من عيال الحافة

* بعد حرب 94 صحوت من نومي مفزوعاً على صوت بوق وصراخ يكاد ينفجر في أذني ، بطاط ، بصل ، طماط ، فأخرجت رأسي من النافذة ، فوجدت رجلاً يدفع عربية خضار، ومن لهجته و احمرار بشرته عرفت أنه دحباشي، و كان منظراً لأول مرة نشاهده.

* ثرت في وجهه وحدثت مشكلة ، وتكرر نفس الموقف مع معظم أهل الحي ، و بمرور الوقت أصبحا بوقه و صوته طقساً واستأجر منزلاً و بات من سكان الحي ، ومضت سنتان وأصبح مالكاً، و رأينا طفلاً صغيراً يركض خلفه و كان ابنه الذي ترعرع وسط أبناء الحي و لعب في أزقته والتحق بمدرسته ، وصار من عيال الحافة.

* كثيرون مثل عمنا (العتمي)،الذين استقروا في حوافينا و أمسى أبناؤهم من عيال الحافة و حينها كانت الصورة تبدو مثالية ، فقد كنا فرحين بالوطن الجديد و لم يراودنا الانفصال، وبصراحة كان الكثير منهم على المستوى الشخصي (حبوبيين)، وطالما أنك وحدوي أنت أحسن واحد، ولكن إذا كلمتهم عن العدالة و المواطنة المتساوية ، يلطمهم جني وتطلع لهم قرون!.

* اعتقدنا أن حرب 2015 طوت صفحتهم، ولكنهم عادوا إلى عدن و دخلوها نازحين، و منهم من حط رحاله في أرض يحسبها خلاءً و بدأ بسطه بكراتين ثم عشة و بعدها ببردين و الآن بيوت خرسانية ، وآخرون اشتروا بقعاً تأمرهم أمانيهم بتعميرها، وبعضهم نازحون بدرجة وكيل و مدير عام و ختموها بنقل شركاتهم و جامعاتهم، و إذا استمروا ستنزح صنعاء كلها إلى عدن!.

* النازحون في مأرب يعيشون في مخيمات خارج المدينة و يسكنون خياماً، لم نر جدار بردين أو مسمار في لوح ، فالأرض التي عليها المخيمات ملكية خاصة، وعدن (العرطة) استوطن النازحون قلبها و نجروا جبالها و حفروا بيارتهم على حقول مياهها دون إن تسألهم سلطة أو يردعهم أمن ، و يا ويل إبليسه من يأمر بإزالتها!.

* تعيش عدن ذروة معاناتها والناس في الجنوب بلا رواتب، و بالوقت التي ترسل الحاجة و السياسة فلذات أكبادنا إلى جبهاتهم تستقبل عدن أربعة ملايين نازح من (الخبرة) يستلمون راتب و (راشن) من المنظمات و تصرف لهم الحكومة معاشاً شهرياً، وفي الأعياد تحج أفواجهم إلى القرية ويعودون كلهم بسلام!.

* الحق ليس عنصرية ، فإذا تركنا عواطفنا أن تقرر موقفنا فسيأتي يوم لن تجد عدن خرم إبرة لكي تتنفس أو تحلم، و لن تجد جبلاً يحرسها أو بحراً تغتسل فيه ، كما أن صمتنا جريمة في حق أجيالنا القادمة الذين لن يجدوا مكاناً لمنزل أو مستشفى أو ملعب أو حديقة أطفال أو حتى حفرة تكرم موتهم.

* لا ندعو إلى ترحيلهم، ولكن أضعف الإيمان نضموا نزوحهم وتعلموا من سلطة مأرب ، قبل أن يصبح أربعة ملايين نازح من عيال الحافة.