الشعب محتاج (حنان)

حمى شديدة اسمها "كوليندا كيتاروفيتش" ضربت الشارع العدني تزامنا مع نهائي مونديال روسيا، فأينما توجهت لا تسمع سوى الحديث عن "الرئيسة الكرواتية" وابتسامتها وحضورها المفعم بالأمل والجمال.

 
فجأة نسي الجميع في عدن همومهم ومعاناتهم وتوقفوا عن حديث السياسة الممل.. الكل يتحدث عن الحضور الطاغي للرئيسة الكرواتية في مدرجات المونديال، والحنان الذي غمرت به لاعبي ومشجعي منتخبها الكرواتي.
 
ليس جمال (كوليندا) وحده الذي أخذ لب متابعي المونديال في عدن وحسب، بل أيضا ابتسامتها التي لم تفارق محياها، فيما لدينا العبوس صفة دائمة لمن يحكمنا حتى أصبحنا بدورنا شعب عابس وتعيس.
 
استفزني هذا الجدل الذي أثارته الرئيسة "كوليندا كيتاروفيتش" لدينا في عدن وقد بات حديث العامة من كبار وصغار في الشارع والأسواق والمقايل وحتى بداخل حافلات الأجرة.
 
سألت سائق حافلة أجرة كنت على متنها بالأمس: من تختار أن يحكمك الشرعية أم "كوليندا" فرد سريعا الرئيسة الكراوتية طبعا، سألت آخر الانتقالي أم "كوليندا" فأجاب بنفس جواب الأول.
 
للابتسامة تأثير، وللاهتمام سحر، وللعفوية مصداقية، وهي أمور ثلاثة نفتقدها في بلادنا، فكل من يحكمنا يحكمنا بالحديد والنار والبنادق والأزمات وانقطاعات الكهرباء والمياه والمرتبات، ولا أحد فيهم فكر في مرة أن يبتسم في وجه المواطنين للتخفيف من معاناتهم أو أن يحتضن مواطن غلبان ويشمله بالحنان كما كانت تفعل الرئيسة الكرواتية مع لاعبي المنتخب الكرواتي طوال فترة المونديال، والتي نجحت وهي مبتسمة في تحقيق نهضة اقتصادية وخدمية نقلت كرواتيا إلى مصاف الدول المتقدمة فيما حكامنا وساستنا منشغلون بتكدير حياتنا بصراعاتهم التي حولت (عدن) التي كانت ذات يوم قريب سويسرا الشرق إلى قرية.
 
الشعب يا سادة حزين ويفتقر إلى اهتمام ورعاية الدولة واهتمام قياداتها به، كفوا يا من تحكموننا وتديرون شؤوننا عن القسوة المبالغة ولغة الأوامر والتهديد والوعيد، حاولوا مرة أن تزرعوا الابتسامة والتفاؤل في وجوه الناس وقلوبهم بعد أن باتت بسبب أزماتكم التي لا تنتهي صحراء قاحلة.
 
هذا الشعب تحمل ما لا يحتمل ولا يزال متحملا بصمت وصبر منقطعي النظير فألا يستحق منكم وقفة لإعادة مراجعة حساباتكم وتصحيح الأوضاع المعوجة ليس بالحديد والنار الذي حول مدينة عدن المسالمة إلى أشبه ما تكون بغابة يأكل القوي فيها الضعيف وساحة لمعركة سياسية وعسكرية لا تكاد تنتهي حتى تعود إلى الاحتدام من جديد، بل بالتعاون والتسامح والعمل المنطلق من حب الوطن والمواطنين.
 
يا من تحكموننا قسوتكم قد بلغت ما لا يطاق والشعب في أمس الحاجة لقليل من حنان الرعاية والاهتمام الذي يمنح الناس بصيص أمل بعد أن خيم اليأس على حياتهم وفقدوا حتى قدرة الحلم بغد أفضل ولم يعد لهم ثقة في وعودكم السرابية التي لم يتحقق منها شيئا ليس منذ تحرير عدن قبل أربع سنوات بل ومنذ تحرير الجنوب من بريطانيا في 67م.. فإما أن تحنوا على هذا الشعب المغلوب على أمره وتراعوا الله فيه أو أن تفتحوا له طريقا للرحيل صوب كرواتيا.