بتمويل إيراني قطري.. مافيا طائفية تحكم العراق
السبت 19 يناير 2019 21:42:57
تشهد الساحة السياسية بالعراق، نشاطاً كبيراً ومتزايداً لعصابات النظام الإيراني والقطري، التنظيمات الإرهابية سواء التي يمثلها تنظيم داعش الارهابي أو جبهة النصرة أو تنظيم القاعدة، واستمرار تواصلها ودعمها للعصابات والميليشيات الشيعية، التي يمثلها الحشد الشعبي الطائفي والذي يعمل على خلق حالة دائمة من عدم الاستقرار في بغداد.
ويبدوا أن تنظيم الحمدين وملالي إيران اعتادتا العبث بالبيئة العراقية ولا يزالان يصران على الاضرار ببغداد، وتفعيل أجندتهم المخربة.
وبعد تركه لمنصب رئيس الوزراء في العراق حذر حيدر العبادي من احتمال سيطرة المافيات على السلطة في العراق.
هذا التصريح الذي ربما يكون موجها ضد خصومه في العملية السياسية بالدرجة الأولى يشير إلى حقيقة هامة تتعلق بالحالة السياسية والاجتماعية الراهنة في العراق، وهي حقيقة تغوّل العصابات المسلحة والميليشيات إلى درجة غير مسبوقة ربما في التاريخ إلى درجة فرض سيطرتها على دولة بكامل مقدراتها، في حين أن الأمر اقتصر في أقصى حالاته المعروفة سابقا على سيطرة العصابات على قطاعات محدودة من الاقتصاد وتأثيرها على قطاعات أخرى بدرجات متفاوتة.
ووصل الأمر ببعض هذه العصابات المسلحة إلى التطاول والسعي إلى التأثير في الأحداث الدولية مثل ما رأيناه واضحا جليا من التهديدات المتعددة لقادة تلك العصابات بالتدخل في الحرب القائمة في اليمن أو المطالبة بإحداث تغييرات اجتماعية أو سياسية في بعض الدول المجاورة للعراق.
من جانبه قال الخبير في الشأن العراقي، عصام المطيري في تصريح خاص لـ"المشهد العربي"، إن قطر تمارس التخريب في العراق منذ عام 2003، مؤكداً أن الدعم القطري للإرهاب في بغداد لم يتوقف. وأن الدوحة دعمت تمويل الميليشيات بالمال والسلاح، وتسببت في إشعال الفتنة الطائفية بين أبناء المكونات العراقية.
وأضاف أن قناة الجزيرة الإرهابية، دعمت أهداف قطر وإيران لخدمة تنظيم "داعش"، وعملت على تحسين صورة التنظيم الإرهابي بالإصرار على استخدام مسمى "الدولة الإسلامية" عند نشر بياناته التخريبية، فضلاً عن أنها عملت على إدارة مشهد الانقسام الطائفي من خلال خطابها الإعلامي، مكررة ما حدث في زمن حكومة علاوي عندما قامت القناة بزيادة وتيرة سموم الطائفية، وتحريضها للشباب للقتال، وبثت أفلاماً تابعة لـ"تنظيم القاعدة" والفصائل التي تميل للتنظيم، والتي تحرض على العنف والاقتتال.
وأكد أن الأزمة السياسية الراهنة في بغداد تعود لقطر وايران في المقام الأول.
ووفق خبراء، وعلى مدى 15 عاماً، وبالتحديد منذ عام 2003، تبنت قطر مشروعاً مشبوهاً عمل على نشر العنف والفوضى والصراعات الطائفية في مختلف المدن والمحافظات العراقية بشكل يخدم الأجندة الإيرانية في المنطقة العربية بصفة عامة والعراق بصفة خاصة.
وفي إطار المشروع المشبوه الذي تتبناه الدوحة لتدمير وحدة العراق ونشر الفوضى والفتن الطائفية على أراضيه، جاء الدعم القطري غير المحدود للميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية المنتشرة على الأراضي العراقية بدعم وتوجيه من طهران.
وبدأ هذا الدعم مع مؤسس فرع "القاعدة" في العراق مصعب الزرقاوي الذي احتضنته الدوحة وقدمت له العديد من التسهيلات التي وفرت له حرية التنقل بين مدن العراق.
والناظر إلى الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مختلف مناطق العراق لا تخطئ عينه حقيقة تحول الدولة في هذا البلد إلى مؤسسة راعية لمصالح العصابات المسلحة التي باتت تفرض القوانين التي تتوافق مع مصالحها أو تمنع ما يؤثر عليها عن طريق هيمنتها على البرلمان العراقي، وتوجه عن طريق هذه القوانين موارد البلاد الوجهة التي تخدم مصلحة قادة هذه العصابات والمتعاونين معها، وذلك عن طريق سيطرتها المباشرة أو غير المباشرة على طرق إدارة هذه الموارد وتوجيهها وصولا إلى المصب المعد مسبقا لهذا الغرض.
ولذلك فإنه بات معروفا أن أكثر الصراعات داخل البرلمان العراقي تدور حول تخطيط الميزانيات وإقرارات المشاريع وتحديد الحصص في الخطط التنموية، لأن توجيه الأموال والموارد في أي اتجاه سيعني بالمحصلة استفادة الطرف المسيطر على القطاعات المتعلقة بهذا الجانب منه.
بل وما رأيناه في قصة الفدية القطرية المليارية يقدم صورة عن ممارسة كيان الدولة الحاكمة في العراق لدور الوسيط أحيانا بين العصابات المسلحة المسيطرة عليها وبين الأطراف الأخرى ذات العلاقة معها، حيث تدخلت الحكومة العراقية لتقوم بوظيفة رعاية عملية نقل الأموال القطرية وصولا إلى جيوب قادة العصابات والجهات الراعية لها في إيران.
ومما يميّز العصابات المسلحة في العراق ويجعلها ظاهرة مميزة هو تمتعها بحماية الحكومة الإيرانية –المهيمنة على العراق- التي أنشأت هذه العصابات وقامت على رعايتها والإشراف عليها من خلال جهاز الحرس الثوري المهيمن على نشاطات إيران في الخارج، ولا أدل على هذه الرعاية والإشراف التام من كون حل المنازعات والصراعات بين هذه العصابات يتوقف في كثير من الأحيان على تدخل السفير الإيراني أو أحد رجال الحرس الثوري للقيام بعملية ضبط وإعادة توازن للعلاقات وتقسيم المنافع بين قادة العصابات ما يحول دون وصول النزاعات بينها إلى حرب مفتوحة قد تضعف من نفوذ هذه العصابات، وتسمح للدولة بالتدخل في شؤونها وإخضاعها لحكمها وقوانينها.
ولا تقتصر الشراكة بين الحكومة الإيرانية والعصابات المسلحة على رعاية مصالح إيران داخل العراق فحسب، بل يمتد الأمر إلى خدمة المشاريع الإيرانية الإقليمية والدولية، ومشاركة الآلاف من المقاتلين الذين جندتهم العصابات من مناطق وسط وجنوب العراق للقتال إلى جانب الحرس الثوري الإيراني ضمن ما أطلق عليه بالقوات الرديفة التي شاركت النظام الحاكم في قتال المعارضة في سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دعم عصابة الحوثي خدمة للمشروع الإيراني في اليمن.
وإن كانت العصابات المسلحة في العراق قد ضمنت لنفسها تمويلا حكوميا كبيرا من الميزانية الحكومية بنص قانون أصدره البرلمان يغطي المصاريف التشغيلية لتلك العصابات كمجاميع مسلحة منضوية تحت ما يسمى “هيئة الحشد الشعبي” فإنها مصادر الإثراء الشخصي للمتنفذين داخل العصابات يأتي غالبا عن طريق الأموال السوداء التي يجنونها من مختلف مفاصل الاقتصاد العراقي، فتهريب النفط والتحكم في المعابر الحدودية والجمارك، وتصنيع وتجارة المخدرات، وإدارة صالات القمار والدعارة، وابتزاز رجال الأعمال، والسيطرة على الأملاك والعقارات العامة، والخطف لطلب الفدية، وغيرها من مصادر التمويل التقليدية للعصابات، مصادر تدر مئات الملايين من الدولارات سنويا على المتنفذين في العصابات المسلحة، وهذه المصادر هي التي يحصل عليها التنازع عادة بين أفراد العصابات المختلفة، الأمر الذي يتوسع أحيانا ليظهر بمظهر النزاع على قضايا سياسية أو اجتماعية بين الأحزاب التي تشكل واجهات سياسية لتلك العصابات.
وإن كان المعروف من حال المافيات أن قادتها يتحولون عادة بعد جيل أو اثنين إلى النشاطات العامة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعد أن يتمكنوا من غسل أموالهم وتزيين تاريخهم، فإن زعماء المافيا في العراق قد فاقوا أقرانهم في كل مكان وزمان، إذ أنهم اليوم يتصدرون المشاهد كافة ويظهرون بصورة “المقاومين للاحتلال الأميركي” و”المحاربين للإرهاب” ويتولون أرفع المناصب الحكومية، ويحملون جوازات السفر الدبلوماسية، ويملكون الاستثمارات العامة داخل العراق وخارجه، بل ويتمتع كثير منهم بالجنسيات الأوروبية والأميركية.
فإن كان الواقع كما ذكرنا من حال العصابات المسلحة التي أسماها العبادي “مافيات” وهو يعلم مدى هيمنتها على مفاصل الدولة في العراق، فإن تحذيره ربما يشير إلى تحذيرات من انقلاب تقوم به هذه العصابات المسلحة باسم “هيئة الحشد الشعبي” لاستبدال سلطتها غير المباشرة على الحكومة بسلطة مباشرة شبيهة بمجالس قيادة الثورة التي حكمت العراق عقودا من الزمن باسم حزب البعث، لاسيما وأن هذه العصابات لم تستطع تحقيق ما كانت تعد به قبل الانتخابات البرلمانية من عزمها تشكيل “حكومة أغلبية” تمثل الأحزاب التي هي واجهات سياسية لها، فإذا بها تعجز بعد شهور عن إتمام تشكيل حكومة توافقية لأحزابهم فيها الصوت الأعلى.
وحدوث هذا الانقلاب سيحول العراق إلى ما يشبه حالة اليمن تحت حكم عصابات الحوثي التي سخرت إمكانات الدولة في اليمن في إثراء قادتها وتنفيذ المشاريع الإيرانية الهادفة إلى إثارة الفوضى في شبه الجزيرة العربية.
وما يرشح من أنباء عن مطالب أميركية من الحكومة العراقية بسحب سلاح العصابات من قبل الحكومة خاصة بعد مطالبة بعض قادتها بخروج القوات الأميركية من العراق لا يمكن أن يتحقق في ظل سيطرة هذه العصابات على الحكومة والدولة، وتفكك الجيش والقوات الأمنية وعجزهما عن الدخول في أي مواجهة مباشرة مع العصابات قد تنشأ في حال جبار العصابات على التخلي عن سلاحها، مما يعني بالمحصلة أن هذا الإجراء لن يتعدى الجانب الشكلي ليبقى لهذا العصابات اليد العليا في العراق حتى حين.