تفريخ المكونات السياسية.. مؤامرة مسبقة للتأثير على القرار الجنوبي

شهدت محافظات الجنوب، في الآونة الأخيرة، تشكيل العديد من المكونات والمجالس، في ظاهرها الوطنية، وتمكين أبناء المحافظات من إدارة شؤونهم بأنفسهم، وفي باطنها أهداف سياسية بحتة، لا تمت لشعب الجنوب ولا مطالبه المشروعة التي عبر عنها ولا زال لأكثر من ثلاثة عقود بأي صلة.

ففي نهاية يونيو المنصرم، تم تشكيل ما يسمى بـ"مجلس حضرموت الوطني" بالرياض، وكانت حضرموت على موعد لزيارة مستعجلة ومفاجئة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي بمعية وفد سعودي تهدف - بشتى الطرق - إلى تمكين هذا المجلس الجديد الذي يتكون من شخصيات معروفة بولائها لجماعة الإخوان، وأخرى لا تمثّل أبناء حضرموت الذين خرجوا في أكثر من مليونية رافعين صوتهم الثائر المطالب باستعادة دولتهم المنهوبة.

محافظة شبوة، كانت الوجهة الثانية بعد حضرموت لتفريخ هذا المكون الجديد، حيث لم يفرق بين تشكيل المكونين سوى إجازة عيد الأضحى فقط، بالرغم من ادّعاء "العليمي" عند زيارته لحضرموت بخصوصية المحافظة بتجربة تمكين هذا المكون من الإدارة الذاتية سياسياً وإدارياً وعسكرياً، وتعميم هذه التجربة بعد نجاحها على بقية المحافظات، وهو مما يدل على حرص الراعي والمستفيد من تفريخ هذه المكونات على إنجاز هذه المهمة في أسرع وقت ممكن، دافعين في واجهة تلك المكونات بعض القبائل والشخصيات الاجتماعية كغلاف خارجي يغطي سوءة الجماعات الحزبية المتسيدة لتلك المكونات ويغالط مضمون هدفهم الرئيس من التأسيس في المرحلة الراهنة.

وأخيراً، العاصمة عدن، لم تسلم من تلك التحركات المشبوهة، حيث شهدت خلال إجازة العيد مشاورات محمومة بين أطراف "عدنية" تسعى لإنشاء مجلس سياسي يشترط في عضويته أن يكون "عدنياً" عاش في عدن حقبة ستينيات القرن الماضي، دون الالتفات إلى هويته الجنوبية، والسعي إلى تمكين هذا المكون من الحكم الذاتي أيضاً، تحت حجة إنقاذ عدن من التدهور الخدمي والمعيشي والانتصار لأبناء المدينة، دون مراعاة الأهمية السياسية والاستراتيجية للعاصمة.

الفترة الوجيزة والإنجاز السريع لتفريخ هذه المكونات في كبرى وأهم محافظات الجنوب، تشير إلى أنها مؤامرة معدة سلفاً لتشمل كافة المحافظات، وفي أسرع وقت ممكن، لا سيما وأن إطلاق العملية السياسية لإنهاء الحرب وإحلال السلام الشامل في اليمن بات قاب قوسين أو أدنى.

تفريخ المكونات السياسية في الجنوب، والسعي إلى منحها الإدارة الذاتية في المرحلة الراهنة، تفضح ثلاثة أمور؛ أولها: سعي الراعين والداعمين لهذه المشاريع المأزومة وجماعة الإخوان لتمزيق اللُّحمة واختراق الصف الجنوبي، والنيل من شعبية المجلس الانتقالي الجنوبي في مختلف محافظات الجنوب، بالإغراء بالسلطة والأموال الطائلة، والوعود الكاذبة بالتمكين من الإدارة الذاتية، وهو ما أكده تعدد المكونات وقياداتها المشبوهة التي لا تشير إلى توحيد الصف المزعوم.

والآخر: رغبة الداعمين (الرياض) بإشغال المجلس الانتقالي الجنوبي، وقيادته السياسية، وشعب الجنوب بشكل عام، بالتصدي لتلك المكونات الجديدة خلال الوقت الراهن، وضمان حرف التصعيد الأخير لشعب الجنوب عن المحافظات الشرقية (وادي حضرموت والمهرة)، لا سيما عقب ما شهدته محافظة حضرموت من حراك جنوبي واسع خلال أعمال الدورة السادسة للجمعية الوطنية نهاية أبريل المنصرم، وهو ما دفع الأطراف اليمنية والإخوانية التي لا زالت تسيطر على الشرعية إلى ممارسة العديد من الضغوطات على المملكة العربية السعودية، ناهيك عن حرص الأخيرة على إنجاح العملية السياسية الأخيرة والخروج من الحرب بشتى الطرق، وعدم إفشال تلك المباحثات التي قدمت فيها كافة التنازلات.

أما الأمر الثالث، فتفضح النوايا المبيتة لداعمي تفريخ هذه المكونات، وحرصهم على التأثير والاستحواذ على القرار الجنوبي في مفاوضات السلام الشامل، أو حتى ضمن الإطار التفاوضي الخاص لقضية الجنوب، حيث سيتم الدفع بتلك المكونات الجديدة للمشاركة في مقدمة الصفوف بجميع المفاوضات التي سترعاها الأمم المتحدة، وبكونها "مكونات جنوبية"، وهو ما قد يؤثر على نتائج المفاوضات النهائية حسب إملاءات لا تمت للواقع ولا صوت شعب الجنوب ومطالبهم المشروعة بأي صلة.

رسالة أخيرة، يظل شعب الجنوب وقيادته السياسية أكبر من كافة المؤامرات، التي تُحاك ضده وضد مشروعه الوطني، وهو ما ظهر جلياً في الفعاليات الشعبية التي شهدتها كافة مدن ساحل ووادي حضرموت نهاية الأسبوع الجاري، ورفضها لتفريخ المكونات والعمل الحزبي بالمحافظة، والتأكيد على هويتها الجنوبية، ناهيك عن إعلان العديد من مشايخ قبائل شبوة انسحابهم من المكون الجديد خلال حضورهم يوم تأسيسه، والتحذير منه وفضحه على أنه عبارة عن مغالطات حزبية تحاول استغلال الأوضاع في شبوة والجنوب لتحقيق وتنفيذ أجندة مشبوهة.