الثمار الناضجة لها مواسم وأوقات للحصاد !

إلى متى يبقى الجنوبيون — أو هكذا يراد لهم — يستنشقون عبير الزهور من حدائق رووا تربتها من ملح أجسادهم ومن سماد استثنائي لخصوبتها هو بقايا من عظام لأعز أهلهم وأبطالهم ومن ماء الدموع التي سالت كثيرا ؛ وهم الذين حين يهددها العطش في أيام القيظ العابرة أعاصيرها القاتلة للحدود والمواسم لا يترددون في تلبية النداء — وقد فعلوا ذلك مراراً في تاريخهم — أن يسقوها من دماء الأوردة وحبر القلب حفاظاً على خصائصها وخصوصيتها ومن أجل أن تبقى خصوبتها و نضارتها كما يعشقونها ويريدونها أن تكون عليها كواحة خالدة تشمخ فيها أشجار النخيل كشموخ هاماتهم على أرضهم وعمق جذورهم الممتدة عبر التاريخ وصفحاته المضيئة ولتثمر فيها المحاصيل في كل الفصول ؛ وتبقى ورودها فواحة وزاهية الألوان على الدوام مهما كانت تكلفة ذلك عالية وقاسية ولكنهم يدفعونها بسخاء نادر وقناعة تامة ..



وعندما تأتي مواسم البذار في حقول الوطن يسارعون لزراعتها بالأمل والأحلام ؛ ومع إدراك الحكماء وذوي الخبرة منهم بأن ليس كل سحب الفصول المحلقة فوق سماء الحقل تمطر قمحاً أو ثماراً ولا نعيماً مقيماً على أي أرض لا يتقن فيها المزارع فنون الفلاحة أو تدفعه رغباته الخاصة للتصرف بعشوائية وحماسة المنفعل وبمزاج متقلب واستصغار المخاطر المحيطة والخسائر المتوقعة ؛ أو يتجاهل الاستماع لصوت العقل الذي تطغي عليه الأصوات الزاعقة التي لا تسمع غير صوتها وصدى مصالحها فقط ، أو يجعله الشك وعدم الثقة بغيره أو الحماقة وسؤ التقدير إلى عدم مد يده للتشارك والتعاون الصادق مع غيره ممن يتقاسمون معه الحقل ويعيشون على جنباته وهم من أهله وربعه الأقربين ولا يشعر بالخطأ إلا حين يقترب منه أو يناله خطر السيول الجارفة (الزاحفة من أعلى السفوح !) ؛ وبعد ان يكون قد دفع الثمن غير المبرر وفي غير مكانه أو وقته وكأن الأخطاء تتناسل في حدائقنا عند بداية كل موسم ودون إرادة منا !!



فيذهب فصلاً ويأتي آخر ولا نحصد ما كنّا قد خططنا له وحلمنا به وبنوايا حسنه غير الخيبة في بعض الأحيان مع الأسف وكما يقال ( طريق جهنم مفروش بالنوايا الحسنة ) ؛ ونلعن حظنا العاثر أو نلوم رياح الشر القادمة من (الغرب) أو من (صحراء الحقد) المضروبة حولنا وخيانة رعد المواسم وبروقها الخادعة وكأننا لم نفقه شيئاً في حسابات الفلك (السياسي) وتداخل الفصول ..


مازلنا نتعلم ولَم نتعلم ما ينبغي علينا فهمه وتطبيقه ولَم نضع وزنأ أو اعتباراً لخبرة الماضي ودروسه ؛ ومازلنا نبحث في حدائقنا الحزينة الممتدة على خارطة الحقل ( الوطن ) عن زهور الربيع الذي حلمنا به ذات يوم ومنحناه كل الصدق وكامل الجهد ونثرنا على أشرعته قليل من سطحية الفهم ورداءة التفكير وكثير من سلوك الجهل المركب وبقوة دفع هائلة مشحونة بطاقة التعصب والعصبيات والأوهام و (بشهوة) قاتلة للسلطة وعشق الأضواء والمال والصفات والألقاب الرنانة المشوهة الفعل والمضمون ولكنها كثيرة الآلام والمتاعب للناس ؛ ودون إلتفات لمن كان لهم دور في كل ذلك !! ، فلم نجد — مع الأسف — غير بقعة من بقايا سراب أنخدع بعضُنا بها وصدًّقها بَعضُنَا الأخر بسبب التشوّش في الإبصار؛ وضوء قنديل خجول معلق على جدار الذاكرة يضيء ممرات العبور لعشاق النهار ويغذي روح الأمل ؛ مع إرادة حية ما زالت باقية صلبة وقوية تدفعنا إلى الأمام والرهان كل الرهان عليها حين نقرنها بوعي ناضج وإدراك عميق لتتابع (الفصول) المتغيرة من حولنا وفعل مواسمها وتقلباتها المفاجئة كذلك ؛ لتشرق بعدها شمس الجنوب المتجدد والذي منحنا الصبر وكل هذا السحر لعشقه اللامتناهي وسيبقى كذلك رغم الزوبعات والعواصف حقلنا وبيتنا وبعنوانه الثابت ( الجنوب ) وبرغم تجاورنا وتشاركنا مع إخوتنا في الشمال كل ما تفرضه ضرورات الحياة وطبيعة العصر و تبادلنا معهم للمصالح والمنافع وأهمية الحفاظ على وشائج الأخوة والمحبوزة وهي أمور مسلم بها وفي مصلحة الجميع ولخير الجميع ؛ فأن الجنوب سيبقى جنوبا والشمال سيبقى شمالا ولن توحدهما راية واحدة من قماش بعد اليوم وبعد كل الذي جرى للجنوبيين و ( حقلهم ) من تدمير ممنهج وظلم وعدوان متكرر وتجريف بشع لكل ما كانوا قد دفعوا أغلى ما لديهم من أجله ولعقود طويله وستبقى الكلمة الفصل في مستقبل العلاقة بينهما وطبيعتها للشعب في الجنوب أولاً وأخيراً .