محمد بن سلمان.. لماذا تأخرت؟

هو يحطم كل التابوهات التي صُنعت في مجتمعاتنا العربية في حين غفلة منا، هكذا يُمكن أن نَفهم ما يقوم به حاليا ولي عهد المملكة العربية السعودية، الأمير محمد بن سلمان.

 شاب يمتلك الشخصية المؤمنة بقدراتها الذاتية وبقدرات مجتمعها، مع رغبة جامحة في التغيير، أصاب العالم بالدهشة فلم يعد مألوفا في الشرق ظهور الفرسان المقاتلين بهذه الشراسة، ومع ذلك الإبهار الذي يصنعه الأمير محمد بن سلمان منـذ ظهوره السياسي في السنوات الأخيرة، إلا أن سؤال الصحفي الأميركي توماس فريدمان الـذي وجهه إليه؛ “لمـاذا يعمل دوما كأن الوقت يداهمه”، فرد عليه الأمير “لأنني أخشى أنه في يوم وفاتي سأموت دون أن أحقق ما يدور في ذهني. إن الحياة قصيرة جدا، وقد تحدث الكثير من الأمور، كما أنني حريص جدا على مشاهدته بأم عيني، ولهذا السبب أنا في عجلة من أمري”.

قد يكون أن الأمير محمد بن سلمان تأخر كثيرا وكثيرا جدا، حتى أننا ونحن في مراجعاتنا للمواقف التاريخية العاصفة بالمنطقة العربية، أصبحنا نتجرد في انتقاد تلك المواقف التي صنعت التحولات السلبية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لم يكن أحد يمتلك الجرأة على النظر إلى ما حدث في العام 1979 من تغييرات سياسية في الشرق الأوسط بما أصبحنا نصنفه اليوم بأنه كان خطيئة حقيقية في التقييم والتقدير للموقف آنذاك.

فما حدث لم يكن مجرد ثورة أسقطت نظام الشاه في إيران وجاءت بالخُميني كزعيم ثائر في نطاق الجغرافية الإيرانية. لم تكن الأمور بهذه الكيفية والتبسيط بمقدار ما حملت أبعادا واسعة النطاق.

فالخميني جاء ممثلا للولي الفقيّه مرتبطا بالسماء كما يدعي، ومن هنا تأتي الأفكار الشريرة لتجد في أذهان المجاميع الجاهلة مساحة للحضور، تماما كما هي تلك البذرة التي وضعها حسن البنا في العام 1928، معتبرا أنه المرشد العام للأمة الإسلامية.

هي ذات الفلسفة السنية والشيعية التي تتقاطع في نقطة الارتباط الإلهي المقدس، وذات المنهجية الفلسفية التي تُخضع المجتمعات لإرادتها لتنفيذ الغايـات والمقاصد.

خطابات تنظيم الإخوان المسلمين، وكذلك نظام ولاية الفقيه في إيران، كانت تستند على تأويل جديد للنص الديني بأدوات دينية، يتوافق مع العلمنة ويختلف عن التأويل الكنسي التقليدي، وهو الذي ساعد على أن يصبح الغرب علمانيا ومن ثم ديمقراطيا ليبراليا، وهو الذي هيّأ الأرضية المعرفية من القاعدة (عامة الشعب) إلى الأعلى، لأن غالبية الشعوب الغربية في ذلك الوقت كانت متديّنة، والدين حاضر في جميع نواحي الحياة، كحالنا في العالم العربي الإسلامي.

هذا التفاعل من الأسفل إلى الأعلى، حصل عكسه في العالم العربي، أي أن العلمانية كانت الخطاب الذي تتبناه النخب المثقفة – والتي كانت في غالبها نخبا غربية التكوين والهوى- وهذا ما جعل الكثير من الشعوب العربية الإسلامية متشككة بالعلمانيين وبالعلمانية، إضافة إلى كونها نتاجا غربيا، والغرب يعني في المخيلة الجمعية للمسلمين الكفر والاستعمار والغزو والنهب لثروات الأوطان، وأيضا هناك عوامل داخلية ساعدت على النفور والتشكيك من العلمانية، منها أن أغلب الدول العربية والإسلامية دول علمانية مستبدة، فشلت في عملية التحديث والعدالة الاجتماعية وتطبيق القانون.

الانحراف الخطير يؤدي ليس فقط إلى التطرف والتشدد، بل إلى المروق من الدين نفسه. ويتجلى هذا المروق من الدين في إحلال قيم التنظيم محل القيم الدينية العليا، وجعل رؤية التنظيم في موقع أعلى من رؤية الدين، والتضحية بالدين إذا تعارض مع مصلحة التنظيم.

ويجد الإسلاميون في الفقه الإسلامي بابا واسعا للتلاعب بالقيم الدينية النبيلة، وقد أصبحت عبارة “مقاصد الشريعة” نفقا يمر من تحته الكثير من أبناء هذه التنظيمات بطريقة انتهازية، إذ تخوّل لهم فكرة المقاصد الكثير من الفرص التي لا يجدونها في الفقه الإسلامي، والمقاصد عندهم هي تلك التي يراها التنظيم كذلك، ولا يقرون للدولة أو للحاكم بالمقاصد الشرعية التي يقرونها لأنفسهم.

حدد الأمير محمد بن سلمان مثلث الشرّ في ثلاثة، الإخوان وإيران والجماعات الإرهابية، وما يعزز تحديد الأمير محمد بن سلمان لهذه الجهات الثلاث التمعن في ما حدث منذ العام 2011 وكيف تناغمت إيران وجماعة الإخوان المسلمين في بث الفوضى داخل العالم العربي، وكيف استطاعت الجماعات المتطرفة بأن تحصل على مساحات واسعة لإقامة دولها أو ما أُطلق عليه “إمارات إسلامية”، ونموذج ذلك دولة تنظيم داعش التي امتدت على أرض العراق وسوريا وكسرت حدود البلدين معا وأعلنت حدودا جديدة، ما أحدثه تنظيم داعش لم يكن مصادفة إنما كان محاولة جادة لرسم خارطة دولة إرهابية خرجت من رحم الأفكار المتطرفة التي تتضمنها أفكار الخُميني وجماعة الإخوان.

يقود الأمير محمد بن سلمان لواء التغيير الشامل في الشرق الأوسط وفقا لرؤية مختلفة تعتمد على الصدمة لإحداث التغيير اللازم. العودة إلى جذور الإسلام المعتدل ليست مسألة سهلة بعد أن عملت جماعات الإسلام الراديكالية على تكريس المفاهيم المتشددة لاستخدامها سياسيا.

هذا التحدي الصعب يتطلب منظومة متماسكة لكسر تلك المفاهيم وتحطيمها، لذلك فإن نجاح الأمير محمد بن سلمان مرهون برغبة جامحة عند أفراد وجماعات خارج السعودية يمتلكون أيضا هذه الرغبة بإعادة الإسلام المعتدل ليكون حاضرا في مجتمعات تعطلت فيها التنمية والتعليم والصحة والعدالة، لأن الأمير محمد بن سلمان جاء مُتأخرا وهي الآن في معيته نحو التغيير السياسي والاقتصادي والمجتمعي الذي يحقق العدالة لمجتمعات بقيت محبوسة في سجون الأدعياء بأنهم أوصياء الله على عباده.

قال الأمير محمد بن سلمان لمجلة التايم الأميركية؛ “وهل تعلم ما هو الخطر الأعظم؟ الإخوان المسلمون ليسوا في منطقة الشرق الأوسط، لأنهم يعلمون أن منطقة الشرق الأوسط تتبع استراتيجية جيدة ضدهم في المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والأردن وفي العديد من الدول الأخرى. ولكن هدفهم الرئيسي يتمثل في جعل المجتمعات الإسلامية في أوروبا متطرفة”.

لهذا نسأل لماذا جاء هذا الأمير متأخرا. لقد نهش المتطرفون في قيم ومنهج الإسلام طويلا، وبرغم أننا تأخرنا في كسر أنيابهم وقطع أيديهم، إلا أن الأهم هو القيام بما هو مطلوب حيالهم.