الحوثي وقصف البطون الجائعة.. «المعادلة الإرهابية» التي ينقصها ضلع
السبت 9 فبراير 2019 20:11:00
رأي المشهد العربي
«الجريمة واضحة، الضحية معلومة، الجاني معروف.. ماذا تبقّى».. تلك المعادلة الرباعية ينقصها ضلع واحد حتى تكون واضحةً أمام العالم أجمع، قصفت مليشيا الحوثي الانقلابية مطاحن البحر الأحمر وباتت كميات الحبوب فيها عرضة للتلف، دون أن يتدخل العالم لردع المليشيات.
منذ سبتمبر الماضي، منعت المليشيات الحوثية، الأمم المتحدة من الوصول إلى صوامع مطاحن البحر الأحمر في الحديدة، حسبما اتهمتها تلك المنظمة الدولية.
وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك أعرب — أول أمس الخميس - عن القلق البالغ بشأن عدم قدرة الأمم المتحدة في الوصول إلى مطاحن البحر الأحمر في الحديدة، والتي يوجد بها حبوب تكفي لإطعام 3.7 مليون شخص لمدة شهر، وقال إنّ كميات الحبوب مخزنةً في صوامع في مطاحن البحر الأحمر منذ أكثر من أربعة أشهر وقد تتعرض للتلف، فيما يشرف نحو عشرة ملايين شخص في أنحاء اليمن على المجاعة.
وشدّد "المسؤول الأممي" على الضرورة الملحة للوصول إلى المطاحن مع مرور الوقت وزيادة مخاطر تلفها، لافتًا - في الوقت ذاته - إلى أنّ المليشيات الحوثية رفضت السماح للأمم المتحدة بعبور الخطوط الأمامية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة للوصول إلى المطاحن.
الجرائم الحوثية في الصوامع يُنظر إليها بأنّها ثلاثية الأبعاد، أحدها إنساني يتعلق بتعريض كميات هائلة من الحبوب للتلف في وقتٍ يعيش فيه كثيرٌ من السكان تحت خطر الجوع، وثانيها سياسي يتعلق بمنع الأمم المتحدة من الوصول إلى المنطقة رغم أنّ المنظمة الدولية يُفترض أنّها تلعب دوراً في حل الأزمة.
البُعد الثالث في الأزمة هو الإطار العسكري، وهنا كانت الجريمة البشعة التي تكرّرت مرتين، ففي 24 يناير الماضي قصفت المليشيات الحوثية شركة مطاحن البحر الأحمر بعدد من قذائف الهاون، ما أسفر عن احتراق إحدى الصوامع وإتلاف كميات كبيرة من مادة القمح، وذلك في سياق إفشال تفاهمات لجنة تنسيق إعادة الانتشار التي تولت محاولة تسهيل مهمة برنامج الأغذية العالمي والمنظمات المعنية لتوزيع هذه المواد على مستحقيها.
في الأول من فبراير الجاري، جدّدت مليشيا الحوثي استهداف المطاحن، بقذائف مدفعية أطلقتها من كلية الهندسة وباحة معهد التدريب المهني شمالي المدينة، وبحسب مصادر محلية أطلقت المليشيات 12 قذيفةً صوب المطاحن، متسببة بحدوث أضرار في إحدى الصوامع.
اللافت أنّ هذه الجرائم الحوثية تزامنت مع الكشف عن تورّط المليشيات في سرقة 13 ألفًا و815 سلة غذائية حسبما أعلنت اللجنة العليا للإغاثة التي أشارت إلى أنّ المليشيات تاجرت بهذه الكميات في السوق السوداء خلال الفترة من 2015 إلى 2018، واللافت أنّها كانت تُباع وهي تحمل شعار و"لوجو" المنظمة، كمن يسرق في وضح النهار دون خشية ملاحقة.
وخلال الفترة نفسها، احتجزت المليشيات 65 سفينة كما تمّ الاستيلاء على 615 شاحنة إغاثية وتفجير أربعة منها، بالإضافة إلى 16 واقعة اعتداء على منظمات تابعة للأمم المتحدة، تنوّعت بين القتل والخطف وإغلاق المكاتب بالقوة، وتركّزت الانتهاكات في صنعاء وتعز والحديد وإب.
ضمن انتهاكات المليشيات أيضًا، كشفت دراسةٌ استقصائيةٌ أجراها برنامج الأغذية العالمي على مستفيدين مسجّلين، أنّ العديد من سكان العاصمة لم يحصلوا على استحقاقاتهم من الحصص الغذائية، وفي مناطق أخرى حُرم الجوعى من حصصهم بالكامل.
وطالب البرنامج - التابع للأمم المتحدة - بوضع حد فوري للتلاعب في توزيع مساعدات الإغاثة الإنسانية في اليمن بعد الكشف عن أدلة تثبت حدوث هذه الممارسات في صنعاء وأجزاء أخرى من البلاد خاضعة لسيطرة المليشيات.
في هذا السياق، صرح ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي: "هذه الممارسات هي بمثابة سرقة الغذاء من أفواه الجوعى.. يحدث هذا في الوقت الذي يموت فيه الأطفال في اليمن لأنهم لا يجدون ما يكفيهم من الطعام، وهذا اعتداء بالغ.. يجب العمل على وضع حد فوري لهذا السلوك الإجرامي".
وخلال حملات الرصد التي أجراها برامج الأغذية العالمي، جمع المسؤولون عدداً من الصور الفوتوغرافية وغيرها من الأدلة التي تثبت قيام الشاحنات بنقل المواد الغذائية بشكل غير مشروع من مراكز توزيع الأغذية المخصصة لذلك، كما اكتشفوا أيضاً أنّ مسؤولين محليين يتلاعبون أثناء عملية اختيار المستفيدين ويتم تزوير سجلات التوزيع، وقد تم اكتشاف أن بعض المساعدات الغذائية يتم منحها لأشخاص غير مستحقين لها ويتم بيع بعضها في أسواق العاصمة لتحقيق مكاسب.
وفي مطلع يناير الماضي، وجّه مدير البرنامج العالمي، رسالة تحذيرية شديدة اللهجة لمليشيا الحوثى عبر موقعه الرسمى، بتعليق شحنات المساعدات إذا لم تتوقف المليشيات عن سرقة المساعدات وعدم توزيع المواد الغذائية.
تكشف هذه الجرائم الحوثية صراحةً وبدون أي مواربة مدى الانتهاكات التي ترتكبها المليشيات الانقلابية الساعية نحو مزيدٍ من التصعيد، وتعميق الأزمة الإنسانية في البلاد، ما يُكبّد المدنيين أثمانًا فادحة، وهو الأمر الذي يستدعي تدخلاً دولياً، لا يجب أن يتأخّر أكثر مما تأخر.