زيارة محمد بن زايد لإثيوبيا.. تحرك إقليمي يقوض جهود إيران وتركيا وقطر في “ القرن الأفريقي ”
لم تكن مصادفة عابرة أن عملية تحرير ميناء الحديدة اليمني من قبضة ميليشيات الحوثيين الموجّهة من إيران، تزامنت مع زيارة ذات حيثيات استثنائية قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، يوم الجمعة الماضي إلى إثيوبيا، وشهدت توقيع سبع اتفاقيات بينها تحرير اقتصاد دولة المئة مليون نسمة (إثيوبيا) من الضغوط الثقيلة على الاستقرار النقدي، ومعدلات التنمية والنمو الاقتصادي.
فما بين اليمن وإثيوبيا من إطلالات وقرب مشترك من باب المندب امتدادًا إلى بحر العرب ومداخل الخليج العربي، هو بحسب وصف مجلة الايكونومست “فضاء استراتيجي واحد ليس مثل دولة الإمارات العربية المتحدة وميناء دبي يُقدّر أهميته الحيوية بالنسبة للأمن الوطني والقومي”، وبالتالي يحرص على إبقائه مستقرًا وبعيدًا عن محاور الشرّ.
تعبير “محاور الشرّ” استخدمته نشرة ستراتفورد الاستخبارية الأمريكية، وكانت في ذلك تختصر الرؤية الغربية المتوسعة التي ترى في مثلث إيران – تركيا – قطر، محورًا يوظف الإرهاب والفوضى لتعزيز النفوذ في الشرق الأوسط.
زيارة لها ما قبلها وما بعدها
زيارة الشيخ محمد بن زايد لإثيوبيا، لم تكن – بالنسبة لشبكة سي أن بي سي الأمريكية – منفصلة عما سبقها ولحقها من حركة سياسية سريعة كثيفة. فهو حراك يشي بأن هناك عملية إعادة هيكلة أو ترتيب لمنطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وأن بن زايد يتوسط هذا الجهد برؤية تمتلك عناصر المبادرة والشمولية في تحقيق الاستقرار.
فقبيل زيارة بن زايد توجه أبي أحمد إلى مصر، وهي حليف للإمارات، مبديًا لهجة تصالحية جديدة في نزاع طويل ومرير بشأن سد تبنيه إثيوبيا على النيل، وتخشى مصر أن يهدد إمداداتها المائية.
وبعيد زيارة ولي عهد أبوظبي لأديس أبابا، التي وصفها بأنها مدينة التاريخ والحضارة والتنوع الثقافي، أعلن رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد عن بدء التطبيع المؤسسي العميق مع إرتيريا قائلًا “لن أورث الموت للأجيال المقبلة”. وغادر في اليوم التالي إلى الصومال أيضًا، وهو معزّز بشراكة في الرؤية والجهد من طرف الشيخ محمد بن زايد الذي وصفه أمام البرلمان الإثيوبي بأنه “راعي قيادة وحكمة تثير الإعجاب، وصاحب رؤية فذة لشعب بلاده وأجيالها”.
وكرّست التحركات الجديدة في الإعلام الدولي صورة إثيوبيا بأنها أضحت “حلقة محورية في الأمن الإقليمي” برؤية تتوافق مع مضامين التحرك السعودي الإماراتي في هذا المحيط الجيواستراتيجي المتشابك بعيدًا نهج الحكومة الإثيوبية السابقة، التي كانت أكثر ميلًا للتحالف القطري التركي.
مكافحة الإرهاب واحتواء التمدد الإيراني والتركي
مجلة “ديسكورس أفيرز” الاستراتيجية، في وصفها للسياسات الإماراتية التي يقودها الشيخ محمد بن زايد، والتي ترى في اليمن والقرن الإفريقي والبحر الأحمر إقليمًا أمنيًا متشابكًا، حددت أعمدة قالت إن هذه السياسة تعتمدها بشكل متكامل، وهي الاستثمار والتجارة ومكافحة الإرهاب، فضلًا عن احتواء نزعات التوسع من طرف دول الجوار الإقليمي، وهي إيران وتركيا.
وضمن هذه الرؤية، كما تقول دورية “ديسكورس أفيرز”، فإن الرسالة التي تعممها السياسة الإماراتية في القرن الإفريقي، تحظى بالقبول المتوسع على قاعدة الشراكة في حماية الاستقرار والأمن العابر للحدود. فالقرن الإفريقي بالنسبة للإمارات إقليم يصل في عمقه إلى كينيا وتنزانيا وأوغندا، كما تقول المجلة.
وتستذكر النشرة الاستراتيجية بأن مبادرة الشيخ محمد بن زايد، والجهد السعودي الإماراتي المشترك في تأهيل الحلقة الإثيوبية لإعادة هيكلة استقرار القرن الإفريقي، تأتي في أعقاب مرحلة تشتيت وتفريط كانت تولتها حكومة هايلي ميريام ديسالين، التي سبقت حكومة آبي أحمد، والتي كانت تنقّلت في إملاءاتها، بين المصالح الاسرائيلية ثم البرنامج التركي- القطري الذي تسلل إلى جزر وموانئ على شاطئ البحر الأحمر، واتخذها قواعد عسكرية تستهدف وتهدد ربما دول الخليج وشبه الجزيرة العربية.