الجنوب.. بين واقعية السياسة وسياسة الأمر الواقع !

بداية.. لابد من التنويه بأن هناك مسافة رمادية ضيقة في حسابات السياسة وأخطائها القاتلة التي تفصل ما بين واقعية السياسة وسياسة الأمر الواقع حين يختلط الأمر فيها عند صناع القرار أو تنطلي عليهم بعض مظاهرها السطحية الخادعة!

يبدو لنا ومن خلال التفاعل والمتابعة المستمرة لكل ما يدور تقريباً على ساحة الجنوب وحول الجنوب - على الأقل ما يتم الإفصاح عنه علناً - وبأشكال وتعبيرات ومواقف مختلفة والتي تتجلى وبوضوح تام في جزء كبير منها ، وبغموض شديد في بعضها الآخر، وبين هذا وذاك هناك رسائل سياسية موجهة وبأقنعة المكر والخداع يحملها كل منهما، وقد تجعل من الدعوة للواقعية السياسية مدخلاً لتحقيق بعض الأهداف غير المعلنة وبأبعاد تكتيكية آنية تربك حركة هذا الطرف أو ذاك أو تشوش على مواقفه السياسية على أقل تقدير وبما يخلخل صفوف مؤيديه وأنصاره وإضعاف جبهته عموماً، وعلى نحو يبعث القلق والحيرة وربما فقدان روح المبادرة وبوصلة السير للجنوبيين وتحديداً من يتولون حمل لواء القضية الجنوبية علناً والمدافعين عنها وبمختلف تعبيراتهم ومكوناتهم ورؤاهم السياسية بشأن حل قضية الجنوب وبكل أبعادها السياسية والوطنية والتاريخية وفِي المقدمة منها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أصبحت سياسته وخطواته ومواقفه تحت مجهر الجميع وبدوافع وأسباب وأهداف مختلفة!

فالواقعية السياسية وفي كل الأحوال مطلوبة عملاً وسلوكاً ومنهجاً من قبل الجميع في هذه الظروف غير السوية والمربكة للجميع دون استثناء، وترسم للمستقبل بعدسات فعلها صورة دون ملامح واضحة بسبب تداخل الألوان وتنافرها وتشابك الخطوط المتقاطعة وفي أكثر من اتجاه، ليكون الانتصار على ذاتهم الضيقة - صفة ومضمونًا - أمراً ممكناً ومدخلاً للانتصار لذاتهم الوطنية وبمعناها الأعمق والأشمل، وهي عملية متحركة غير ثابتة عند نقطة محددة أو موقف محدد بذاته ووفقاً لتفاعلات و تغيّرات وتحركات بقية أطراف المشهد السياسي الفاعلة فيه وبطبيعة التبدلات التي قد تطرأ على مواقفها وتحالفاتها الداخلية والخارجية، وعوضاً عن التفاهم والحوار المسؤول مع فرقاء الحياة السياسية في الجنوب وهو المنطقي وطنيا وسياسيا بل وتاريخيا، فقد نشهد حالة من التنافس لدى بعض القوى والأطراف الداخلية على تقديم نفسها كبدائل أفضل من غيرها لدى بعض القوى الإقليمية والدولية بهدف سحب البساط من تحت أقدام خصومها السياسيين ودون حساب لعواقب مثل هذا السلوك السياسي الخطير على أصحابه وعلى المشروع الوطني للجنوب عموماً، ولن يخدم الجهود الوطنية المخلصة الهادفة لتجاوز الحالة الجنوبية القائمة وتوحيد الصفوف والموقف لمواجهة التحديات واستحقاقات المرحلة المقبلة، وهو ما يعني عجز الجميع عن إنتاج الحلول الواقعية والممكنة تحت سقف الجنوب ومظلته الوطنية وهي متاحة وممكنة وليست من المستحيلات إذا ما صدقت النوايا وتعززت الثقة بالذات وبالآخر، وأدرك الجميع خطورة اللحظة وجعلوا قضية الجنوب حقاً وصدقاً أولويتهم المطلقة قولاً وعملاً وبعيداً عن حسابات الحقل والبيدر، وأيا كانت الدوافع والمبررات عند هذا الطرف أو ذاك فالنتيجة واحدة وسيكون ذلك بحسابات التاريخ خصماً من الرصيد الوطني للأفراد والجماعات وتهميشا للقرار الوطني المستقل بل وجعله رهينة بصورة أو بأخرى خارج حدود الوطن.

غير أن الحذر واجب من مخاطر الانزلاق وراء الإعلام المضلل والمضاد للتحالف العربي وتحديداً ضد الإمارات من قبل بعض القوى والأطراف اليمنية التي تسعى جاهدة لتشويه الدور الإماراتي ولأسباب خاصة بهذه القوى وبموقفها أساساً من قوى الانقلاب وليس دفاعاً عن الجنوب أو حباً بأهله، بغية الوصول لمبتغاها القذر وهدفها الشيطاني وهو حرمان الجنوب من تحالفه القوي مع التحالف الذي تقوده السعودية والذي جسدته الأفعال الملموسة والتضحيات الجسام في جبهات القتال المختلفة، لعل ذلك يساعدها ويسهل مهمتها كما تتصور بالعودة إلى الجنوب وحكمه والبطش بأهله مجدداً، وهو ما لم ولن يقبل به أبناء الجنوب على تعدد رؤاهم ومواقفهم المختلفة وقد أثبتوا ذلك عملياً في ملحمة الدفاع عن الجنوب ووحدتهم الخنادق والبنادق وشلالات الدماء الطاهرة التي سالت على ترابه وتحت رايته وعنوان شموخه ومجده وكبريائه الوطني.