سيناريوهات القرار المرتقب بأمريكا وإيران.. خياران أمام طهران للتعامل مع خروج واشنطن
قبل نحو شهر من انتهاء الإطار الزمنى الذى حدده الرئيس دونالد ترامب فى يناير الماضى للأوروبيين للتوصل إلى اتفاق تكميلى أو بنود إضافية أو الجلوس لتعديل ما وصفها بـ"البنود المعيبة" فى الاتفاق النووى مع إيران تبدو خيارات واشنطن وطهران واضحة ومن غير المرجح أن تخرج السيناريوهات عن مسارى التصعيد والذهاب إلى العقوبات أو ضبط النفس الإيرانى ومواصلة الالتزام بعدم تطوير البرنامج النووى.
سيناريوهان فى واشنطن
فى واشنطن تبود الأمور غير واضحة حتى الآن ومن الصعب التنبؤ بالسيناريو الأكثر تطبيقا، ومرد ذلك حالة التخبط التى يعاني منها كبير البيت الأبيض، وخلافاته المستمرة مع أركان إدارته، وتنافر وجهات النظر حول إيران مع عدد من النواب النافذين في الكونجرس، ومع ذلك تنصب الاحتمالات المتوقعة فى سيناريوهين اثنين قد لا يكون لهما ثالثا.
السيناريو الأول هو خروج ترامب من الاتفاق، وبالتالي إعادة الحزم الست من العقوبات على إيران تلك التي كانت مفروضة على قطاعاتها الاقتصادية قبل توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) ذلك الذى تم التوصل إليه مع الغرب فى فيينا نهار الرابع عشر من يوليو بالعام 2015.
أما السيناريو الثاني هو البقاء في الاتفاق مع توقيع العقوبات أو بمعنى أدق عدم تمديد رفع العقوبات، وهذا معناه تفريغ الاتفاق النووى من محتواه وجدواه بالنسبة لإيران ويؤدى إلى النتيجة الأولى وهي نقض الاتفاق أو الانسحاب الضمنى منه.
خيارات إيران
فى إيران يحسب صناع السياسات كل خطوة بألف حساب ويزنون التصريحات بميزان من الذهب، وأغلب الرأى أن رد الفعل الإيرانى سينحصر في أحد أمرين، الأول وهو إعادة تخصيب اليورانيوم عند مستوى 20% وإعادة تشغيل أجهزة الطرد المركزية التى تنتج المواد النووية فى مفاعلات فوردو وآراك وبوشهر فورا.
في هذه الحالة ستكون إيران قد ارتكبت خطأ استراتيجيا فادحا لأن ذلك سيكون مسوغا لترامب لشن حملة عسكرية عليها إما بشكل مباشر من الأسطول الموجود في الخليج أو القواعد الموجودة في قطر وغيرها أو حتى عن طريق الذراع الحربية الإسرائيلية.
أما الخيار الثانى فهو ضبط النفس والظهور أمام العالم في صورة المظلومية أو الدولة المعتدى عليها وفى هذه الحالة ستتفادى التصعيد لكنها فى الوقت نفسه ستتكبد معاناة كبيرة اقتصاديا وسياسيا بسبب تبعات خروج الولايات المتحدة من الاتفاق.
حول الموقف الأوروبى
تكتسب زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى أمريكا يوم 24 من الشهر الجارى أهميتها من عدم وضوح الموقف الفرنسي حتى الآن بخصوص الاتفاق، لأن ماكرون يريد أن يوازن بين مصالح بلاده المالية والتزام باريس بحفظ الامن والسلم الدوليين اللذين تخرقهما إيران، خاصة أن شركة توتال الفرنسية أنفقت بالفعل نحو 5 مليارات يورو فى تطوير حقل بارس الغازى الإيرانى.
عليه فإن ماكرون لا يريد إهدار رأس المال الفرنسى كما أنه لا يقبل بالممارسات الإيرانية التى ترتبت على خروجها منتصرة من الاتفاق النووى وغير راضى عن التجارب الصاروخية الباليستية وغير راضى عن مد الحوثيين بالصواريخ وغير راضي عن تهديد الأمنى الإقليمى من خلال الميليشيات الإيرانية.
لذلك ولأسباب أخرى أكثر تعقيدا سيحاول ماكرون التوصل إلى حل وسط لإنقاذ ما يمكن وصفه بـ"الانخراط التورطى" الفرنسي في النظام المالى الإيرانى كما يريد أن تضطلع بلاده بدورها في حفظ الأمن والسلم الدوليين وأن تكون جزءا من النظام العالمى الواعى لحجم وتأثير الولايات المتحدة فى السياسة الدولية.
ما يمكن أن يفعله ترامب؟
وفقا لمعالم الصورة غير المكتملة حتى الآن كورقة "البازل" لا يمكن التبؤ بما سيفعله ترامب تجاه الاتفاق النووى، فهو رجل يقول ويعد ويهدد ولا يفعل شيئا وقد حدث ذلك في سوريا عندما هدد بالرد على ما يوصف بأنه استخدام النظام السوري للكيماوي في دوما، لكنه لم يفعل شيئا ولم يقم بشن حرب وهذا معناه أنه غير متحكم فى السياسة الأمريكية وأن القرار هو بيد قادة البنتاجون.
على هذا الأساس فإن الوجود الإيرانى فى سوريا وإن كان مزعجا لأمريكا إلا أن القرار الأخير ليس بيد ترامب كما هو ظاهر في الصورة بل فى يد المؤسسات الحاكمة للبلاد وهي وكالة الاستخبارات والبنتاجون وغيرهما، ومعنى ذلك باختصار غير مخل أن ترامب سيفعل كل ما فى وسعه للخصم من رصيد إيران المتنامى فى سوريا.
لكن هناك آراء داخل واشنطن ترى أن الدور الإيرانى الذى يأزم الأوضاع أكثر مما هى عليه يفيد أمريكا ولا يضرها لأنه يبعد الخطر عن إسرائيل ويجعلها في منأى عن الصراعات ويبقى الصراع فى إطار الحرب الأهلية السورية بدون إعادة الصراع العربى ـ الإسرائيلى إلى الأذهان.
سياسة الاتحاد الأوروبى
ما يزال الموقف الأوروبى حتى الآن يعمل وفقا لسياسة الموازنة بين أهمية وجود أمريكا وبقائها فى الاتفاق وبين الحفاظ على المكتسبات المالية والتجارية التى حققتها دول الاتحاد مع إيران فى السنوات الثلاث الماضية.
ومع ذلك يمكن للأوروبيين العمل على إقناع أمريكا بالقبول بخطة عقوبات على شخصيات وقادة فى الحرس الثورى مسؤولة عن تطوير البرنامج الصاروخى الباليستى واستهداف قادة هيئة الجو ـ فضاء الإيرانى وعدد آخر من الشخصيات المتورطة فى جرائم حقوقية وجرائم تعذيب في السجون وشركات تابعة وموولة من الحرس الثورى وقادة الانقلاب الحوثى فى اليمن، وغير ذلك من القادة الميدانيين فى العراق وسوريا وجنوبى فلسطين المحتلة.
وفى الأخير فإن كل السيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات لكن قبول الاتحاد الأوروبى بمجاراة ترامب والخروج من الاتفاق فى الظرف الراهن مستبعد للغاية، كما أن أى تصعيد أمريكى أو إيرانى من خلال عمل عسكرى مباشر هو أيضا مستبعد للغاية، وما علينا إلا الانتظار ليوم 12 مايو المقبل لرؤية ما سيسفر عنه دهاء التاريخ.