الخطوط الحمراء لم تعد حمراء في القضية الجنوبية
د. محمد علي السقاف
- قمة أوروبية في كييف ماذا تعني؟
- «الحلم الصيني» باستعادة تايوان
- «الناتو»... من «الموت السريري» إلى «عودة الروح»
- صراع الكبار يقوض مهام الأمم المتحدة
شهد شهر أبريل (نيسان) الماضي، وشهر مايو (أيار) الحالي، حراكاً مكثفاً حول القضية الجنوبية في المشهد السياسي اليمني من قبل مختلَف الأطراف سواء كان ذلك على مستوى الشرعية اليمنية ممثلة في رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، أو من خلال احتضان أبوظبي سلسلة لقاءات لقادة سابقين في الجنوب وقيام السيد مارتن غريفيث المندوب الأممي الجديد بإجراء اتصالاته المكثفة مع شخصيات جنوبية بارزة في إطار مشاوراته لحل الأزمة اليمنية بأبعادها المختلفة.
ولعل من أصعب المهام التي تعترض الرئيس هادي تتمثل في كيفية التوفيق بين أصوله الجنوبية (لكونه من محافظة أبين) وبين موقعه رئيساً للجمهورية اليمنية التي هي نتاج الوحدة التي تمت بين جمهوريتي اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية.
فأيّ خطوة أو قرار يتخذه من جانبه يتم تفسيره وتداوله بأنه تارة يميل إلى الجنوب، وتارة أخرى بأنه يعكس قوة نفوذ القوى الشمالية الممثلة في الشخصيات العسكرية والأحزاب السياسية الكبرى الموجودة في الشرعية.
وهذه الظاهرة عرفها كثير من الدول التي توحدت سلماً مثل النموذج المصري - السوري، أو بقوة السلاح كما حدث في الحرب الأهلية الأميركية.
وقد انعكس ذلك مجدداً بوضوح في خطاب الرئيس هادي بمناسبة العيد الوطني الـ28 لقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990، حيث قال في كلمته بأن «اليمنيين أدركوا شمالاً وجنوباً أن الوحدة قد تم اختطافها… فخرج أبناء الشعب في جنوب الوطن في عام 2007 وتأسست بوادر الثورة الأولى الرافضة لسياسة ونهج الظلم والإقصاء، ولم يلبث الشعب اليمني إلا أن انتفض جميعاً في عام 2011 تحت هتاف واحد (الشعب يريد بناء اليمن الجديد)… يمن اتحادي لا ظالم فيه ولا مظلوم». مثل هذا الخطاب لم يكن يقبل به الرئيس السابق علي عبد الله صالح بأن يشيد أحد بثورة الجنوب في عام 2007، والإيحاء بأن ثورة صنعاء في 2011 ضد صالح هي ابنة الثورة الجنوبية.
ولعل قرارَي الرئيس هادي تعيين رمزين من رموز الحراك الجنوبي ناصر النوبة قائد الحراك في منصب قائد الشرطة العسكرية، ومحمد طماح رئيساً لهيئة الاستخبارات والاستطلاع، يمثلان استيعاباً وكسباً للشرعية في قراري تعيينهما.
والقرار المفاجئ نسبياً، وكان متوقعاً، تمثَّل في تعيين وزير الخارجية الأسبق عبد الملك المخلافي مستشاراً لرئيس الجمهورية، وتعيين بديل له في منصب وزير الخارجية خالد اليماني، مندوب اليمن الأسبق لدى بعثة الأمم المتحدة في نيويورك.
وجاء قرار تعيين الدكتور أحمد بن مبارك سفيراً فوق العادة ومندوب اليمن لدى الأمم المتحدة خلفاً لخالد اليماني، بالإضافة إلى مهامه سفيراً لليمن في واشنطن، وهذا التعيين الأخير بتكليف الدكتور أحمد بن مبارك في آن واحد سفيراً في واشنطن وممثل اليمن في نيويورك، يعد حالة فريدة في البعثات الدبلوماسية العربية في الولايات المتحدة باستثناء دولة جيبوتي الوحيدة التي جمعت في شخص واحد منصبي سفير في واشنطن ونيويورك! ولا شك أن تعيين وزير الخارجية في شخص مندوب اليمن السابق في الأمم المتحدة يعكس طبيعة المرحلة الحالية للأزمة اليمنية بأبعادها الدولية وارتباطها الوثيق بقرارات مجلس الأمن الدولي.
بموازاة انفتاح الشرعية على القضية الجنوبية عبر التعيينات الرئاسية الأخيرة في المناصب العسكرية والأمنية والدبلوماسية احتضنت أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة اجتماعات مكثفة لقيادات تاريخية سابقة للجنوب مع قيادات من المجلس الانتقالي الجنوبي للتداول في ما بينهم حول المرحلة المقبلة لمستقبل القضية الجنوبية في إطار جولات مارتن غريفيث الذي التقى في عواصم مختلفة بعض تلك القيادات الجنوبية.
وبالفعل قابل السيد غريفيث في مشاوراته المكوكية عدة شخصيات جنوبية تنتمي إلى مكونات للحراك الجنوبي بتعدداته وارتباطاته الخارجية المختلفة للاستماع إلى وجهات نظرهم من أجل صياغة وإدراج القضية الجنوبية في التسويات السياسية المقبلة للأزمة اليمنية.
ومن الواضح أن هناك مسارين مختلفين في سبل حل الأزمة اليمنية بين من يرى مثل موقف الشرعية أن حل القضية الجنوبية يكمن في إطار مخرجات الحوار اليمني والدولة الاتحادية، واتجاه آخر يرى أن أي حل لا يؤدي في نهايته إلى حق تقرير المصير للجنوب لن تنتج عنه إلا إعادة إنتاج من جديد للأزمات في اليمن.
ومن دون شك أن الشرعية تواجه تحديات جسيمة وسباقاً مع الزمن في سبل الإسراع في تنفيذ متطلبات قرارات مجلس الأمن الدولي قبل نهاية الولاية الدستورية للرئيس هادي، ولعل القرارات الرئاسية الأخيرة قد تندرج في هذا الإطار.