الحديدة ... أبعاد دولية
مضت عدة أشهر على اطلاق معركة تحرير مدينة الحديدة، وهي معركة حققت تقدما كبيرا على الصعيد العسكري، لكنها ايضا أثارت وتثير العديد من الأسئلة وترفع علامات استفهام اكبر كلما مر الوقت، إذ يلاحظ المتابع أن الجبهات المتقدمة باتجاه مركز محافظة الحديدة تحقق تقدما سريعا عندما تتحرك وتتقدم القوات المحررة، لكنها سرعان ماتقف، وتسكن المعارك، رغم عجز المليشيات الحوثية عن المقاومة أو صد القوات المتقدمة أو حتى إبطاء زحفها . لاشك أن للحرب في اليمن أبعادا دولية تؤثر وتتأثر بما يجري، ولا شك أيضا أن لمعركة الحديدة تأثير كبير على تلك الأبعاد، ويعرف الجميع مايتكرر يوميا عن الممرات الدولية وباب المندب وتهريب الاسلحة وكل ذلك الحديث الذي لاحاجة لتكراره في هذا المقال. من الواضح أن لمساعي الأمم المتحدة التي يقودها المبعوث الخاص مارتن جريفيث علاقة مباشرة بالأمر، ولم يعد من قبيل التكهنات القول إن إيقاف معركة الحديدة أتى في كل مرة استجابة لرغبة الامم المتحدة ودول كبرى في الدفع بعربة الحل السياسي لتسبق نظيرتها العسكرية التي يستجيب التحالف في كل مرة لكبحها، واعطاء الفرصة تلك القوى.
وعلى الرغم من فشل المبعوث جريفيت في اطلاق محادثات السلام مطلع الشهر الماضي بسبب رفض الحوثيين التوجه الى جنيف للمشاركة فيها، إلا أن الدعم غير المسبوق الذي يحظى به جريفيت يحفز الأخير على المضي قدما في مساعيه، ولا نكشف سرا عندما نقول ان بريطانيا – مثلا – تقف بكل ثقلها خلف مواطنها المبعوث رسولا للسلام وتسعى بقوة لإنجاح مهمته، وهي مهمة ليست باليسيرة أبدا. يتمتع جريفيت بشخصية تطغى عليها البرودة والتأني، بعيدة عن العاطفة التي طغت على شخصية سابقه ولد الشيخ، ومع الأخذ بعين الاعتبار وقوف دول كبرى وقوية ومؤثره خلفه ومنها بلده بريطانيا وإلى جانبها أوروبا، فان حظوظه تبدو أكبر وأكثر من سابقيه، وبالتالي فإن اعطاءه فسحة من الأمر والوقت تبدو امرا معقولا ومفهوما . والأمر كذلك اذا، فان تدفق الضغوط بهدف تعبيد طريق جريفيت تمر بالحديدة ومعركتها، وهو الأمر الذي يرغب التحالف العربي بقيادة السعودية في التماهي معه من خلال (طول البال) وإعطاء فرص ومساعي السلام كل مساحة ممكنة للتحرك والنجاح، وهذا ما يمكن للمتابع ملامسته من خلال تصريحات رسمية وغير رسمية لقيادات إماراتية على اعتبار ان دولة الامارات تقود بشكل مباشر جهود التحالف العربي في الساحل الغربي.
ووفقا لما سبق فان معركة تحرير الحديدة ومساري الحرب والسلام بشكل عام سيظلان رهن التطورات في مهمة جريفيت، لكن السؤال المحوري هنا هو : إلى متى؟. وهو سؤال يفرض نفسه بقوة على كل اللاعبين، فالحديدة ترزح تحت سطوة المليشيات الحوثية، ويعاني أهلها كل المعاناة وفي كل النواحي من تلك السطوة، وتلك مسالة ينبغي بل يجب أخذها بعين الاعتبار ورفعها الى أعلى سلم الاهتمامات والأولويات، من قبل كل الأطراف وفي مقدمها سعادة المبعوث الخاص السيد مارتن جريفيت.