(تحقيق).. الحضور القسري للميليشيات أفقد الحديدة القدرة على إعادة إنتاج مظاهر الحياة الطبيعية
فقدت «الحديدة» المدينة الساحلية، التي تحتضن أهم ثاني ميناء بحري في اليمن، القدرة على إعادة إنتاج مظاهر حياة طبيعية بعيداً عن الشعور العام، الذي يتشاطره سكانها بالسخط والرغبة المكبوتة في الانتفاض بوجه ميليشيات الحوثي، التي تسبب حضورها القسري بالمدينة في إضفاء المزيد من المعاناة، التي وصلت إلى حدود كارثية.
الدخول إلى عاصمة المحافظة، التي تعد واجهة سياحية متفردة أصبح أشبه بارتياد منطقة عسكرية مغلقة على ميليشيات لا تتردد في ممارسة أنماط من التعسف المجرد عن الحيثيات الموضوعية، وإخضاع الوافدين لإجراءات تفتيش مهينة تختزل حالة من القلق والتوجس السائد في صفوفها من مخاطر محتملة قد تتسلل عبر المنافذ.
يقول سعيد عبد التواب الجمالي، وهو ناشط اجتماعي بارز أفرجت عنه ميليشيات الحوثي قبل شهرين؛ بعد اختطافه من منزله، إنه وبالرغم من الطبيعة المسالمة، التي يُعرف بها سكان الحديدة إلا أن اندلاع انتفاضة شعبية ضد الميليشيات أضحى أمراً وارداً، مشيراً إلى أن الكثير من شباب حي صنعاء والأحياء المجاورة بالمدينة انخرطوا في صفوف المقاومة التهامية. وأكد المجالي في حديث ل«الخليج»، أن الحوثيين حولوا «الحديدة» منذ اجتياحهم لها في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2014 إلی مدينة منكوبة يرزح سكانها البسطاء تحت وطأة الخوف والفقر والمجاعة والأمراض المتفشية، التي حصدت أرواح الكثيرين، وخاصة من الأطفال والنساء.
التجوال في شوارع الحديدة، التي عادة ما كانت تكتظ بمظاهر حراك شعبي تنفرد به المدينة الساحلية عن سائر المدن اليمنية لم يعد فرصة للاطلاع عن كثب على مكتنزات تاريخية ومعالم سياحية تختزل تاريخ مدينة تحترف إعادة إنتاج مظاهر السلام المجاني؛ حيث تسبب الانتشار المكثف لميليشيات الحوثي، واستحداث الكثير من حواجز ونقاط التفتيش في تكدير المزاج الشعبي، الأمر الذي أصبحت معه عاصمة المحافظة وقلبها النابض أشبه بمدينة أشباح، انحسر من لياليها الصاخبة ضجيج الأسواق ومظاهر الازدحام الجميل، وتلاشى من أجوائها الدافئة عبق عقود «الفل» وأكاليل الياسمين العطرة، فيما فقد البحر رونقه والقدرة على اجتذاب الزوار؛ بعد أن حولت الميليشيات شواطئه الممتدة إلى مواقع تمركز طارئة.
الدكتور محمد سلام المقشر، أخصائي أطفال، يعمل بمستشفى الثورة بالحديدة؛ لكنه يمثل حالة استثنائية؛ حيث خصص أكثر من نصف دخله من عيادة خاصة يمتلكها في شارع صنعاء لشراء أدوية ومضادات حيوية يقدمها مجاناً للمرضي من الأطفال، الذين يشرف على علاجهم في المستشفي الحكومي المتهالك.
واعتبر الدكتور المقشر في حديث ل«الخليج»، أن الأوضاع الصحية في الحديدة تفاقمت إلى حدود كارثية، مشيراً إلی أن معدلات الإصابة بسوء التغذية بين الأطفال في الحديدة، تجاوزت ضعف مؤشر الطوارئ العالمي.
ولفت إلى أن معظم المرافق الصحية والطبية في عاصمة المحافظة والمديريات التابعة للأخيرة توقفت عن العمل؛ بسبب الافتقاد للإمكانات الضرورية اللازمة لممارسة أنشطتها، وكشف عن تداعيات متصاعدة لكارثة صحية تتمثل في تفشي أعراض «سوء التغذية الوخيم».
وأرجعت مصادر طبية في مكتب وزارة الصحة بالحديدة في تصريحات ل«الخليج»، أسباب الانتشار المروع لأعراض سوء التغذية بين أطفال المحافظة، إلى تواضع وضآلة حجم المساعدات الإغاثية والطبية المقدمة من المنظمات الطبية والإغاثية، التي رغم محدوديتها تتعرض للنهب من قبل الحوثيين، وتوقف الكثير من المنشآت الصحية عن العمل وبخاصة في مركز المحافظة والمديريات إلى جانب تفاقم الأوضاع المعيشية لمعظم السكان؛ بسبب الظروف الأمنية والأنسانية، التي فرضتها ميليشيات الحوثي منذ اقتحامها المسلح للمحافظة، وانقطاع صرف المرتبات وتصاعد تداعيات خطرة ناجمة عن كارثة المجاعة، التي توجت مشهد البؤس، ودفعت بمحافظ المحافظة إلى إعلان الحديدة مدينة منكوبة.