رسائل شعبية جنوبية إلى أوروبا.. نريد دولة وحياة
"إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر".. المقولة الشهيرة لأبو القاسم الشابي تنطبق على الشعب الجنوبي الذي يُظهر يومًا بعد يوم، إصرارًا ضخمًا على رغبته وتطلعه نحو استعادة دولته.
ففي عديد المناسبات، صدح صوت الجنوبيين مطالبين باستعادة دولتهم وتحسين أوضاع معيشتهم بما يعكس إصرارًا جنوبيًّا على قهر التحديات التي تحيط بالجنوب وشعبه.
رسائل الشعب الجنوبي لم تعد ذات صدى محلي لكنها باتت تُسمع على صعيد دولي، في حراك يوصف بأنّه شديد الأهمية فيما يخص أنّ الجنوب يملك حائط صد شعبيًّا لن يترك وطنه يتعرض للاستهداف المروع من قبل الشرعية الإخوانية والمليشيات الحوثية.
وفي كل مرة يتجمع فيها الجنوبيون في أي بؤرة تظاهر سلمي، فإنّ الطلبات دائمًا ما تكون ذات صبغة واضحة وتنتظر الاستجابة الفورية لا سيّما أنّ المجتمع الدولي يطلع من خلال ذلك على شعب مسالم يحلم بتحقيق تطلعاته.
فبين تحقيق حلم استعادة الدولة إلى عدم التهميش السياسي وتحسين الوضع المعيشي ووقف حرب الخدمات القاسية، يسمع المجتمع الدولي رسائل الجنوب ومطالبه ليس فقط من خلال عمل دبلوماسي مكثف ينخرط فيه المجلس الانتقالي الجنوبي، لكنّ أيضًا من خلال تحركات شعبية محلية وغير محلية تنادي بالطلبات نفسها للمجتمع الدولي.
فإلى جانب دور دبلوماسي مهم ومتصاعد يلعبه المجلس الانتقالي في هذه الآونة عبر لقاءات عديدة مع سفراء ومعبوثين أمريكيين، فإنَّ الشعب الجنوبي انخرط على الخط نفسه، من خلال مظاهرة في العاصمة البلجيكية بروكسل.
في هذه الوقفة المهمة، دعا الجنوبيون الذين تجمعوا أمام مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إلى العمل على تخفيف الوضع الإنساني الكارثي في الجنوب.
مطالب الجنوب شملت كذلك ضرورة تبني الاتحاد حق التمثيل العادل للجنوب في مفاوضات السلام، ضمن الجهود الإنسانية والسياسية لإنهاء الحرب، وحماية الجنوبيين من عدوان قوى صنعاء ومؤامراتها.
حرب الخدمات كانت حاضرة أيضًا في هذه الفعالية الشعبية، حيث نبّه المواطنون إلى تدهور الخدمات وعلى رأسها الرعاية الصحية والكهرباء والمياه بالتزامن مع ارتفاع قيمة العملة المحلية وتغول الغلاء، بسياسات مالية ممنهجة للشرعية الإخوانية لاستهداف إرادة الجنوبيين.
الوضع الاقتصادي المتدهور في الجنوب أثار قلق هؤلاء المتظاهرين الذين حذّروا من وصوله إلى نقطة تنعكس على جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى السلام بشكل سلبي.
كما وجه المتظاهرون طلبًا للاتحاد الأوروبي بـ"حث" الشرعية الإخوانية على دفع رواتب جميع الموظفين، ومن بينهم المتقاعدون العسكريون في الجنوب، والمساعدة في كبح معدلات التضخم الحالي للعملة المحلية، لتجنيب الأبرياء خطر المجاعة الوشيكة.
تحمل هذه الوقفة الشعبية أهمية كبيرة بالنظر إلى تنقل صوت الجنوب وتطلعات إلى جهة دولية فاعلة في السياسة الدولية، فأي محادثات سلام أو مفاوضات حل شامل مقبلة سيكون الاتحاد الأوروبي حاضرًا وبقوة فيها.
كما أنّ أوروبا نفسها تولي اهتمامًا كبيرًا بقضية الجنوب وتنظر بتقدير واضح للمجلس الانتقالي، ويُستدل على ذلك بالزيارة التي أجراها عدد من السفراء والمبعوثين الأوروبيين للعاصمة عدن مؤخرًا ولقائهم بالمجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الرئيس عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي.
الحرص الأوروبي على الاستماع للمجلس الانتقالي يعني أن هناك نظرة مهمة تجاه الجنوب ووضعه، وبالتالي فإنّ هذا الأمر قد ينعكس على دور ناجز تلعبه أوروبا في الفترة المقبلة، بما يخدم الجنوب وتطلعات شعبه.
هذا الدور قد يحمل أكثر من شق، فهو يتضمن ضرورة ووجوب إشراك الجنوب في أي مفاوضات مستقبلية باعتباره طرفًا أساسيًّا وجزءًا رئيسيًّا من الحل لا يمكن تجاهله بأي حالٍ من الأحوال، إلى جانب إمكانية الضغط على الشرعية الإخوانية لتتوقف عن شن حرب الخدمات المروعة التي تستهدف الجنوب وشعبه.