لماذا رفض الحوثيون الانسحاب من الحديدة ؟؟ وما هي أهدافهم غير المعلنة من خوض معركة الساحل الغربي ؟
لا جديد في سماء الحديدة ؛غير أن هدير الطائرات وأصوات المدافع وازيز الرصاص باتت أقرب من أي وقت مضى ؛وبين قراري النزوح والبقاء لسكان مدينة استنزف أهلها الفقر والجوع والمرض خيارات صعبة وأثمان تٌدفع ؛المنظمات الدولية والأهلية - بعلاتها – تركت المدينة وارتحلت خلف خط النار ؛ نارُ باتت تنبعث في كل شبر وحارة وزقاق في مدينة ليس فيها ما يمكن القتال من أجله - على الأقل من وجهة نضر سكانها -؛ نار تستعر من تحت الأرض ومن فوقها ومن حولها ومن خارج المدينة ومحيطها تسوق سكانها الى مصير مجهول .
فجر يوم الأربعاء شنّت قوات العمالقة الجنوبيّة وتشكيلات عسكرية أخرى هجوما بريا " كاسحاً " على مدينة الحديدة مسنودة بغطاء جوي وفرته مقاتلات تابعة للتحالف العربي ؛ وهدفها بحسب التحالف – السيطرة على المدينة ومينائها الرئيس تحديدا بغية منع الحوثيين من إدخال أسلحة بينها صواريخ عبر ميناء البحر الأحمر يقول :" إن طهران تزودهم بها " .وهو أمر نفته الأخيرة مرارا .
في المقابل نشر الحوثيون الآلاف من عناصرهم بين الأحياء والمنازل وتقاطعات الطرق وفي محيط مطار المدينة ومينائها استعدادا للتحام مباشر وحرب شوارع ستكون مدينة الحديدة مسرحاً لها .وفي أكثر من تلميح لقيادات عسكرية محسوبة عليها فإنها لن تنجرّ إلى طريقة القتال التي يرسمها التحالف وحلفائه المحليين بل هي من ستحدد طريقة إدارة معركة الحديدة والحديث هنا عن حرب شوارع مفتوحة زماناً ومكاناً يُحيّد فيها الطيران المعادل الأبرز في رجحان كفّة التحالف العربي .
حرب طويلة :
يراهن الحوثيون أيضا على أن نخبة قواتهم التي تلقت تدريبا عاليا على يد خبراء من حزب الله في خوض معارك حرب المدن ؛ ستتمكن من إلحاق هزيمة ساحقة بالقوات المهاجمة التي ستحاول اقتحام مدينة الحديدة لتحريرها وفي أسوأ الأحوال فإن المعركة معها ستكون ضارية ومكلفة بشريّا وطويلة المدى وهذا ما يطلق عليه الخبراء العسكريون توريط الجيوش النظامية في مستنقعات حرب شوارع لا وقت لها ولا سقف محددين وهذا هدف رئيس بالنسبة للحوثيين .
وحال لجأ التحالف العربي إلى استخدام القنابل الذكية لقصف مواقع الحوثيين المتحصنين بداخل المدينة فإن ذلك سيؤدي الى سقوط ضحايا من المدنيين استعد الحوثيون لتهويلها إعلاميا بدعم خارجي كبير وبالتالي تحمّيل التحالف تبعات الوضع الإنساني الذي بكل تأكيد سيكون سيّاً للغاية ؛ فسكان الحديدة " البالغ تعدادهم " ثلاثة ملايين وواحد وسبعين ألفاَ وثمان مائة وثلاثة وثمانين نسمة لن يكون" بمقدور غالبهم النزوح الى مناطق آمنة ؛كما أن موقفهم من الحرب ليس موحداً ؛كما هو حال الأهالي بعدن حين أخلوا كافة الأحياء والمديريات التي سقطت بيد الحوثيين بداية الحرب ما أسهم تاليا في إمكانية تحريرها بسهولة .وإذا فإغراق المقاومة - المدعومة من التحالف بمختلف تشكيلاتها – في حرب شوارع – دون غطاء جوي غاية انتظرها الحوثيون طويلاً لاعتقادهم الجازم أنها المكان الأنسب لإلحاق أوّل هزيمة عسكريّة حقيقية بالقوات المشتركة ومن ورائها التحالف العربي .
قلق أممي :
الأمم المتحدة التي ما فتئت تُعبّر عن قلقها وخشيتها من أن تؤدي الحرب في المدينة إلى وقوع كارثة إنسانية هي الأسوأ في العالم ؛ جددت مطالبتها أطراف الصراع الجنوح إلى السلم والعودة الى طاولة مفاوضات فشل مبعوثها الجديد " مارتن جريفت " في جرّهم إليها .من جانبه مجلس الأمن الدولي طالب أمس الأول بوقفٍ عاجلٍ للهجوم على ميناء الحديدة اليمني ، داعيا إلى إبقاء الميناء مفتوحا أمام المساعدات الإنسانية.
خيارات التحالف "
على الأرض لا زالت القوات المدعومة من التحالف العربي تتحاشى التوغل باتجاه المدينة لمحاذير عديدة بينها سقوط أعداد كبيرة من المدنيين والانجرار إلى حرب شوارع بالتأكيد لن تكون سهلة أو خاطفة على الإطلاق بحسب المعطيات ؛ ومع تحاشيها لخوض تلك المواجهات فإن هدفها الذي رسمته للمعركة الأكثر تحديّاً بالنسبة لها سيطول قطافه وبطوله سترتفع الكلفة البشريّة للحرب فالحديدة في نهاية المطاف ليست عدن ولاالضالع كما أن التحالف يعي جيّدا أن الحوثيين يملكون في الحديدة الكثير من الأوراق التي لم يستخدموها بعد ؛وأن كلفة التراجع أو الهزيمة على الصعيدين السياسي والعسكري كبير ؛ومن هنا تأتي حساسية إدارة معركة الحديدة التي سيسعى التحالف لكسبها بأقل الخسائر الممكنة عبر إجراءات عسكرية أبرزها :
حصار المدينة وقطع الإمدادات القادمة إليها من بقية المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين بينها إب وتعز وصنعاء ؛ التقدم ببطىء وحذر شديد ين باتجاه المدينة أفقيّا بهدف تطويقها مع تكثيف الضربات الجوية ومحاولة جرّ أكبر كم من المقاتلين الحوثيين المتمترسين بداخل المدينة إلى الفضاءات المفتوحة خارجها ليسهل التعامل معهم من قبل الطيران ؛ تجنيد مجاميع من أبناء الحديدة للقيام بعمليات من الداخل مع صعوبة ذلك فتجربة انتفاضة صنعاء لا زالت ماثلة ؛ وفي حال لم تنجح أي من تلك الخيارات فلن يكون أمام التحالف الإ خيار أخير ؛ هو اقتحام المدينة بعد توجيه نداءات للمدنيين بالخروج منها وستكون عملية الاقتحام تلك كبيرة وشاملة وستنفذ بإبرار بحري وإنزال مضلي متزامن وبقوام قوات برية كبيرة ؛ ومع كل ذلك فالمحاذير الدوليّة تتراكم باتجاهين "سلامة البنية التحتية للميناء وهو أمر سيكون صعبا حال توسعت الاشتباكات وباتت السيطرة عليه هدفاً للمهاجمين والدفاع عنه هدفا مقابلا للمدافعين عنه ؛ وسلامة المدنيين وهو أمر سيسعى الحوثيون لاستثماره إعلاميا على أكمل وجه .
سياسيا :
لاشك بأن الحوثيين لن يقدموا أي تنازلات فيما يخص تسليم المدينة وهم ذاهبون باتجاه المواجهة لا رغبة في القتال أو لأن الحديدة توفر لهم دخلا كبيرا – أو لأن خسارتهم للحديدة ستعني النهاية بالنسبة لهم - كما يعتقد البعض – وحديثهم مع المبعوث الدولي كان في سياق ذلك ؛ ولكن إصرار الحوثيين على خوض المعركة في مدينة الحديدة يندرج في إطارين اثنين سياسي وداخلي ؛ فالإطار السياسي يتمثل بالضهور كند قوي لا يمكن انتزاع التنازلات منه بالقوّة ؛ وهذا يصب مصب الإطار الداخلي للحركة التي تعتمد في تعاملها مع عناصرها على ثوابت أشبه بالثوابت العقدية بل ,واشد تمسّكا وهم الذين تستمد منهم الحركة مصدر قوتها الحقيقي .ويبقى السؤال هنا هل من شأن السيطرة على ميناء الحديدة تغيّير معطيات موازين الحرب لصالح التحالف سياسيا وعسكريّاً والعكس .؟أم أن الهدف الأساس هو حرمان الحوثيين من الموارد المالية المحصّلة من الميناء ومنع امتلاكهم أسلحة نوعية تصل إليهم عبر الميناء بطرق وأساليب مختلفة ؟ فبحسب السفير السعودي في الأمم المتحدة فإن هدف معركة الحديدة هو دفع الحوثيين إلى طاولة المفاوضات بشروط أقل ّ تشددا .