مليشيا الحوثي والقصف الثالث.. نارٌ تحرق وصمتٌ يكوي
"أن يقتلك عدوك بسلاحه أمراً ليس مستغرباً، لكن عندما يقصفك صمت الوسيط فذاك أبشع وأكثر فداحةً وأمرّ قسوة".. يحدث ذلك في اليمن، فمليشيا الحوثي الانقلابية أدركت تمام الإدراك، أنّ المجتمع الدولي ممثلًا في "أممه المتحدة" لن تحسابها فقررت الاستمرار في جرائمها، بنفس الطريقة مسبّبةً ذات الفظائع، دون أن يحدث شيء.
في تأكيد جديد على انتهاكات المليشيات الإرهابية الموالية لإيران، جدّد الانقلابيون قصف صوامع الغلال في مطاحن البحر الأحمر ومستودعات الحبوب التابعة لبرنامج الغذاء العالمي في مدينة الحديدة، وذلك بعد ساعات فقط من مغادرة مبعوث الأمم المتحدة مارتن جريفيث، صنعاء.
أدركت المليشيات الحوثية أهمية تصعيد الأزمة الإنسانية ومضاعفة معاناة المدنيين، في محاولة واضحة منها لإطالة أمد الأزمة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب المادية والسياسية وذلك على حساب ملايين المواطنين.
استهداف صوامع الغلال هو الثالث في الأسابيع الأخيرة، حيث قصفت في 25 يناير الماضي شركة مطاحن البحر الأحمر ما أسفر عن احتراق إحدى صوامع الغلال وتلف كميات كبيرة من مادة القمح، ووقع الهجوم الثاني في أول فبراير الجاري، حين جدّدت المليشيات استهداف المطاحن، بقذائف مدفعية أطلقتها من كلية الهندسة وباحة معهد التدريب المهني شمالي المدينة، متسببة بحدوث أضرار في الصوامع.
يثبت الاستمرار الحوثي في قصف الصوامع أنّ المليشيات أدركت يقينًا بأنّ المجتمع الدولي سيقف صامتًا ما يمنحها رخصةً للاستمرار في انتهاكاتها.
هذه الهجمات جاءت بعد أسابيع من اتهام مليشيا الحوثي بسرقة شحنات مساعدات الإغاثة والأغذية المخصصة للشعب الذي يواجه معاناة إنسانية.
وذكر بيانٌ صدر عن برنامج الغذاء العالمي أنّ الحوثيين يسرقون الأغذية من أفواه الجائعين ويحوِّلون شحنات الطعام، مؤكدًا وجود أدلة على استيلاء الانقلابيين على شحنات الإغاثة، وارتكابهم هذه الانتهاكات فى المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
وطالب البرنامج، بوضع حد فوري للتلاعب في توزيع مساعدات الإغاثة الإنسانية في اليمن، وأضاف: "تمّ الكشف عن التلاعب في تخصيص مواد الإغاثة الغذائية، في مراجعة أجراها برنامج الأغذية العالمي خلال الأشهر الأخيرة، وأجريت هذه المراجعة بعد ازدياد التقارير عن عرض المساعدات الغذائية للبيع في أسواق العاصمة".
اكتشف البرنامج هذا التلاعب من قبل منظمة واحدة على الأقل من الشركاء المحليين الذين يكلفهم بمناولة مساعداته الغذائية وتوزيعها، المؤسسة المحلية تابعة لوزارة التربية والتعليم في صنعاء، التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي.
وفي هذا السياق، صرح ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي: "هذه الممارسات هي بمثابة سرقة الغذاء من أفواه الجوعى.. يحدث هذا في الوقت الذي يموت فيه الأطفال في اليمن لأنهم لا يجدون ما يكفيهم من الطعام، وهذا اعتداء بالغ، يجب العمل على وضع حد فوري لهذا السلوك الإجرامي".
اللافت أنّ المليشيات أخذت تبيع هذه المنتجات في السوق السوداء بالأسواق لتحقيق أرباح حتى وإن كانت على حساب أوجاع الشعب، ورغم المزاعم الحوثية بنفي تورطها في هذه الجرائم، لكنّ المليشيات حاصرتها أدلة كثيرة على سرقتها لطعام المواطنين وتحويل المساعدات إلى وسيلة للابتزاز والضغط على الأسر المحتاجة للدفع بأبنائها للانخراط معسكرات الحوثيين وإرسالهم إلى جبهات الموت.
وفي شأنٍ غير بعيد، اتهمت الحكومة - في مطلع يناير الماضي - مليشيا الحوثي بنهب واحتجاز نحو 697 شاحنة تحمل موادًا إغاثية، ومنع 88 أخرى من الدخول، خلال أكثر من ثلاث سنوات.
وقال بيانٌ صدر عن اللجنة الإغاثية العليا التابعة للحكومة، إنّ مليشيا الحوثي احتجزت ومنعت دخول أكثر من 88 سفينة إغاثية وتجارية ونفطية إلى مينائي الحديدة والصليف بمحافظة الحديدة في الفترة من مايو 2015 إلى ديسمبر 2018.
ومن بين هذه السفن، 34 سفينة احتجزها الحوثيون لأكثر من ستة أشهر حتى تلفت معظم حمولاتها، إضافةً إلى استهداف سبع سفن إغاثية وتجارية ونفطية بالقصف المباشر.
وخلال نفس الفترة، قام الحوثيون بنهب واحتجاز 697 شاحنة إغاثية في الطرق الرابطة بين محافظات الحديدة وصنعاء وإب وتعز وحجة وذمار، ومداخل المحافظات الخاضعة لسيطرتهم.
كل هذه الجرائم لم تصنع موقفاً حاسماً من قِبل الأمم المتحدة، وحتى لم تقف عند خطٍ وسيطٍ لكنّها اختارت الارتماء بصمتها إلى جانب المليشيات، ما قاد إلى استمرار الأزمة الإنسانية.
وقد أصبحت المصداقية الدولية على المحك، ففي ظل التعنت الحوثي ونكثه للاتفاقات التي وقّع عليها وعدم تنفيذه لها بالشكل المطلوب، برز الدور السلبي للأمم المتحدة التي ساهم صمتها وتغاضيها عن الجرائم التي تقوم بها المليشيات الانقلابية في تمادي هذه المليشيات في أعمالها المهددة للسلم الأهلي، وعدم إلقائها بالاً لما يمكن أن يترتب على جرائمها أو ردع دولي.
وبات يتوجّب على الأمم المتحدة وممثليها في اليمن الوقوف بحزم ضد كل الانتهاكات والأعمال الإرهابية التي ترتكبها مليشيا الحوثي، واتخاذ إجراءات رادعة ضدها، من أجل صون مصداقية وسمعة هذه المنظمة الدولية من أي تعدٍّ، أو اتهام لها بتشجيع جماعة إرهابية على الاستمرار في تدمير اليمن.
كما نال الصمت الأممي على الخروقات الحوثية الكثير من الانتقادات، فبالإضافة إلى الاستنكار المحلي من قبل الحكومة، أعربت المملكة العربية السعودية على لسان سفيرها لدى اليمن محمد آل جابر عن استغرابها لمواصلة صمت المنظمات الأممية عن جرائم وانتهاكات مليشيا الحوثي وسرقتها وإعاقتها لتوزيع المساعدات الإنسانية للشعب اليمنى.
آل جابر قال: "السعودية والإمارات والكويت سلَّمت الأمم المتحدة ملياراً و250 مليون دولار ضمن خطة الاستجابة الإنسانية التي أطلقتها الأمم المتحدة في اليمن، وأبلغنا كلاً من وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك ومنسقة الشؤون الإنسانية لدى الأمم المتحدة في اليمن ليز جراندى، بأنه لم يتم إنفاق سواء 40 % من تلك الأموال".
وأضاف أنّه والعديد من مسؤولي التحالف العربي سبق أن أبلغوا كبار مسؤولي الأمم المتحدة بممارسات مليشيا الحوثي ضد المساعدات الإنسانية، مشيراً إلى أنّه منذ سنوات والمليشيات تعيق هذه المساعدات الإغاثية وتنهبها، وتمنع وصولها إلى بعض المناطق في اليمن، إضافة لتحويلها تلك المساعدات إلى مجهودها الحربي بطرق مختلفة، وأكّد أنّ ذلك يعد مؤشراً على عدم قدرة الأمم المتحدة على استخدامها وإيصالها إلى المحتاجين في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات.
وحذر من أنّ الصمت على جرائم مليشيا الحوثي سيزيد من ممارساتها السيئة، مطالبًا منظمات الأمم المتحدة بالتحدث بصراحة، والكشف عن الحقائق التي تعترض أعمالهم بسبب تصرفات الانقلابيين، وهذا سيجعلها في موقع قوي لمواجهة ممارساتهم.