فضائح تجسس أردوغان على المعارضة في 92 دولة
تتوالى طلقات النيران الصديقة على زعيم الدكتاتورية التركية، رجب طيب أردوغان، من منصات القضاء الذي عمل طويلا لإحكام قبضته عليه، فبعد اعتراف محكمة أنقرة بصحة تسريبات التآمر على احتلال سورية، كشفت وثائق قضائية جديدة عن تورط السفارات التركية في أعمال تجسس على المعارضة في عدة دول.
الوثائق التي حصل عليها موقع نورديك مونيتور السويدي فضحت قائمة من نشاطات المراقبة والاستطلاع التي استهدفت المؤسسات التابعة لحركة الخدمة ومنتسبيها، ومن بين الوثائق خطاب موجه من مديرية الاستخبارات إلى المحكمة بتاريخ 6 يناير الجاري، تحدث عن “نشاط تجسس غير قانوني” لرجال الشرطة في السفارات التركية، على أنصار زعيم “الخدمة” فتح الله جولن في 92 دولة.
طبقًا لوثائق محكمة أنقرة الجنائية العليا الرابعة ضمن ملف القضية رقم 2016/238، والمؤرخة 16 يناير الجاري، فإن وزارة الخارجية التركية وضعت قائمة طويلة من الكيانات الأجنبية التي كان يملكها ويديرها من تعدهم مقربين من الحركة، بهدف رصدها ومراقبتها وأصحابها عن كثب.
الوثيقة رقم 8211250 المرسلة من الوزارة إلى مكتب المدعي العام في 21 أغسطس 2015، وحملت اسم المستند رقم 2 في الملف، أقرت صراحة بأن الوزارة جمعت معلومات أمنية سرية في العديد من البلدان في الأمريكتين وأوروبا وآسيا وأوقيانوسيا.
أوروبا التي ضجرت من مراكز التجسس التركية تحت غطاء المساجد، احتلت مساحة كبيرة في قائمة التجسس، وورد منها – وفق موقع “نورديك مونيتور” السويدي – في جميع دولها وأبرز الدول التي شهدت نشاطا استخباراتيا ألمانيا والنمسا وبلغاريا والتشيك والدنمارك وفرنسا وكرواتيا.
التجسس الدبلوماسي التركي المجرم بموجب القانون والأعراف الدولية لم يقتصر على الجارة الأوروبية، بل شمل العديد من البلدان الإفريقية مثل بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية وإثيوبيا والمغرب والجابون وغانا وغينيا.
الولايات المتحدة أيضا نشطت فيها أعمال التجسس التركية عبر موظفي السفارات والقنصليات في ولايات عديدة أبرزها ألاباما وأركنساس وبوسطن وكاليفورنيا ونيويورك وكارولينا الشمالية وأوكلاهوما بالإضافة إلى بنسلفانيا التي يقيم بها الداعية التركي المعارض فتح الله جولن، القائمة شملت أيضا دول أمريكا اللاتينية وأفغانستان وبنجلاديش والصين وإندونيسيا والفلبين.
أن تكون معلما أو طالبا في إحدى المدارس التي تديرها حركة جولن في الخارج يعد عملا إرهابيا في نظر أنقرة، يجعل منك هدفا على قوائم التجسس، وتصبح قيد المراقبة، إلا أن هذه الأنشطة تعرضت للانكشاف في أحيان قليلة.
في السويد عام 2017؛ تشكك عدد من الأتراك المقيمين في عملية ملاحقة لهم، فسارعوا لإبلاغ سلطات ستوكهولم، واتصلت وزيرة الخارجية السويدية مارجوت فالستروم بالسفير التركي كايا توركمين وأعربت عن مخاوف حكومتها بشأن مراقبة منتقدي الحكومة التركية والتجسس عليهم.
ووفقا لتقرير صادر من الصحيفة الألمانية سود دويتشي تسايتونج Süddeutsche Zeitung بالاشتراك مع محطات تلفزيون NDR و WDR في مارس 2017، فإن الاستخبارات التركية أعدت قائمة تضم 300 تركي و 200 مدرسة وجمعية ومنظمة مرتبطة بحركة جولن في ألمانيا للتجسس عليها.
وتضمنت القائمة عناوين وأرقام هواتف وصورا شخصية للمستهدفين. وقال التقرير إن الاستخبارت والشرطة الألمانية حذرت من وردت أسماؤهم في القائمة.
ووفق موقع “تركي بيورج”، فإن إمام مسجد في مدينة كوبنهاجن فضح توغل العملاء السريين لأنقرة في العاصمة الدنماركية، وتجسسه على أربعة مقيمين أتراك و14 مدرسة لاشتباه الاستخبارات التركية في علاقتهم بحركة جولن.
عدنان بولنت بالجو الداعية التركي في الدنمارك قال في تصريحات لصحيفة محلية إن جمع المعلومات عن المعارضين هنا أخذ وتيرة متسارعة بعد مسرحية الانقلاب في 15 يوليو 2016 والتي قتل وسجن وفصل بعدها آلاف الأتراك.
استغل إردوغان رئاسة الشؤون الدينية “ديانت” التي أنشئت عام 1924، وحولها لإدارة جواسيس في المراكز والمساجد التي تشرف على تشييدها في الدول الأخرى.
ووفق معهد جاتستون لدراسة السياسات الدولية، فإن تركيا توظف “ديانت” كما لو كانت وكالة استخبارات مسؤولة عن جمع المعلومات في الخارج عبر الأئمة الموظفين في 38 دولة، خاصة ضد أتباع حركة الخدمة.
وحسب تقرير جاتستون المنشور في أكتوبر الماضي، فإن ألمانيا أول من تنبه لتلك الأنشطة، إذ أجرت تحقيقات مع عدد من مسؤولي المؤسسة لديها، في معلومات حول ممارسة أنشطة تجسس تخريبية، كما أن النائب في البرلمان الأسترالي بيتر بيلز أعلن العام الماضي حصوله على وثيقة تثبت وجود شبكة دولية لمخبرين يعملون لحساب تركيا في عدة دول منها أستراليا لجمع معلومات عن المعارضين للحزب الحاكم في تركيا مقابل رواتب سخية.
الصحفية الأمريكية هولي مكاكي كتبت في موقع “فوكس نيوز” يوليو الماضي أن تركيا تستغل بشكل سييء مساجد ومراكز إسلامية منها مركز ديانت الأمريكي “DCA” الذي تكلف 110 ملايين دولار وافتتح في 2016 بولاية ميريلاند، في أعمال التجسس، بتوجيه من الرئيس إردوغان شخصيا.
ووفق “فوكس نيوز” فإن كثيرا من السياسيين الأمريكيين يرون أن هذا المركز وغيره من المؤسسات الدينية خارج تركيا مراكز تجسس، وليست مساجد ولا مراكز إسلامية، يديرها النظام الحاكم عبر مؤسسة “ديانت” أو رئاسة الشؤون الدينية التي وقعت تحت الإدارة المباشرة – وفق الكاتبة الأمريكية – لإردوغان نفسه منذ نحو 15 عاما.
وفق مكاكي فإن مركز DCA هو واحد من 20 مركزا تتبع النظام التركي في الولايات المتحدة، كلها تعمل تحت مظلة ديانت، مشيرة إلى أن كثيرا من المسلمين الأتراك في مناطق وجود هذه المراكز هم من أنصار الداعية فتح الله جولن.
“يخشى من يتبعون أفكار جولن على حياتهم ويتخوفون للغاية من الذهاب إلى مساجد ديانت خوفا على حياتهم من القتل أو الترحيل إلى تركيا، ومن ثم الاعتقال”،مضت مكاكي مؤكدة “هذه المراكز تكتفي حتى الآن بجمع المعلومات، لكنها يوما ما ستتخذ خطوة جديدة”.
في مقاله المنشور بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية مارس 2011، يقول الكاتب إيريك لايتبلو :”هناك كثيرون يحاولون التأثير في السياسة الأمريكية عبر جماعات ضغط، لكن النظام التركي يعد الأكثر شراهة منذ العام 2007 في إنفاق الملايين سنويا على مسؤولين وأعضاء كونجرس سابقين وحاليين”.
مضيفا :”تركيا من أكثر دول الشرق الأوسط اهتماما بصناعة القرار الأمريكي، لذا أنفقت 1.7 مليون دولار في 2009 لشراء ولاء مسؤولين، واستخدامهم بما يخدم توجهات النظام التركي”.
تحقيقات المفتشش روبرت مولر في قضية التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة اصطدمت بمفاجأة تورط مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين في التجسس لحساب الرئيس رجب إردوغان.
وخضع فلين للمحاكمة في ديسمبر الماضي وآخرون عملوا كخلية تجسس لأنقرة، وقدمت المباحث الفيدرالية “إف بي آي – FBI ” وثائق للقضاء تثبت أن هذه المجموعة التركية السرية في واشنطن شملت رجل الأعمال الأميركي بيجن رافيكيان الشهير بـ”بيجن كيان”، الذي يواجه تهما عديدة أبرزها التآمر والتجسس لجهات أجنبية.
كما تضمنت اسم رجل أعمال تركي يحمل الجنسية الهولندية يدعى أكيم ألبتكين، وكلاهما كان شريكا في صفقات تجارية مع فلين، وتبين تلقي المجموعة 600 ألف دولار من الحكومة التركية في يونيو الماضي مقابل الحصول على تقرير يرصد نشاطات وتحركات جولن في الأراضي الأمريكية.