تجار الحرب.. استغلوا أزمات اليمن من أجل الثراء السريع
رأي المشهد العربي
"مصائب قوم عند قوم فوائد".. هكذا يمكن وصف أحوال التجار ورجال الأعمال الذين انتعشت تجارتهم وأعمالهم خلال الحرب التي تشهدها اليمن منذ سنوات.
كثيرون يتحدثون عن انتفاع إيران من وراء الحرب عبر ترويج بضائعها وأسلحتها وإشغال المواطنين في البلاد عن الأزمات الاقتصادية والسياسية بالدخول في حرب باليمن من خلال دفع المليشيات الحوثية.
لكن هناك فريق آخر أكثر ربحية من إيران هم التجار الذين يلعبون بكل الحبال لتحقيق أكبر المكاسب الممكنة في ظل الحرب، لذا يمكن إطلاق مصطلح "تجار الحرب" عليهم.
تجار الحرب تنتعش خزائنهم في الأوقات الصعبة التي تعيشها الشعوب فرغم المعاناة التي يعيشها الشعب اليمني طيلة السنوات الماضية، فإن بعض الأشخاص استغلوا ذلك في تكوين ثروات كبيرة من خلال التجارة في العملة والسلع الأساسية، وكذلك المتاجرة مع الجهات الرسمية بصفقات كبيرة في الخفاء.
أحد هؤلاء التجار هو رجل الأعمال أحمد صالح العيسي والذي يوصف في الأوساط التجارية باليمن بـ"التمساح" أو "القرش"، بعدما تحول إلى أحد أبرز تجار الحرب في اليمن وتمكن من خلال تكوين ثروات كبيرة على حساب معاناة المواطنين.
مستشار الرئيس اليمني، أحمد صالح العيسى نجح في إحكام قبضته على النقل البحري لصادرات النفط التي تمر عبر ميناء عدن الاستراتيجي، إلى جانب قيامه بإبرام صفقات مشبوهة في مجال الصيد والنفط وغيرها من المجالات الأخرى مستغلًا علاقته بالسلطة وقربه منها.
ويعد العيسي واحد من أكبر مستوردي المنتجات البترولية في البلاد بعد انخفاض الإنتاج بشكل ملحوظ، حيث يحتكر تصدير شحنات البنزين إلى ميناء عدن مقابل الحصول على مبالغ تتراوح بين 30 و40 مليون دولار شهرياً.
وتشير الذاكرة التاريخية إلى أن رجل الأعمال العيسى تولى في التسعينيات مسؤولية تأمين النقل البحري للنفط الخام والبنزين المكرر بين الموانئ اليمنية، قبل أن ينجح في تطوير مرافق ميناء رأس عيسى الواقع على البحر الأحمر لتحميل السفن الحكومية وشحنها بالنفط الخام لأغراض التصدير.
وتحول العيسي إلى بسط النفوذ في عدن حيث أصبح المتحكم الوحيد في شحنات البنزين، إلى جانب تحكمه في الصفقات التي تجريها الحكومة مع الجهات الخارجية لاستيراد بعض السلع خلال الفترة المقبلة.
وتغمض الحكومة عينيها عن السبب الأكبر في تشكل أباطرة كبار داخل الاقتصاد، رغم ما أعلنه عن وضع إجراءات جديدة لوقف التدهور المتسارع واستعادة التوازن في مؤشرات منظومة الاقتصاد وأولها إجراءات من شأنها تطبيع الأوضاع في البلاد، وفيها سيتم إعادة النظر في عمل الأجهزة الأمنية وتوحيد مؤسساتها وتأطير تصرفاتها وفقا لأحكام القانون.
وتضمنت حزمة الإجراءات الحكومية، إعادة تأهيل مرافق النفط والغاز لتعمل بكامل طاقتها لتغطية ما يمكن من الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض، لتخفيف الضغط على سوق الصرف وتعزيز موارد البلد من النقد الأجنبي.
ورغم أن الحكومة تحدثت صراحة عن قطاع النفط والبترول لكنها لم تقترب من تنظيم تلك العملية والكشف عن طبيعة الأشخاص المتحكمين فيها، وحتى بالنسبة لسعر الصرف، فقد أعلنت الحكومة عن اتخاذها آليات مؤقتة للحد من المضاربة في سوق العملات لتحقيق استقرار في سعر صرف الريال والتحكم بالتذبذبات التي لا تبررها العوامل والمؤشرات الاقتصادية، واستكمال إجراءات التسهيل المقدم من مجموعة البنك الدولي لتمويل بعض الواردات وبأسرع وقت ممكن، من دون أيضًا أن تشير إلى الجهات التي تقوم بتلك المضاربات.
وتعتزم الحكومة البدء في التحرك لدى الدول الشقيقة للحصول على دعم مالي لتغطية الفجوة التمويلية التي تعاني منها البلاد، إضافة إلى التواصل مع الأصدقاء والمنظمات للحصول على بعض التسهيلات المتاحة لتمويل بعض جوانب الإنفاق الأخرى.
ويشكل "تجار الحرب" خطورة كبيرة على القواعد والإجراءات التي تضعها بعض البلدان المجاورة لإصلاح الاقتصاد اليمني من خلال أفكار وإجراءات جديدة.
ووضع كبار المسئولين والسفراء من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة فى الرياض عدداً من الإجراءات والتدابير الرئيسية والعاجلة لمعالجة الوضع الاقتصادي والإنساني فى اليمن.
وشملت هذه الإجراءات الوديعة من المملكة العربية السعودية بمبلغ 2 مليار دولار في البنك المركزي، متبوعة بمنحة قيمتها 200 مليون دولار من المملكة أيضاً إلى الحكومة، وتبرع شهري بقيمة 60 مليون دولار من المشتقات النفطية لمولدات الكهرباء في المحافظات، إلى جانب 2 مليار من دولة الإمارات بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية.
لكن يبقى التساؤل الأخطر في تلك الحلقة، هو مدى قدرة الحكومة على مواجهة تجار الحرب، بعدما نقلت معركتها معهم إلى تحالف ومواجهة مع التجار الصغار؟