الترحيب اليمني بقرار ترمب حيال إيران
د. محمد علي السقاف
- قمة أوروبية في كييف ماذا تعني؟
- «الحلم الصيني» باستعادة تايوان
- «الناتو»... من «الموت السريري» إلى «عودة الروح»
- صراع الكبار يقوض مهام الأمم المتحدة
عد فترة وجيزة من تأييد المملكة العربية السعودية قرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، سارعت الشرعية اليمنية المقيمة مؤقتاً في الرياض إلى الترحيب بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
فقد أصدرت وزارة الخارجية اليمنية مساء يوم الثلاثاء 8 مايو (أيار)، بياناً صحافياً قالت فيه إن «الجمهورية اليمنية ترحب وتؤيد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإنهاء مشاركة الولايات المتحدة في خطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران (الاتفاق النووي الإيراني) ويدرك اليمن أن الاتفاق النووي مع إيران قد فشل في حماية المصالح الحيوية ليس فقط للولايات المتحدة الأميركية، ولكن أيضاً لحلفائها وشركائها في الشرق الأوسط، بما في ذلك اليمن، فقد استغل النظام الإيراني الفوائد التي حصل عليها من الاتفاق النووي وعمل على تصدير العنف والإرهاب إلى جيرانه في المنطقة وذلك في إطار أجندته وأطماعه التوسعية الخبيثة في المنطقة».
ورغم هذه الصياغة العامة لبيان الخارجية اليمنية، يُفهم من كتابة البيان تأكيد الخارجية اليمنية ترحيبها وتأييدها قرار ترمب الوفاء بوعده الانتخابي بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي وافق عليه سلفه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
ومن ناحية الحوثيين المدعومين من إيران فلم يروا حاجة إلى إصدار بيان بهذا الخصوص، لكون شعارهم الرسمي الذي يرددونه ليل نهار «الموت لأميركا الموت لإسرائيل» ربما اعتبروه كافياً بذاته للتنديد بالموقف الأميركي إزاء حليفتهم إيران.
ومن الجدير بالإشارة إليه هنا أن قرار ترمب بنقض الاتفاق النووي مع إيران لاقى ترحيباً واسعاً من قبل المملكة العربية السعودية، التي بسبب ذلك الاتفاق النووي لم تشهد علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية في عهد أوباما إذ رأت السعودية وبعض الدول الخليجية أن تلك السياسة غلّبت مصالح أميركا مع إيران على حساب مصالحها التقليدية والتاريخية مع السعودية.
ولهذا جاء رد فعل المملكة قوياً بشكل مبكر عند توقيع الاتفاق التمهيدي يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 بين إيران والقوى الكبرى بشأن البرنامج النووي الإيراني، حيث صرح الأمير بندر بن عبد العزيز رئيس المخابرات السعودية، حينذاك، أمام مبعوثين أوروبيين، بأن المملكة قد تلغي صفقات أسلحة ونفط بسبب تقارب أميركا وإيران، وعدم توجيه ضربة إلى الأسد. وقام الأمير بندر على أثر ذلك وكردّ فعل بزيارة إلى موسكو في 3 ديسمبر (كانون الأول) للالتقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبالطبع أثار التوقيع في فيينا على الاتفاق النهائي في يوليو (تموز) 2015، استياء المملكة وبعض دول الخليج العربي بأن ذلك الاتفاق سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة كلها بسبب أنشطة إيران في كلٍّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وهذا ما حدث فعلاً حيث إن دعم إيران للحوثيين بالأسلحة الباليستية والمال، دفعها إلى تهديد أمن المملكة العربية السعودية بإطلاق الصواريخ على التجمعات المدنية في كلٍّ من الرياض وجازان ونجران، ولم تسلم منها المناطق المقدسة في مكة المكرمة.
وفي مرحلة الاتفاق التمهيدي في 24 نوفمبر 2013 لم يكن بمقدور السلطة الشرعية اليمنية حينها انتقاد الاتفاق المبدئي ذاته في ذلك التاريخ، لأن الرئيس هادي نفسه في وضع لا يحسد عليه بسبب هيمنة الحوثيين حلفاء إيران على السلطة اليمنية نفسها.
ويختلف الوضع الآن بعد تحقيق السلطة الشرعية بفضل دعم التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية انتصارات عسكرية على الانقلابيين باتت تهدد معقل الحوثيين أنفسهم في صعدة، الأمر الذي جعلها من دون تردد أو خوف تصدر البيان الصحافي المذكور لوزارة الخارجية اليمنية.
ومما يؤسف له ملاحظة كيف أن الدول الأوروبية الموقِّعة على الاتفاق النووي مع إيران أظهرت حتى الآن مع روسيا والصين موقفاً معارضاً لنقض الاتفاق من قبل الولايات المتحدة، في حين أن الجانب العربي تفاوتت ردود فعله إزاء قرار ترمب.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التضامن الأوروبي رغم تحالفاته مع الولايات المتحدة الأميركية، فإن معارضته قرار واشنطن بررت مخاوفه من تبعات القرار الأميركي على مصالحه الاقتصادية والمالية التي تعاقد عليها مع إيران بعد رفع الحظر الاقتصادي عنها عقب توقيع الاتفاق النووي معها.
فقد أصبحت تلك الدول الأوروبية في موقف عليها أن تختار فيه بين مواصلة علاقاتها الاقتصادية والمالية مع الولايات المتحدة، وهي كبيرة جداً، وبين الاستمرار بالتمسك بالاتفاق النووي مع إيران وخسارة مصالحها الأميركية التي تفوق بكثير مصالحها التجارية مع إيران.
والسؤال المطروح الآن: ما انعكاسات قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران على الأزمة اليمنية وعلى مساعي الأمم المتحدة لحل الأزمة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أربعاً من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (بريطانيا - فرنسا – روسيا -الصين) أدانت القرار الأميركي؟ أم أن الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن سيتجاوزون خلافاتهم في هذا الملف مع الولايات المتحدة إذا كان الأمر يتعلق بسلامة الممرات الدولية في «باب المندب» وخليج عدن والمحيط الهندي، إذا حدث أن قام الحوثيون بدعمٍ إيراني بتهديد سلامة تلك الممرات الدولية؟
لا شك أن خطوة كهذه ستقف ضدها ليس فقط جميع الدول الكبرى فحسب بل المجتمع الدولي بأكمله لأنها ستضع الأمن والسلم الدوليين في خطر شديد.
من المؤمل ألا تصل الأمور إلى هذا الانحدار الخطير، وتنجح مساعي الرئيس الفرنسي ماكرون في إقناع القيادة الإيرانية بتوسيع نطاق الاتفاق النووي بإضافة موضوع تطوير القوة الصاروخية الإيرانية، والتزامها بعدم التدخل في شؤون دول المنطقة وتهديد أمنها.
فهل التغير المفاجئ لزعيم كوريا الشمالية في مواقفه المتصلبة السابقة إزاء موضوع السلاح النووي قد يدفع القيادة الإيرانية بدورها إلى مراجعةٍ دراماتيكية لسياستها النووية وتهديدها لأمن وسلامة جيرانها أم أن تحولاً في هذا الاتجاه لم ينضج بعد؟