عدن وفقيد الوطن العربي أبو بكر سالم بلفقيه

أقيمت في العاصمة الجنوبية عدن الفعالية السنوية لفنان العرب الأول الفقيد أبو بكر سالم بلفقية، أقامها دار روشن، وهو مبادرة ترأسها الصديقة العزيزة "صمود صالح"؛ لم أتمكن من الحضور لانشغالي في العمل، وهي مناسبة أن اعتذر عن ذلك.

"دار روشن"، مبادرة جميلة لاحياء مناسبات هي في الأساس وطنية لقامات فنية قدمت الكثير للوطن العربي بشكل عام، فكل التحية والتقدير للاستاذة صمود وكل طاقم دار روشن.

كنت قد وعدت بالكتابة عن "الفنان أبوبكر سالم بلفقيه"، ربما من زاوية مختلفة شوية، الكتابة عن الأسطورة الفنية الغنائية التي لا يمكن ان تتكرر على الاطلاق.

ذات يوم وعقب تكريم جماعة إخوان اليمن في تركيا لفنانة قديرة، دخلت لي زميلة إعلامية وصديقة عزيزة أكن لها كل التقدير والاحترام، "في محادثة لطيفة كان فيها من العتاب والنصيحة، وحقيقة انا لم اتطرق حينها لـ"الترند" لأسباب اني لا ارغب في الخوض بشيء لا يمثل أي أهمية بالنسبة لي.

قلت لصديقتي العزيزة:"إن كل عمالقة الفن العربي، جميعهم مروا من عدن، وعلى رأسهم الفنان الكبير أبوبكر سالم بلفقيه".

وقبل ان أكمل في تذكر أسماء الفنانيين الذين كان للعاصمة عدن الفضل بعد الله عليهم في بروز نجمهم على مستوى الوطن العربي، وأصبحت أسماء يشار لها بالبنان، قالت صديقتي :"أبوبكر ليس عدنياً، ولا يمكن نقول عليه إنه من عدن، لأنه لم يعش في عدن ولا يمتلك بيتا فيها".

صدمني كلامها الذي يبدو أنها لا تعرف أي شيء عن الفنان أبوبكر سالم بلفقيه وهذا بسبب ان الإعلام خلال العقود الثلاثة الماضية ركز بشكل كبير على فنانيين أخرين، وترك من أثروا الساحة الفنية الجنوبية، ربما لأسباب تعود الى سياسة نظام الاحتلال العسكري لعدن والجنوب، وأنا هنا قد ألتمس العذر لكل من يجهل التأريخ الفني والأدبي للراحل أبوبكر سالم بلفقيه.

ولا أقول "ان البعض أعمت أعينهم العنصـــرية، لأن ابوبكر سالم بلفقيه فنان لا يقارن بأحد، كما أن هو من صنع الكثير من الالحان للون الغنائي العدني، وهو الذي برع في الصنعاني والسعودي والخليجي، حين توفي الفنان بلفقيه، نعته وسائل الإعلام السعودية والخليجية، وبثت قناة العربية تقريرا بعنوان "وفاة الفنان السعودي أبوبكر سالم"؛ في حين ان البعض ينفي عنه الأرض التي عاشت فيه قبل ان يعيش فيها.

بلفقيه الفتى يتيم الأب، فقد اباه وهو لم يكمل عامه الأول، ذهب من مسقط رأسه في تريم حضرموت إلى العاصمة عدن، عاش في عدن في كنف أسرته وأهله من الأسر العريقة، عاش في عدن شبابه وتزوج أبنة الشيخ الجليل عمر بن عرفان، أولاده ولدوا وتربوا عاشوا في عدن، "أنغام، الحان، أديب"، ثم تزوج في السعودية من أبنة العطاس، وأنجب منها "أصيل، أليف، وأحمد".

للفنان بلفقيه العديد من الأغاني ومن أول اغانيه "يا ورد محلى جمالك بين الورود"؛ وهي من كلماته وألحانه، انتقل من العاصمة عدن إلى لبنان وهناك استقر في العاصمة بيروت لسنوات، قبل ان يعود الى عدن التي أحبها، ولكن قد الحال تبدل، فقد تعرضت العاصمة لغزو ممنهج وتم تأميم المنازل وتعرض التجار الجنوبيين للتطفيش".

لكن أبوبكر الذي انتقل إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، لم ينس عدن التي عاد إليها مرة أخرى لحضور لزيارة أولاده وزفاف ابنته التي تزوجت في العاصمة.

في ذكرى رحيل عميد الفن العربي، نقول لكل من يوزع صكوك المواطنة على هواه، حبوا عدن قليلاً فأنتم من المستحيل تحبوا عدن كما نحبها ويحبها أهلها وأحبها أبوبكر سالم بلفقيه، الذي ددن ذات يوم برائعة الشاعر الجنوبي الكبير لطفي جعفر أمان "خطوة خطوة".

عدن لها فضل كبير علينا كلنا، عدن العاصمة العالمية التي لا يكرهها الا دخيل لا يمت لمدنيتها بأي صلة، فهذه المدينة تعطي ما تمنح "بادلوا عدن الحب، حتى تبادلكم الحب بأكثر منه".

عدن التي تعرضت للتدمير الممنهج من قبل فئة دخيلة على التأريخ والهوية، وطمست معالمها وغيرت من مساجدها التأريخية، ولكنها "عدن أشبه بطائر الفينيق" ستبعث من جديداً، وحين ستبعث ستلفظ "دعاة العنصرية بعيداً كما تفعل شواطئ صيرة.

رحم الله فقيد الجنوب، فقيد "عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى"، فقيد الخليج والوطن العربي أجمع، الفنان الذي سيظل خالدا بما خلده لنا من أرث فني كبير، فهو الفنان والشاعر والملحن والموزع المسيقي، الفنان الاسطورة التي لا تتكرر ابدا.