن عمله منذ ١٩٩٤م) وأنا، لكن التعب كان قد انهكنا وحل الظلام ونحن في منطقة امصداره، وعجزنا عن مواصلة السفر ورحنا نبحث عن اي ملاذ ننام فيه ولو تحت شجرة. . . وقد نصحنا احدهم بأن نذهب إلى بيت يسلم صالح فهو لديه متسع ويقدر على استقبالكم، ودلنا على المنزل الواقع قرب المدرسة.
عندما وصلنا رحب الأستاذ يسلم بنا أيما ترحيب وتعامل معنا وكأنه يعرفنا منذ زمن، ولم يكتف بتوفير مكانٍ لنومنا بل لقد قدم لنا وجبة العشاء ثم شرعنا في أحاديث في السياسة والفكر حول هموم تلك المرحلة، وكنا نحن الثلاثة حديثي الانخراط في العمل السياسي والنقابي لكننا كنا نفهم بعض الابجديات الضرورية لتلك المرحلة التاريخية.
وفي الصباح أبى ان يسمح لنا بالمغادرة إلا بعد تناول وجبة الإفطار مبرراً " أمامكم رهوة مسكبة وجبل السنيدي والنزول إلى رخمة وهذا يتطلب طاقة وقوة لا يمكن الاستغناء عنها لإكمال رحلتكم".
لن تنمحي هذه الذكرى من وعيي وتعجبت أن أمثال هذا الرجل ما زالوا موجودين على هذه البسيطة. . . وتدور الأيام وتتقادم الأزمنة وأنتقل انا للعمل في أبين ويشاء القدر أن أسكن وزميلي أحمد يسلم (نجل الفقيد) في نفس العمارة ونفس البوابة. . . وكان الفقيد يزور أسرة الزميل أحمد وفي كل مرة كان يحرص على السؤال عني ونلتقي ونتجاذب اطراف الحديث في كل شيء وعندما كنت احدثه عن استقباله لي وزملائي في العام ١٩٧٠م كان يقول أنه قد نسي كل هذا ولم يعد يتذكره ، ربما لكثرة ما استقبل من اناس وما أسعف من محتاجين.
بقي الفقيد محتفظا بسجايا المناضلين وخصال الفدائيين . . . ، لم يتأثر بملوثات العصر وأدواء الزمن بل بقي كما عرفته أول مرة، ذلك المربي الفاضل والإنسان الكريم الناكر لذاته المؤثر لغيره على نفسه المتواضع لكن المعطاء البشوش لكن الذكي، المخلص للوطن وللاجيال وللمجتمع.
تخرج على يديه الآلاف المؤلفة من التلاميذ الذين صار منهم الأطباء والمهندسين والقادة العسكريين والسياسيين والقانونيين والتربويين والاقتصاديين وسواهم.
ومع إن الموت حق على كل مخلوقات الله على هذه الارض، لكن هناك فوق بين موتٍ وموت.
موت الأستاذ يسلم يمثل خسارة لا يمكن تعويضها وما سيتركه من فراغ لا يمكن أن يملأه أحد ولو بعد حين.
رحمك الله يا أبا أحمد وأسكنك فسيح جناته وبهذا المصاب الجلل اتقدم بصادق العزاء إلى الزميل التربوي والكاتب الصحفي احمد يسلم وكل إخوانه وجميع أفراد الأسرة الكرام وإلى جميع زملاء ورفاق وتلاميذ ومحبي الفقيد سائلا الله ان يلهمهم جميعا الصبر والسلوان.
"إنا لله وإنا إليه راجعون"