هل تنجح لبنان في الكشف عن مصابي كورونا عبر الكلاب البوليسية ؟
تتنامى المخاوف حول ارتفاع أعداد الإصابة بفيروس كورونا المستجد في الآونة الأخيرة، وبعد أن فتحت بعض الدول الطيران ورفعت بعض القيود يأتي التساؤل هل ستعود هذه الدول لفرض قيود جديدة؟
للإجابة عن هذا السؤال فعلينا أن نعرف أن نتيجة فحص كورونا تتطلب ساعات عدة عامةً، وقد لا يكون من الممكن انتظارها في بعض الظروف، ولكن كل ذلك قابل للتغيير، نتيجة تقنية جديدة توصل إليها الطبيب اللبناني الاختصاصي في جراحة الأورام السرطانية ومدير الأبحاث الطبية بين لبنان وفرنسا، رياض سركيس، بعد سنوات من البحث والدراسات، تسمح بالكشف عن إصابات كورونا باللجوء إلى الكلاب المدربة خصيصاً لهذه الغاية.
السرطان وكورونا وأمراض أخرى تكشفها الكلاب
يستعد لبنان قريباً لاعتماد الكلاب المدربة في المطار على أن تعتمد أيضاً في أماكن أخرى عدة تبرز فيها الحاجة إليها. وقد استقدم المطار بيوتاً خاصة بالكلاب تمهيداً لاقتنائها، حتى تعرض رائحة المسافر على الكلب للكشف عما إذا كان مصاباً أو لا، من دون أن يرى المسافر الكلب الموجود في المنطقة المخبرية. أما خارج المطار فكان الطلب مرتفعاً على التقنية وعلى نطاق واسع في مصارف معينة وفنادق ومستشفيات ومدارس، وفق سركيس. كما بدأ اعتمادها في دبي وأبوظبي بعد أن قام سركيس بتدريب الفرق المختصة. وجذبت هذه الفكرة دولاً عدة بدأت تعتمدها من أميركا اللاتينية وأوروبا الشمالية ونحو 62 دولة من أفريقيا وأستراليا وكندا ودول عربية، كلها أظهرت اهتماماً لاعتمادها في المطارات وفي الأماكن السياحية وأماكن التجمعات الكبرى بهدف الكشف عن الفيروس بأسرع وقت ممكن، إذ يمكن للكلب المدرب لهذه الغاية أن يكشف عن الإصابة خلال ثوانٍ معدودة بدلاً من انتظار ساعات إلى حين صدور نتائج الفحوص المخبرية، ما يسمح بمواجهة الوباء والحد من انتشاره.
في الواقع، ليست هذه التقنية وليدة هذه المرحلة، بل بدأت الأبحاث المتعلقة بها منذ سنوات مضت. وقد بدأ بها سركيس منذ 12 سنة لكشف الأمراض المزمنة، خصوصاً السرطان، ويستند فيها إلى علم الـVOCs، وهي عبارة عن رائحة الجلد الناتجة عن تغيير في تحركات الخلايا، فتعطي علامة محددة وخاصة لكل خطأ جيني.
وبحسب ما يوضح سركيس في حديث لـ"اندبندنت عربية": "يُعطي كل من أنواع السرطان رائحة خاصة به. كذلك بالنسبة للأمراض الأخرى كالباركنسون، وداء ألزهايمر والتصلب اللويحي. عندما بدأ انتشار وباء كورونا وبدأت تظهر تداعياته الخطيرة، فكرت مباشرةً بإمكان وجود VOCs خاص بالفيروس". أجريت الدراسة وتحققت من ذلك، وأعلنت للبيت البيطري في باريس عن نيتي بالمضي قدماً في مشروع الكشف المبكر عن الفيروس من خلال رائحة الجلد باعتماد الكلاب البوليسية. حصل التعاون مع البروفسور البيطري دومينيك غرانجان وكانت تجربة ناجحة بعد أن دربت الكلاب التي أمنها البيت البيطري. وأضحى كشف كورونا سهلاً بعد تدريب الكلاب.
وبعد هذه المرحلة، أجريت دراسة في فرنسا ولبنان على نحو 500 مصاب بكورونا، وكانت تجربة ناجحة بنسبة 100 في المئة باللجوء إلى كلبين بوليسيين خضعا للتدريب في لبنان. كما أجري بعدها الاختبار السريري على عدد كبير من المرضى، وتأكدت الدقة المطلقة لهذه التقنية، حيث لا مجال فيها للخطأ. وحاز المشروع على دعم الدولة الفرنسية وأجريت التدريبات للمختصين في تدريب الكلاب البوليسية لكشف كورونا بشكل خاص.
وقد تطرح تساؤلات حول مدى دقة التقنية في التطبيق، فهل من مجال للخطأ في كشف الفيروس كونها ترتكز حصراً على حاسة الشم لدى هذه الكلاب البوليسية المدربة؟ يؤكد سركيس أنه ما من مجال للخطأ أو الالتباس هنا. فلا يمكن أن يخطئ الكلب ويمزج بين الإصابة بالتهاب آخر والإصابة بكورونا مثلاً. فهذه التقنية أولاً وآخراً خاصة بكورونا. ومن المؤكد أنها تمتاز بدقة لا متناهية ويمكن للكلب المدرب مسبقاً على ذلك أن يكشف كل مصاب بكورونا ويستحيل أن يخطئ مرة في الكشف. وتبدو هذه التقنية أكثر دقة من فحص PCR الذي يصل احتمال الخطأ فيه إلى نسبة 30 في المئة. وإذا كان مجال الخطأ غير ممكن في حال الإصابة بالفيروس، قد يكون ممكناً بنسبة خمسة أو عشرة في المئة في الحالات السلبية، فيشير الكلب إلى الإصابة. ويحصل ذلك بحسب سركيس، بسبب طريقة تدريب الكلاب البوليسية في الأصل لكشف المخدرات مثلاً. هي تدرب لدواعٍ أمنية وقد يحصل الالتباس من هذه الناحية فقط. يرتبط ذلك بالتدريب، لا بالكلب نفسه لأنه لا يخطئ أبداً. كما قد تلتبس الأمور لدى الكلب أيضاً بحسب التجربة في حالة أخرى. فيعطي نتيجة إيجابية في حال عدم الإصابة إذا كانت سيدة في فترة الإباضة ربما بسبب التفاعلات المتضاربة مع رائحة كورونا الناتجة عن ارتفاع معدلات الـPheromone.
تقضي هذه التقنية بأخذ عينة من موضع يتعرض فيه الشخص للتعرق كمنطقة تحت الإبط أو العنق، حيث تظهر رائحة الجلد من دون أن تحتوي على فيروس. بهذه الطريقة يمكن كشف الجزيئات المناعية من الفيروس والتي بدورها تسمح بكشف الإصابة. ويشير سركيس إلى أن حاسة الشم لدى الكلب تسمح له بتكبير الجزيئات 10 آلاف مرة ما يؤكد على مدى دقة التقنية. في المقابل، يشير إلى أن الدول التي حاولت اعتماد أي من تقنيات كشف الفيروس بالبول أو اللعاب كبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، فشلت وتتجه حالياً إلى تقنية الكلاب المدربة لكشف الإصابات بكورونا نظراً لدقتها.
ووفق ما يوضحه سركيس، فقد تكفل هذه التقنية وقف انتشار الوباء حول العالم وإنقاذ آلاف الأرواح في حال اعتمادها على نطاق واسع.
هكذا تدرب الكلاب
الظروف المرافقة لانتشار الوباء وزيادة الضغوط الناتجة عن ذلك تستدعي اعتماد الكلاب البوليسية المدربة مسبقاً لتسريع عملية التدريب على كشف كورونا خلال شهر أو اثنين لا أكثر. الكلاب العادية يمكن تدريبها أيضاً على كشف كورونا فتكون متخصصة في ذلك، ولكن ذلك وقتاً أطول.
ووفق ما يوضحه مدرب الكلاب ماريو عيسى صاحب مدرسة تدريب الكلاب البوليسية في إحدى المناطق اللبنانية، بعد هذا التعاون الفرنسي اللبناني بين البروفسورين غرانجان وسركيس، لاعتماد التقنية التي تعتمد على الكلاب المدربة لكشف كورونا، دربت الكلاب البوليسية في المدرسة على هذا الأساس، علماً أن هذه الكلاب مدربة أصلاً على كشف المتفجرات والمخدرات. وبالتالي لم يكن تدريبها على كشف كورونا صعباً على حد قوله، لأن الأمور لا تختلف كثيراً لها. هي مدربة أصلاً ويمكن أن تبلغ هذه المرحلة لكشف الفيروس خلال شهرين كحد أقصى. أما لو لم تكن الكلاب مدربة سابقاً، فقد يتطلب تدريبها على كشف كورونا أكثر من ثلاثة أشهر. ويشير عيسى في حديثه إلى أن التدريب يحصل بوجود الفريق الطبي وبالتعاون معه لأخذ عينات من مصابين بكورونا حتى يميز الكلب ما بينها وبين العينة التي لشخص غير مصاب "السر في تحقيق نتيجة أكثر دقة في مهارة المدرب ومعرفته معدل الطاقة للكلب. فيعرف أن الكلب يبقى قادراً على العمل بطاقة قصوى هنا حتى 20 دقيقة. وبالتالي يجب عدم تخطي هذه المدة تجنباً للخطأ. مع الإشارة إلى أن الفريق يعمل مع عدد كبير من الكلاب كي يتسنى تبديلها بأخرى عندما تتعب".
وتتجه الأنظار إلى هذه التقنية وإلى كل وسيلة يمكن أن تساهم في الحد من الانتشار المرعب للوباء حول العالم. فهل سيساعد الاعتماد عليها على احتواء الوباء؟