قضية خاشقجي..وسيلة ابتزاز دولية ضد السعودية

الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 19:35:00
 قضية خاشقجي..وسيلة ابتزاز دولية ضد السعودية

رأي المشهد العربي

لا نؤمن بالعنف ولا نبرره لكن عندما نرى المعايير المزدوجة أوالكيل بمكيالين في قضية حدثت وتحدث وستحدث ولن تنتهي في كثير من دول العالم، لابد من التساؤل بـ(لماذا) قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بتركيا في هذا التوقيت، و(من) المستفيد من مقتله؟

الغريب أن مقتل الرجل تزامن في نفس الشهر الذي ستحتضن فيه المملكة العربية أول منتدى اقتصادي استثماري بالمملكة في ظل ثورة الانفتاح الجديدة التي شهدتها المملكة في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيزوولي عهده محمد بن سلمان.

وظهرت في الأوساط العربية والعالمية مطلع الشهر الجاري قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال بن أحمد خاشقجي، والذي قيل حينها أنه اختفى أثناء تواجده في القنصلية السعودية بإسطنبول في تركيا.

ولكن يأتي السؤال المهم كيف اشتعلت قضية اختفاء خاشقجي بسرعة كالنار في الهشيم فبحسب أقوال المدعوةخديجة جينكيز والتي تقول إنها خطيبة خاشقجيأن الرجل اختفى بعد دخوله القنصلية السعودية بتركيا وفي ذات اليوم، بات العالم كله يعلم قضية الاختفاء، وتناولت كل صحف العالم خبر اختفائه، في توجيه صارم بأنه قتل بداخل السفارة، فمن جهز كل تلك الصحف والمجلات لتتناول الخبر بتلك الأهمية، عقب مرور أقل من 24 ساعة على اختفائه.

أسئلة كثيرة تلوح أمام المتابع للقضية، فكيف لدولة بحجم المملكة العربية السعودية، أن تقع في خطأ كهذا، وكيف لتركيا أن تدرك أن جمال لم يخرج، و كيف علمت تركيا بكل ذلك، وهى التي أقرت أيضاً بأن جمال مات وتم التمثيل بجثته، في حين لم تكن قد قامت وقتها بتفريغ الكاميرات، ولم تكن السعودية قد أعلنت مقتله مع استمرار التحقيق بالقضية.

بداية اختفاء خاشقجي

في 2 أكتوبر الجاري، وتحديدا الساعة 11:14 ظهرا بتوقيت تركيا، دخل جمال خاشقجي القنصلية السعودية في اسطنبول، وهذا أخر ما رصدته كاميرات الدخول لمبنى القنصلية.

في اليوم ذاته، نشرت صحيفة الـCNN، تصريحاتخديجة جنكيز، مدعية أنها كانت أمام القنصلية السعودية منذ دخوله إليها، حيث أفادت: "ذهب خاشقجي إلى القنصلية بهدف الحصول على الأوراق المطلوبة من قبل السلطات التركية لإتمام إجراءات زواجه من خطيبته، وذلك بعد أن طلبها للزواج قبل مقتله بأيام، لكنه دخل ولم يخرج".

وأضافت: " لا أعلم إذا كان جمال بالداخل. أريد أن أعرف أين جمال. هل اعتقلوه؟ هل اختطفوه؟ هل هو مسجون؟".

وتابعت خطيبة خاشقجي وهي تبكي: "ماذا يأكل؟ وماذا يشرب؟ هل يستحق ذلك؟... هو ليس إرهابياً، هو محلل وصحفي". وأكدت أن خاشقجي كان "لديه بعض المخاوف" من طلب الأوراق، لكنه قرر زيارة القنصلية، لأنهما كانا يخططان للاستقرار في تركيا.

السؤال هنا..لماذا لم تدخل خطيبة جمال القنصلية معه، لماذا وقفت بالخارج مع أنه وفقا لأقوالها كان ذاهب لاستخراج أوراق بشأن حالته الاجتماعية، كما أنهما كانا يخططان للاستقرار، فلماذا لم تدخل؟

سؤال آخر.. لماذا اتصلت في ذات اليوم بالصحف لتجري معها حوارات، ومن أخبر الصحف بالاختفاء، وكيف انتشر الخبر في ذات اليوم بهذه السرعة؟

لم تذكر خديجة أي شيئ حول أن هاتف الصحفي كان معها، أو أن الحوار سجل على الهاتف عبر ساعة يده.

بتاريخ 3 أكتوبر، تناولت كل الأنباء قضية اختفاء خاشقجي بداخل القنصلية السعودية، في توجيه صريح للسعودية بأنها اختطفت جمال، وأعلنت تركيا أن الصور التي التقطتها الكاميرات، أظهرت أن جمال دخل ولم يخرج، ليصل خبر من المفترض أنها محاولة اختطاف قنصلية لمواطن من رعاياها، إلى الرئيس التركي بعد أقل من 24 ساعة، فهل يعقل أن الأمر طبيعي وبات مهما لتلك الدرجة.

فالكثير من قضايا الاختفاء والاختطاف سجلت بداخل تركيا، ولم يحرك أيا من أردوغان أو حكومته أوصحفه ساكنا، إذا فما الهدف من تلك البلبلة السريعة، وكيف علم أردوغان سريعا باختفاء خاشقجي، وكيف استعدت الشرطة للبحث في القضية التي لم يمر على اختفاء صاحبها ساعات قليلة.

فالأمر في ظاهره مريب، فهل كان اختفاء خاشقجي الحيلة التي ستتمكن من خلالها تركيا، الايقاع بالمملكة في صراع سياسي لتصدي المملكة لكل انتهاكاتها بالداخل العربي هي وحليفتها قطر وإيران.

أو أن خاشقجي كفرد واحد، أهم مما تفعله تركيا بسوريا، وما تفعله قطر بليبيا والصومال وغيرها من الدول العربية، أوما تفعله إيران بسوريا ولبنان واليمن، كأن خاشقجي أصبح وحده أهم من دول وشعوب بآسرها، تنتهك وتقتل وتسفك دماء شعوبها على مرأى ومسمع من الجميع، دون أن يحرك أحدا ساكنا.

في 4 أكتوبر، أكدت السلطات السعودية، أن جمال خاشقجي اختفى بعد خروجه من مبنى القنصلية في اسطنبول، في اليوم ذاته، استدعى وزير الخارجية التركي السفير السعودي في أنقرة.

بعد اختفاء جمال بيومين، بدأت تركيا تأخذ رد فعل دبلوماسي، فهل هذا أمرا طبيعيا، ومتى أصدرت تلك الأوامر باستدعاء سفير على خلفية قضية اختفاء؟.

في 5 أكتوبر، خرج ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ليؤكد أن خاشقجي ليس متواجدًا في القنصلية السعودية باسطنبول، قائلًا في حواره لوكالة "بلومبيرج": "نحن نرحب بتفتيش الحكومة التركية لمبنى قنصلية بلادنا".

في 6 أكتوبر، أكد مصدر مسؤول بالسلطات التركية، أن الصحفي جمال خاشقجي توفي داخل مبنى القنصلية السعودية في اسطنبول، وبعد اعتراف السعودية فجر السبت الماضي، كيف أدركت تركيا بمقتل جمال خاشقجي وكان هذا هو احتمالها الأول ولم تضع أي احتمال آخر، فهل لديها كاميرات تجسس داخل القنصلية السعودية، أم ماذا؟.

وفي خلال الأيام الأربعة التالية، طالبت تركيا بالدخول للقنصلية والتفتيش، وتدخل أردوغان شخصياًمطالبا السفارة بتوفير معلومات عن مكان تواجد خاشقجي، وعليه ردت المملكة بأنها ستسمح بدخول سفراء من تركيا بالتفتيش في مبنى القنصلية.

وفجرت قضية خاشقجي تدخل وغضب دولي غريب، فالعالم أجمع ندد باختفائه وطالب السعودية بإجراء تحقيق عاجل وهذا فعلته المملكة بالفعل بمنتهى الشفافية حيث أعلنت وفاة الصحفي نتيجة شجار وقع مع محققين من المملكة كلفتهم السعودية بالتحقيق معه.

لكن السؤال الأهم الآن ماهي دوافع المملكة لمقتل خاشقجي، أو ما هو الضرر الذي يمثله خاشقجي على السعودية؟

فوفقا لمقطع فيديو نشره القيادي الجنوبي هاني بن بريك، على حسابه الرسمي بموقع تويتر، فإن جمال ظهر في أكثر من لقاء تليفزيوني وصحفي، وأكد خلالهم موقفه المساند والداعم للملكة والملك سلمان بن عبدالعزيز.

https://twitter.com/HaniBinbrek/status/1052863177178853377

وأوضح مقطع الفيديو، مشاركات متلفزةلخاشقجي مع قناة الجزيرة القطرية، كان يدافع فيه عن وزير الخارجية السعودي عادل جبير، حينما اتهمته قطر بالتطبيع مع إسرائيل، الأمر الذي أغضب قطر كثيرا.

وحينما ادعى مذيع الجزيرة، بأن ولي العهد محمد بن سلمان قام بزيارة إسرائيل، قاطعه خاشقجي قائلا: "لا بل نفت المملكة هذا الكلام كليا"، ثم أحرج مذيع الجزيرة مرة أخرى مطالبا قناته بمراعاة المهنية الإعلامية والمصداقية في تناولها للأخبار خاصة التي تخص المملكة وعلاقاتها بإسرائيل.

وحينما سئل عن رأيه بالملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، قال خاشقجي: " المملكة كانت تحتاج لشخصقوي مثل سمو الأمير محمد بن سلمان، فالمملكة تقيم شرع الله"، وحينما سأل أنه معارض أو منشق عن السلطة، أجاب: " أنا محللا سياسيا ليس إلا وكل ماأقوله ما هو سوى حبا في الوطن، وهو أيضا ولاءا للقيادة السعودية".

وبعد ما جاء في تلك المشاركات المتلفزة لخاشقجيأيمكن لشخص يظهر بأكبر منبر إعلامي معادي للمملكة السعودية ويدافع عنها ويرفض التدليس أن يكون عدوا للمملكة أو يوجد أي خلاف بينهما يستدعي أن تتخلص منه؟

وتشهد الآونة الأخيرة أزمة قطرية - خليجية في إطار إعلان الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) مقاطعة الدوحة منذ 5 يونيو من العام الماضي (2017)، إثر ثبات دعم وتمويل تنظيم الحمدين (حكومة قطر) للإرهاب وزعزعة أمن واستقرار المنطقة، ما دفع جميع الأذرع الإعلامية التابعة لقطر للهجوم على دول الرباعي العربي بشكل ملحوظ.

وبدأت قطر في توظيف أصدقائها كل حسب تخصصه وما يجيد الحديث فيه للظهور إما عبر وسائلها الإعلامية، أو حساباتهم الرسمية عبر السوشيال ميديا، ولاسيما موقع التدوينات القصيرة، تويتر، وذلك للهجوم على الدول العربية والإيقاع بها، فما كان منها سوى الاستعانة بجمال خاشقجي كذراع للانتقام من السعودية، وذلك في شهر سبتمبر الماضي.

وخططت قطر لاستغلال خاشقجيكصحفي صاحب رأي، إلا أن خاشقجي قضى على حسابات الدولة القطرية جميعا، بأرائه المحايدة للسعودية، واحتفاظه بانتمائه للمملكة وللملك، ما يعد صفعة جديدة تلقتها قطر على يد خاشقجي.

مصلحة تركيا

تحاول تركيا، أن تكسب مما حدث على أراضيها، أو على الأقل أن تقلل من خسائرها وأن تستغل المناسبة لترتيب علاقاتها مع الولايات المتحدة بطريقة هادئة وبعيدا عن الأنظار المركّزة حاليا، على قضية خاشقجي وتباعاتها.

فقد أسهم اختفاء خاشقجي في تقليل الهوة السياسية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الرغم من أن قضية الاختفاء لا علاقة لها بالبلدين، إلا أنها سرعت في عودة الدفء إلى علاقاتهما، بفضل الاتصالات الأمنية على خلفية اختفاء خاشقجي.

كما أن تركيا كانت في أمس الاحتياج إلى سبب يحفظ لها ماء الوجه، لتتقرب مرة أخرى من السعودية، فهي تعلم جيدا أنها الباب الوحيد لخروجها من أزمتها الاقتصادية فافتعال أزمة تهدد مكانة السعودية وصورتها أمام العالم، ثم مساندتها لها وتأكيدها على براءة السعودية قد يكون السبيل الوحيد في عودة العلاقات، فستصبح حينها تركيا الصديق المدلل ذو الفضل على المملكة، وحينها ستتمكن من تصحيح كل علاقاتها مع أمريكا والسعودية، ويتمكن أردوغان من إنقاذ بلاده ونظامه.

ويؤكد ذلك، تصريح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، أمس الاثنين، قائلا، إن بلاده لا تريد أن تتضرر علاقتها بالسعودية بسبب قضية الصحافي جمال خاشقجي.

ومن هنا تتضح مصلحة تركيا، والتي باتت السبيل الوحيد لإنقاذه اقتصاد بلادها المتعثر، خصوصا في ظل "هشاشة العلاقات التركية مع روسيا"، وتعقد علاقة أنقرة مع الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى.

ماذا تستفيد إيران من قضية خاشقجي؟

بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" فإن إيران ستستفيد من إثارة قضية خاشقجي، وذلك لأنها ستعطل خطط ترامب في حصارها، مستغلة بذلك علاقات واشنطن القوية مع الرياض، التي تشهد علاقاتها مع إيران مشاكل عديدة بسبب تدخل الأخيرة في الشأن العربي.

جاء ذلك في مقالة نشرتها الصحيفة التي تعد واحدة من أبرز الصحف الأمريكية واسعة الانتشار، الأربعاء الماضي، تحت عنوان: «اختفاء خاشقجي قد يُعرقل خطط ترمب لحصار إيران»، وتحمل توقيع ديفيد إيل سانجر.

وأضافت المقالة أن التطورات المتعلقة بقضية الكاتب السعودي، قد تُعرض الخطط الأمريكية الرامية لتجنيد المساعدة السعودية لتجنب تعطيل سوق النفط، للخطر،  حيث تعتمد إدارة ترامب على علاقتها مع السعودية، للحفاظ على تدفق النفط العالمي دون ارتفاع الأسعار، والعمل معاً على وضع سياسة جديدة لاحتواء إيران في الخليج الفارسي.

فانشغال السعودية في قضية سياسية تشغل الرأي العالمي والعربي، وموقف أمريكا القانوني من فرض عقوبات على السعودية في حال تأكدت رواية مقتل خاشقجي، قد يؤدي ذلك لقطع العلاقات بين الدولتين، وعليه فستصبح إيران في مأمن، وسيبقى نفطها متحكم في تصرفات ترامب.

ولذلك احتفظت إيران بالصمت ولم تعلق على قضية الاختفاء، واكتفت بالتدبير واشعال الموقف من بعيد، لتأخذ قسط من الراحة، قبل أن يعاود ترامب ويفرض عقوبات جديدة عليها.

وبناء على كل ما سبق يتضح أن الخاسر الأكبر من اختفاء خاشقجيهى المملكة العربية السعودية في حين أن هناك الكثير من المستفيدين من أجل ابتزاز السعودية وتشويه صورتها الروحية والسياسية في العالم بهذه القضية.