تهدف لاستنزاف الجيش الليبي وإدامة حالة اللا دولة
دوافع تخريبية وراء حملة قطر للدفاع عن إرهابيي درنة
أكد محللون ليبيون أن موقف قطر المُعادي لعملية تحرير مدينة درنة من الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، ينطلق من دوافع سياسية تخريبية، إلى جانب الدافع العقائدي المرتبط بسيطرة تنظيم الإخوان الإرهابي على مقاليد القرار السياسي في الدوحة. وأشاروا إلى أن الدوحة كانت دائماً ومن خلال المواقف المعلنة والسرية لها ولتابعيها من الأطراف السياسية والميليشيا المسلحة والجماعات المتشددة، ومن خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ومراكز البحوث والدراسات التي تمولها وتشرف عليها، ضد إعادة بناء الجيش الوطني الليبي، وضد استعادة الدولة الليبية سيادتها، كما وقفت بقوة ضد الحرب على الإرهاب انطلاقاً من عملية الكرامة التي أطلقتها القوات المسلحة الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر في مايو 2014، التي رأى فيها نظام الدوحة استهدافاً معلناً للمشروع التخريبي الذي عمل على تكريسه في ليبيا من خلال السعي للتمكين لقوى الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة.
واتهم الجيش الليبي في مناسبات عدة نظام الدوحة بدعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح، وقال المشير حفتر إن قطر مرتبطة بشكل مباشر مع «الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة وتنظيم أنصار الشريعة وداعش في ليبيا»، وإنها تعمل بـ«شكل متواصل لضرب الجيش الليبي والقضاء عليه».
بينما اتهم مجلس النواب قطر في بيان له بـ«المساهمة بشكل مباشر في خلق الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا ودعم الجماعات والمنظمات الإرهابية ومحاربة بناء القوات المسلحة الليبية والعبث باستقرار المنطقة»، داعياً مجلس الأمن الدولي وكافة المنظمات والمؤسسات الحقوقية إلى التحقيق معها لـ«ما اقترفته تجاه الشعب الليبي».
وقال الناطق باسم الجيش الليبي أحمد المسماري إن قطر سعت إلى عرقلة دور القوات المسلحة في تحرير البلاد من الإرهاب، وقد كان مشروعها ينبني منذ عام 2011 على تدمير ليبيا، ونهب ثرواتها، وتحويلها إلى مصدر تمويل المشروع الإخواني، وتمكين الإرهابيين من السيطرة على الدولة والمجتمع، ما جعل ليبيا أول بلد في العالم يخضع في فترة ما إلى حكم تنظيم القاعدة، لافتاً إلى أن الجيش أنهى مشروع قطر في شرق البلاد، وسينهيه في كامل الأراضي الليبية.
حملات ممنهجة
ويرى المراقبون أن تحرير المنطقة الشرقية كان لابد أن يتم بتحرير مدينة درنة، الخاضعة لتنظيم القاعدة، وهو ما دفع بالدوحة وحلفائها وأبواقها إلى شن حملات ممنهجة ضد الجيش الوطني. فالنظام القطري كان يطمح إلى أن تبقى درنة بؤرة توتر في الشرق الليبي، ومصدر تهديد للأمن والاستقرار في برقة، وللحدود الغربية المصرية.
وفي هذا السياق، اتهم إرهابيون من مدينة درنة النظام القطري وأتباعه في ليبيا بالتغرير بهم ودفعهم إلى التمرد على مؤسسات الدولة، والدخول في مواجهات مع الجيش الوطني.
وقالت مصادر عسكرية ليبية إن التحقيقات الأولى مع عدد من المسلحين الذين اعتقلهم الجيش الوطني في محاور جنوب درنة، كشفت عن دور قطري في دعم ما يسمى مجلس شورى مجاهدي درنة المرتبط بتنظيم القاعدة، وذلك عن طريق الجماعة الليبية المقاتلة التني يتزعمها الإرهابي عبدالحكيم بالحاج، مؤكدة أنهم كانوا يعتمدون على فتاوى الإرهابي الصادق الغرياني عضو ما يسمى اتحاد علماء المسلمين، وعلى ما تبثه القنوات القطرية أو المدعومة من قطر كـ«الجزيرة» و«النبأ» و«التناصح».
استنزاف الجيش
وأشارت المصادر إلى أن الإرهابيين المعتقلين أكدوا وجود عناصر تونسية ومصرية وجزائرية وسودانية داخل مدينة درنة، وأن قطر أبلغتهم عن طريق وكلائها في ليبيا بأن عليهم التمسك بمواجهة الجيش الوطني إلى حين العمل على استنزاف قواه في معارك جانبية يتم التخطيط لدفعه إليها حالياً سواء في الهلال النفطي أو الجنوب ووسط البلاد، مبرزين اعتمادهم على تجهيزات اتصال حديثة مكنتهم منها الدوحة أواخر العام الماضي.
تهديد لأمن مصر
ووفق ذات التصريحات اعترف الإرهابيون المعتقلون بأنهم كانوا يعملون على توسيع نفوذهم في المنطقة الشرقية لتشكيل تهديد مباشر على الأمن القومي المصري، لكن الجيش الوطني تصدى لهم، وهو ما جعلهم ينكمشون على أنفسهم في درنة التي تحولت وفق تعبيرهم إلى إمارة إسلامية على الطراز الطالباني.
وكان أحمد المسماري أكد أنه يوجد في مدينة درنة اثنان من أخطر الإرهابيين المصريين من جيش مصر الحر، الذي يستعد لمهاجمة مصر من الجهة الغربية.
وتابع المسماري، خلال مؤتمر صحافي، أن الإرهابيين هما: هاشم عشماوي وهو ضابط سابق في القوات الخاصة المصرية تم طرده في 2012، وقد أصبح زعيماً للفصائل الإرهابية في درنة، وهو المسؤول الأول عن عملية الهجوم على كمين حرس الحدود في الفرافرة بمصر، وعن اغتيال النائب العام المصري هشام طلعت، أما الإرهابي الثاني فهو محمد سرور آمر كتيبة المهاجرين الأجانب في درنة، وفق مصطلحات التنظيم الإرهابي، ونقل الكثير من المصريين لتدريبهم، وهو يشكل خطراً على الأمن الليبي قبل الأمن المصري.
«الجيش الحر»
تصريحات المسماري لم تكن مفاجأة لمن يتابع سير الأحداث في المنطقة، حيث تشير المعطيات إلى أن قطر وإيران سعيتا معاً لتشكيل ما يسمى «الجيش المصري الحر» بهدف تقويض الأمن والاستقرار في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بنظام محمد مرسي واعتبرها المراقبون ضربة قاضية لمشروع الإسلام السياسي في الوطن العربي.
وفي أغسطس 2013 كانت النواة الأولى للجيش المصري الحر قد بدأت التشكل وتلقي التدريبات على يد أبوفهد الرزازي وبدعم مباشر من قطر وإيران، ووصل عدد عناصر المجموعة الأولى إلى 700 مسلح، انضم إليهم مسلحون من حاملي جنسيات أخرى.
وفي 15 أغسطس 2013، قام ما يسمى الجيش المصري بنشر بيانه الأول انطلاقاً من مدينة درنة، وبحسب مصادر استخباراتية، فإن التدريبات كانت تجري في درنة وسرت وبنغازي وفي أوعار الجبل الأخضر والصحراء الشرقية الليبية المحاذية للحدود مع مصر.
ضرب الإرهاب
وفي 16 فبراير 2015 أعلنت القوات المسلحة المصرية شن ضربات جوية على معسكرات تابعة لتنظيم داعش في درنة، رداً على جريمة مقتل 21 قبطياً في مدينة سرت، وقال بيان للجيش المصري إن طائراته نفذت ضربات على معسكرات تدريب ومخازن أسلحة تابعة للتنظيم، وإن الضربة الجوية «حققت أهدافها بدقة»، مضيفاً أن الضربة الجوية جاءت «تنفيذاً للقرارات الصادرة عن مجلس الدفاع الوطني وارتباطاً بحق مصر في الدفاع عن أمن واستقرار شعبها والقصاص والرد على الأعمال الإجرامية للعناصر والتنظيمات. الإرهابية داخل وخارج البلاد».
سند أممي
وفي 28 مايو أخطرت مصر مجلس الأمن رسمياً بضرباتها الجوية على معاقل المتطرفين في ليبيا. وصرح أحمد أبوزيد، الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، بأن بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة سلمت خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن أخطرت من خلاله المجلس بأن الضربات الجوية التي استهدفت مواقع التنظيمات الإرهابية في مدينة درنة شرقي ليبيا تأتي متوافقة مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المعنية بالحق الشرعي في الدفاع عن النفس، ومع قرارات مجلس الأمن المعنية بمكافحة الإرهاب.
عقوبات مفروضة
وفي 28 يونيو 2017 اتهم مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية السفير طارق القوني قطر بـ«دعم الإرهاب» في ليبيا، مقدماً ما وصفها بالأدلة على «انتهاكات» الدوحة للعقوبات المفروضة على ليبيا، ومطالباً مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتوثيق تلك «الانتهاكات».
ومن جهة أخرى، يرى المحلل السياسي الليبي عبدالباسط بالهامل أن تحرير درنة يمثل بالنسبة لقطر ضربة لمشروعها، ليس في ليبيا فقط وإنما في مصر وبقية دول المنطقة، كونها كانت تسعى إلى أن تجعل من المدينة وضواحيها مركزاً لتجمع الإرهابيين ثم تسللهم سواءً نحو بقية مدن الشرق الآمنة كبنغازي وطبرق والبيضاء، أو نحو الحدود الغربية المصرية مثلما حدث سابقاً في حادثة الهجوم الإرهابي بمنطقة الواحات المصرية في أكتوبر 2017.