الغارات لا تقصف إرادة والبيانات لا تصنع شرعية.. الجنوب أقوى من الاستهداف

الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 18:17:44
الغارات لا تقصف إرادة والبيانات لا تصنع شرعية.. الجنوب أقوى من الاستهداف

رأي المشهد العربي

في أعقاب قصف ميناء المكلا، وما تلاه من قرارات أصدرها المدعو رشاد العليمي، برزت محاولات لفرض واقع سياسي ونفسي جديد على الجنوب، وكأن هذه الضربات يمكن أن تُحدث شرخًا في إرادته أو تدفعه إلى التراجع عن مساره.

غير أن قراءة التجربة الجنوبية، في سياقها التاريخي والسياسي، تؤكد أن ما جرى ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الضغوط التي واجهها الجنوب وخرج منها أكثر صلابة ووضوحًا.

فالجنوب لم يكن يومًا بمنأى عن الحروب أو الحصارات أو الاستهداف المباشر. على مدى سنوات، واجه عدوانًا مفتوحًا، وتضييقًا اقتصاديًا خانقًا، ومحاولات ممنهجة لكسر إرادة شعبه عبر القوة العسكرية أو الأدوات السياسية والإعلامية.

ومع ذلك، لم يتراجع الجنوب، ولم يساوم على قضية شعبه، بل راكم وعيًا سياسيًا وخبرة ميدانية جعلته أكثر قدرة على التمييز بين الضغط المؤقت والمسار الاستراتيجي.

استهداف ميناء المكلا، بما يمثله من شريان اقتصادي ومعيشي، لا يمكن فصله عن محاولات التأثير على المزاج العام الجنوبي ودفعه نحو الإحباط أو الانكفاء.

لكن هذه المحاولات تتجاهل حقيقة راسخة، وهي أن الجنوب اعتاد تحويل الضربات إلى دوافع إضافية للتماسك، وأن أي مساس بمصادر عيشه لا يزيده إلا إصرارًا على حماية حقوقه وصون خياراته.

أما القرارات السياسية التي أعقبت القصف، وما رافقها من بيانات وتصعيد لفظي، فهي تعكس ارتباكًا في إدارة الأزمة أكثر مما تعكس قدرة على فرض واقع جديد.

فالتجربة أثبتت أن البيانات، مهما اشتدت لهجتها، لا تصنع شرعية، وأن الغارات، مهما كانت قاسية، لا تغيّر قناعات الشعوب، كما أن إرادة الجنوب، التي تشكلت عبر تضحيات جسيمة، أقوى من أن تُهزم بخطاب، وأصلب من أن تنكسر بضربة.

وأدرك الجنوبيون، عبر مسار طويل من المعاناة، أن الروايات الملفّقة لا تصمد أمام الحقائق، وأن محاولات التشويش لا تلغي الوقائع على الأرض.

فقضية شعب الجنوب لم تعد مجرد رد فعل على حدث أو أزمة، بل مشروع وطني واضح المعالم، يستند إلى إرادة شعبية واعية لا تتبدل بتغير الظروف.

وعليه، فإن ما جرى في ميناء المكلا، مهما كانت تداعياته، لن يكون استثناءً في مسار الجنوب، بل اختبارًا جديدًا سيؤكد، كما أكد غيره، أن إرادة الجنوب أقوى من البيانات، وأصلب من الغارات، وأوضح من أي رواية مصطنعة تحاول حجب الحقيقة أو كسر العزم.