تعرف على حيلة تركيا الجديدة للتوغل في سوريا (تقرير)

الاثنين 4 فبراير 2019 20:51:18
تعرف على حيلة تركيا الجديدة للتوغل في سوريا (تقرير)
تبدأ الدكتاتورية التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، حلقة جديدة من مسلسل التوغل التركي السافر في الداخل السوري، وذلك عن طريق تصدير الحديث حول ضرورة صياغة دستور سوري جديد، بهدف ضمانة البقاء التركي بالمشهد.
وشهدت الأيام الماضية فشلاً ذريعاً في محاولة اختراق شرق الفرات، كمحاولة لتكرار ما حدث العام الماضي من احتلال عفرين، وإطلاق الميليشيات المسلحة التابعة لأنقرة في الإقليم السوري المحتل.
وصرح وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، بحسب وكالة الأناضول، في كلمته أثناء الاجتماع الذي نظمته بلدية "باى أوغلو" بالعاصمة إسطنبول، بأن جهود بلاده تركز على إنشاء لجنة صياغة دستور جديد لسورية وتنسيق الانسحاب الأمريكى.
وأضاف أوغلو أثناء كلمته أن تركيا تعمل على ترسيخ وقف إطلاق النار في المنطقة من خلال حماية التفاهم المبرم مع روسيا، بشأن إدلب السورية، بالتوازي مع اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الإرهاب.
وتابع: الجهود التركية تركزت على إنشاء لجنة لصياغة دستور جديد لسورية، و تضم ممثلين عن منظمات المجتمع المدنى والنظام والمعارضة، وإحياء مؤتمر جنيف بالتوازي مع الحفاظ على مساري أستانة وسوتشي.
ومؤتمر جنيف، عقد في المدينة السويسرية برعاية أممية، في محاولة لإنهاء الإرهاب في سورية، وعلى نفس المسار جاء مؤتمري أستانة بتركيا وسوتشي بروسيا، إلا أن كل هذه المؤتمرات اصطدمت بأطماع تركية في الشمال السوري، ما عطل الحل النهائي للأزمة السورية.
وأضاف أوغلو: “من ناحية أخرى، نحاول التنسيق مع الولايات المتحدة حول ما سنفعله في شمال سورية بعد قرار الانسحاب الأمريكي”، وتابع “الحديث في هذه الآونة يجري عن كيفية إدارة عملية الانسحاب الأمريكي وتحقيق الاستقرار الدائم في سوريا من خلال التنسيق مع الدول المجاورة والمعنية، بما في ذلك روسيا وإيران”.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن في 31 ديسمبر الماضي، انسحاب قواته من سورية، ما فتح المجال أمام تركيا لأن تحاول استغلال الأمر وطالبت بمنطقة آمنة، ثم تذرعت باتفاق أضنة الموقع مع الحكومة السورية عام 1998 لإعادة احتلال شرق الفرات، إلا أن ترامب عاد وهدد بتدمير الاقتصاد التركي إذا تدخلت تركيا لأمن الأكراد. و”اتفاق أضنة” كان يتضمن بشكل أساسي التعاون بين البلدين في حماية الحدود وليس التحرك منفردًا كما تريد أنقرة.
وشدد الوزير التركي فى نهاية حديثه على أهمية دعم اللاجئين السوريين الذين بدأوا بالعودة إلى بلادهم، وحديث الجهات التركية مع كافة الجهات المعنية بهذا الشأن ، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، من أجل توفير الدعم المطلوب، ولفت إلى أن تركيا سوف تنظم مؤتمرا مع الاتحاد الأوروبي في بروكسل 14 مارس المقبل، من أجل مناقشة آليات الدعم الواجب تقديمه للاجئين السوريين.
تصريحات أوغلو، لاشك جاءت متناقضة مع ما يحدث على الأرض، فتركيا تسببت بشكل مباشر في تهجير مئات الآلاف من سورية، كما جاء احتلالها لعفرين قبل عام ليضيف إلى سجلها الإجرامي الكثير، بعد أن تسبب ذلك في تشريد وقتل عشرات الآلاف.
أيضًا، كيف لأوغلو أن يتحدث عن دستور جديد لسورية، فالأولى أن يتحدث عن احترام الدستور في بلاده، وهناك خروقات عديدة تحدث على الأرض، أبرزها الاعتقالات العشوائية بما يخالف الدستور والتي لم تستثن أحدًا حتى الحوامل، أخرهم سيدة تدعى شيماء تاكين اقتيدت إلى المشفى للولادة وهي مصفدة اليدين.
لم تكن مشاركة تركيا في محادثات لجنة صياغة مسودة الدستور السوري الجديد، والتي بدأت في 2017، سوى محاولة أخرى لتعظيم مكاسبها السياسية والاستراتيجية على حساب الشعوب العربية، والتي بدأتها مع دعم وتأييد ما يعرف بـ”الربيع العربي” في دول المنطقة.
هذه المشاركة، حملت بين طياتها أطماعا في الأراضي السورية، إلى تعزيز موقعها في معادلة التفاعلات العربية والإقليمية، ضمن أوهام مشروع إعادة الامبراطورية العثمانية، وذلك تحت ذرائع، وأد التحركات الكردية للانفصال عن الدولة التركية.
وكشفت العمليات العسكرية التركية التي بدأتها بـ”درع الفرات” في 2016، و”غصن الزيتون” في مارس 2018، عن أطماعها في أراضي الشمال السوري، والتي هدفت إلى تحقيق أمرين أساسيين: ملاحقة عناصر وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لأكراد سورية، وإحداث ارتباك وتغيير ديموغرافي (سكاني)، بدعم التركمان وتوطين أتراك في أراضي الشمال بعد تهجير السوريين، وهو ما يمكن الاستفادة منه مستقبلا في أية تسويات سياسية سورية.
من أجل تحقيق المخطط التركي سعت أنقرة لاستبعاد الأكراد من تشكيل اللجنة، ومن أي عملية سياسية، فيما تطالب بتضمين التركمان، فضلا عن عناصر الميليشيا المسلحة التي تدعمها، ومنها ما يرتبط بتنظيم القاعدة.
في يناير 2017، تم تسريب المسودة الأولية الروسية المقترحة، للدستور السوري الجديد، وتضمنت العديد من المواد التي تعد مدخلا مناسبا لتحقيق أطماع أنقرة عربيا وإقليميا. فلم تشر المادة الأولى من المسودة إلى هوية سورية العربية، وتضمن البند الثالث فيها إلى ضرورة الحفاظ على التنوع الثقافي للمجتمع السوري.
تتوافق المادتين السابقتين مع سياسة أنقرة الهادفة إلى “تتريك” اللاجئين السوريين على أراضيها، والذي يقدر أعدادهم بـ4.5 مليون لاجئ، فضلا عن استمرار عمليات تجنيسهم بشكل مستمر، وهو ما يوفر لها أداة لاختراق المجتمع السوري مستقبلا.
كما أن مسألة التأكيد على التنوع الثقافي للمجتمع السوري، وإنهاء عروبته، يدعم أحد أخطر السيناريوهات المستقبلية التي تسعى تركيا لتحقيقها، وهو تفكيك سورية إلى دويلات عرقية، وذلك عبر طرح نموذج “الفيدرالية على أساس المحاصصة”.
ويبدو أن هذا السيناريو يسير بشكل ممنهج ومتزامن مع العمليات العسكرية التركية، ويمكن الاستدلال عليه من تحركات تركمان سورية، عبر ما يعرف بـ”المجلس التركماني السوري”، الذي قرر في اجتماع بريف حلب في نوفمبر 2018، باعتماد علم موحد ترفع خلال مشاركتهم في المحافل السياسية والمجتمعية.
ويمثل التركمان في سوريا 3% من إجمالي الشعب السوري، حيث قدر أعدادهم بحسب إحصائيات 1997 بـ 484 ألف نسمة، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد مع أي تسوية سياسية على الأرض، بعد عمليات التوطين التركية على الأراضي السورية المستمرة منذ 2016.
ثم تأتي المادة الأخطر في مسودة الدستور، التي تحمل بصمات تركيا، وهي “إمكانية تعديل حدود الدولة السورية عبر الاستفتاء العام”.
وبالنظر إلى التحركات التركية في الأراضي السورية، وطرح وسائلها الإعلامية بشكل مستمر حق تركيا المزعوم في قرى ومدن الشمال السوري بالحديث عن تعديل اتفاقية لوزان 1923 التي تم إبرامها مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى أو التلويح بانتهاء العمل بها في مئويتها 2023، ثم الحديث التركي الجديد عن اتفاقية أضنة 1998، يمكن فهم ما تهدف إليه هذه المادة.
إن مسألة تعديل حدود الدولة السورية عبر الاستفتاء، تعني التنازل وليس ضم أراض جديدة، وإذا أخذ في الاعتبار ما تتضمنه مسودة الدستور من توسيع صلاحيات البرلمان وقدرته على عزل الرئيس، فإنه يمكن عبر توازنات سياسية مستقبلية – في حال تمرير هذا الدستور – بإعلان انفصال أو انضمام شمال سورية إلى تركيا، في استنساخ لنموذج إقليم الألزاس واللورين الحدودي بين فرنسا وألمانيا، وانضم في النهاية إلى باريس عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، بعد أن تغلبت الهوية الفرنسية لسكانه على الانتماء للأرض.
بيد أن هذه المطامع، وما تنطوي عليه من سيناريوهات متعددة لتطبيقه، تواجهها عقبات يمكن أن تجهض هذه المساعي.
تعتبر تركيا المنظمات الكردية السياسية والعسكرية بل والمجتمعية منها، خطرا يهدد وجودها، ويعتبر أحد عوائق تحقيق أهداف التوسع الاستعماري التركي.
ولم يقتصر هذا التهديد في الأراضي التركية فقط، بل في مساعيها الإقليمية وتحديدا في سوريا، وهو ما كشفت عنه مواد مسودة الدستور.
فقد اعتبرت مسودة الدستور أن الأكراد مكون رئيسي في المجتمع السوري، بل وشريك أساسي في تحديد سياساته ومستقبله، وهو ما يشير إلى إن نواة النظام الجديد مستقبلا، تتضمن أسباب العداء والصدام مع تركيا والوقوف بوجه مخططاتها.
وتتجلى هذه النتيجة بوضوح في تضمن هذه المسودة مادة تشير إلى اعتبار اللغتين العربية والكردية متساويتين في أجهزة الحكم الذاتي لمناطق الأكراد، وهو ما يعزز موقع الأكراد في العملية السياسية مستقبلا.
هذه الصورة تشير بوضوح إلى أهداف ومساعي تركيا من المشاركة بكثافة في تشكيل لجنة صياغة الدستور السوري الجديد.
وليس أدل على ذلك من تأكيد مجلس الأمن القومي التركي في اجتماع بتاريخ 27 نوفمبر 2018، على ضرورة تطبيق تطبيق خارطة الطريق المتفق عليها عبر تشكيل لجنة صياغة الدستور بإشراف الأمم المتحدة بأسرع وقت.