كيف نحافظ على الانتصار؟ -
احمد حرمل
- الضالع والرسالة التي لم يفهمها البعض!!
- من يخرب الانسان هو في طبيعة الحال يخرب الوطن !!
- الجبواني والغباء المركب
ورقة مقدمة الى الندوة التي نظمها منتدى واحة الفكر بمناسبة الذكرى الثالثة لتحرير مدينة الضالع بعنوان ( تحرير مدينة الضالع الأهمية والدلالة
مثل تحرير الضالع من مليشيات الحوثي وقوات عفاش المتحالفة معها تحول مفصلي في مسار المقاومة الجنوبية حيث كان مفتاح النصر وتحرير بقية مناطق ومحافظات الجنوب الاخرى وعلى وجه الخصوص محافظة عدن التي كان تحريرها من الاحتلال الثاني تجسيدا" حقيقيا" لوحدة الجبهة الداخلية الجنوبية بمختلف الوانها واطيافها ، وتعبيرا" صادقة لرغبة شعب الجنوب في التحرر والانعتاق واستعادة الدولة لما تمثله عدن بتركيبتها السكانية من تعدد وتنوع سياسي وديمغرافي لخارطة الوطن الجنوبي من اقصاه الى اقصاه.
ان اي حرب لها اهدافها السياسية للقوى التي خططت لاشعالها واي انتصار لا يقاس بما تحقق في ساحة المعركة من تقدم او تحرير للمناطق فان الانتصار يقاس بمدى ما يحققه المنتصر من مكاسب سياسية في المرحلة التي تلي الانتصار العسكري والا فانه يظل انتصار غير مكتمل الاركان .
لقد مثلت عاصفة الحزم حدثا" تاريخيا" لانه الاوضاع ما بعدها تختلف كثيرا" عن الاوضاع ما قبلها فمعها تشكلت المقاومة الجنوبية وبها تغيرت موازين القوى وتغيرت معها الاولويات والاجندة واختلطت الاوراق وتداخلت الالوان فالجنوبيين الذي تفاجأو بعاصفة الحزم وجدو انفسهم في معمعان معركة لم يخططو لها ومع هذا علقت الكثير من القيادات والنخب الجنوبية أمال عريضة على استثمار نتائجها الا ان ذلك لم يحدث وللاسف الشديد ، فعدم جاهزية المقاومة الجنوبية التي تعد امتدادا" للحراك الجنوبي السلمي ولخياراته السياسية وتطلعاته لفرض سياسة الامر الواقع نظرا" لغياب المشروع الذي يمكنها من ادارة المناطق المحررة بشكل نموذجي يجعلها تنعم بالامن والاستقرار وبادارة خالية من الفساد وبيئة خالية من الارهاب وبالتالي تحقيق مكاسب سياسية ترتقي الى حجم التضحية والانتصار .
ان الحديث عن الذكرى الثالثة لتحرير الضالع لا يستقيم دون الحديث عن انتصار الجنوب وواقعه المعاش فعدن التي خاضت ولا زالت تخوض معركة من اخرى وهي معركة الخدمات فبعد ان خاضت حرب تحرير الجنوب من الاحتلال الثاني دفعت لتخوض حرب الارهاب قبل ان تلتقط انفاسها وبتزامن معها خاض سكان عدن حرب انعدام الخدمات ٠
إن الجنوب اليوم يواجه عملاً تدميرياً ممنهجاً متعدد الاشكال والاتجاهات والأبعاد لعل من أبرز ملامحه تصدير الجماعات المسلحة بمسمياتها المختلفة إلى الجنوب وتزايد مخاطر عملياتها الارهابية وتحريك تلك الجماعات للنشاط بصورة أوسع وأكبر في محاولة حثيثة لإلصاق تهمة الإرهاب بالجنوب وكأنه بيئة حاضنة له وبهدف الالتفاف على حق شعب الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته. إن هذا النشاط المحموم والمتزايد يسير باتجاه تحويل الجنوب إلى ساحة لصراع الارادات والاستقطابات السياسية وإذكاء جذوة الصراعات والاضطرابات الداخلية. وأمام هذا الوضع الخطير واستمرار حالة الانقسام في الصف الجنوبي
لا زالت مدينة عدن رغم تحريرها منذو فترة طويلة وتقديم أبناءها تضحيات جسام في إطار المقاومة الجنوبية لطرد الغزاة واستعادة الحياة الطبيعية فيها ، لازالت تعاني من الانفلات الأمني والاغتيالات والمظاهر المسلحة وبصورة ملفتة للنظر وإطلاق الأعيرة النارية التي أودت بحياة الكثير من المواطنين الأبرياء.
هذه المظاهر الغريبة على عدن وتعارضها مع طبيعتها المدنية وسلوك أبناءها الحضاري الذين جبلوا على النظام والقانون وسيادة الأمن والاستقرار والسكينة العامة والحياة المدنية ،
بيد أن ذلك لايعني التقليل من جهود الأجهزة الأمنية في محاربة الإرهاب والخارجين عن القانون في الفترة الماضية.
ونعتقد بأن الطريق الصحيح لتجاوز تلك الاختلالات مرهون أساساً باستكمال إعادة بناء مؤسسات الدولة وتفعيل دور أجهزة الشرطة والنيابة العامة والمحاكم ، وإعادة الاعتبار لمدنية عدن ٠
ان الخلافات والتباينات بصدد الكثير من القضايا في السلطة وخارجها وتعدد أطرافها تمثل ظاهرة صحية إذا ما أجدنا إدارة خلافاتنا بحكمة واقتدار ،وحلها عن طريق الحوار البناء والمباشر ، وتقديم التنازلات المتبادلة ورسائل الطمأنة للمواطنين لنزع فتيل أجواء التوتر وشبح المواجهات وإحلال الأمن والسلام والسكينة العامة في عدن وغيرها من مناطق محافظات الجنوب ٠
إن انعدام توفر الخدمات للمواطنين من كهرباء واستمرار انقطاعاتها المتكررة وتأثير ذلك على الأطفال والشيوخ ومضاعفة معاناة المرضى والعجزة وتزايد القصور والاختلالات الواضحة في مجالات الصحة والتعليم والمياة وغيرها من الخدمات ، وارتفاع أسعار المواد الغذائية ، وعدم الانتظام في دفع مرتبات الموظفين في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والمحالين للتقاعد المدنيين والعسكريين وعدم التناسب بين المرتبات وغلاء المعيشة، وانتشار الفقر والمجاعة بشكل مخيف في هذه المدينة والمحافظات الجنوب الأخرى ، وتزايد الفساد وبصورة غير مسبوقة
إن تزايد ظاهرة البناء العشوائي في محافظة عدن والتعدي على معالمها الاثرية والتأريخية دون خجل أو وجل ، والبناء في الشوارع والمتنفسات ، والسطو على الممتلكات العامة والخاصة يعد تشويهًا لمدنية عدن وجمالها ويفضي إلى إثارة الفوضى والاضطرابات في هذه المدينة المسالمة تتطلب منا جميعا" مضاعفة الجهود وخلق اصطفاف مجتمعي مناهض لهذه السلوكيات واتخاذ التدابير السريعة من قبل الجهات المسؤولة لوضع حد لمثل هذه الممارسات الضارة ٠
إن الضمانة الأكيدة لصيانة الانتصارات المحققة، وتحقيق انتصارات جديدة ،وإكسابها طابع الاستمرارية على طريق استعادة الدولة مرهونًا أساسا بانجاز المهام الآتية :
● استكمال إعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية في الجنوب على أسس صحيحة وسليمة، وعلى قاعدة التوافق، والشراكة الوطنية الجنوبية الحقيقية، والأخذ بمعايير: النزاهة، والكفاءة، والإخلاص، ومعايير شغل الوظيفة، والموقف الايجابي لمواجهة العدون الحوثي العفاشي، وإعادة بناء وتأهيل كامل المؤسسات المدنية، والخدمية منها لتقديم خدماتها للمواطنين، وتطوير هذه العملية وبدون إبطاء أو تأخير، وإضفاء الطابع المؤسسي لعملها؛ ليشمل كل المؤسسات بما فيها مؤسسات القضاء، والنيابة العامة، والخدمات، وفي مجال التربية، والجامعات وغيرها من مؤسسات الدولة.
● الإسراع في استكمال بناء وترتيب الأوضاع الأمنية، والعسكرية في محافظات الجنوب؛ لترسيخ دعائم الأمن، والاستقرار فيها، وتأمين الحياة الطبيعية، والقضاء على مظاهر الانفلات الأمني، والمظاهر المسلحة، والاغتيالات. وتقديم مرتكبيها للقضاء للفصل فيها وإعادة دمج، وتوحيد تلك المؤسسات على أسس وطنية صحيحة، واستيعاب ما تبقى من أفراد المقاومة الجنوبية، والعسكريين الذين تم إقصاءهم ما بعد حرب صيف 1994م، لاسيما القادرين منهم على العمل، ومنح الآخرين مستحقاتهم القانونية المكتسبة، وإن تتم هذه العملية بالعمل المشترك مع قيادة الدولة، ودول التحالف، والمقاومة الجنوبية ٠
-● إن الجنوب الحبيب ينبغي أن يكون لجميع أبنائه وكلهم شركاء في صنع حاضره، ورسم معالم مستقبله، وصيانة أمنه، واستقراره، ونمائه، دون إقصاء أو تهميش أو تجاهل لرأي فئات وشرائح المجتمع بتعبيراتها السياسية، والاجتماعية بعيدا عن التصنيفات، والتقييمات للأفراد أو الجماعات على أسس مناطقية أو من حيث الاختلاف في الرؤى السياسية، والابتعاد عن أي ممارسات ضارة تستهدف شق الصف الجنوبي، وتكثيف الجهود من أجل تحصين الجبهة الداخلية؛ لقطع الطريق على دعاة الفرقة وتمزيق النسيج الاجتماعي الجنوبي، والقبول بالرأي والرأي الآخر برحابة صدر ونفس طويل.
● إن الجنوب الذي نتطلع إليه ليس جنوب ما قبل 1967م، ولا جنوب ما بعد 1967، ولا جنوب ما بعد 1990م،
إنه جنوب جديد، وبتفكير سياسي جديد، ومضامين جديدة، جنوب يؤمن بالديموقراطية، والتعددية السياسية، جنوب الوئام، والتوافق، والعيش المشترك، وبناء الدولة المدنية المعاصرة التي ننشدها جميعا ،جنوب يرسم معالم مستقبله شعبنا الأبي بإرادة حرة وبدون وصاية من أحد .
● تطبيق أسس ومبادئ
ونهج وثقافة التصالح والتسامح والتضامن في الممارسة العملية واقتران الأقوال بالأفعال، وطي صفحات دورات العنف السياسي المؤلمة وإهالة التراب عليها، وتوطين أنفسنا على الحوار في القضايا الخلافية، والقبول بالآخر، وفتح صفحة جديدة من الوئام والتوافق الجنوبي لمواجهة المخاطر والصعوبات والتحديات ومظاهر العنف والإرهاب، والتطرف، والعصبية بكل أشكالها، ووقف أعمال نهب وتخريب المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة، والبسط على الأراضي وتزايد هوس البناء العشوائي وإثارة الفوضى من قبل بعض القوى والأفراد التي تهدد أمن واستقرار المواطن والسكينة العامة .
● الشروع في إجراء واستكمال الحوارات السابقة وبشكل جاد ومسؤول بين القوى الوطنية الجنوبية وخلال فترة زمنية محددة ، بين المجلس الانتقالي الذي مثل تشكيلة خطوة ايجابية على الطريق الصحيح، والمكونات الحراكية، والنخب السياسية، والمدنية، والشخصيات الوطنية الجنوبية وبشكل سريع؛ بهدف التوصل إلى صيغة توافقية من شأنها تطوير، وتوسيع، وتصويب قاعدة التحالفات الوطنية الجنوبية، بحيث يكون المجلس الانتقالي مع بقية القوى الوطنية الجنوبية حامل سياسي جامع لكل القوى الوطنية الجنوبية ويغدو هذا الاصطفاف بمثابة كتلة وطنية تاريخية وائتلاف وطني موسع؛ يستوعب كل الأطراف وبناء مؤسساته على قاعدة الشراكة مع وجود الاستقلالية السياسية والتنظيمية لكل فصيل.
احمد حرمل
كاتب ومحلل سياسي رئيس منتدى واحة الفكر