ألغام صعدة.. جحيم حوثي على الأرض
الأحد 24 فبراير 2019 00:51:06
"إنسانٌ يموت، حيوان يُقصف، أرضٌ تُحرق، جمادٌ يكاد يصرخ.. يحدث كل هذا والعالم صامت".. أي مأساة تلك التي يمر بها اليمنيون، أن يسير أحدٌ في أرض الله، تدهس أصابعه الصغيرة صندوقاً صغيراً من نار، ثم ينتهي كل شيء.
تمثل زراعة الألغام أحد أكثر معالم العدوان الحوثي بشاعةً، فكثيرةٌ من الأراضي تحوّل طينها الرطب إلى جحيمٍ، مستهدفاً كل من على الأرض.
في المنطقة الفاصلة بين مديريتي باقر وقطابر بمحافظة صعدة، تخوض قوات الجيش والتحالف العربي معركة موازية لتفكيك حقول الألغام التي زرعتها المليشيات بعشوائية وكثافة.
يقول خبير تفكيك الألغام النقيب عبد الله الوحش إنّ هذه العبوات لا تستهدف الجيش لكنّها ضد المواطن في المقام الأول، لافتاً إلى أن أصابع أصغر حيوان إذا ما لمست العبوة تنفجر على الفور.
ويضيف في تصريحات لفضائية "سكاي نيوز": "ما الذي تجنيه المليشيات من زراعة الألغام ضد المواطنين.. إذا كانوا رجالاً فليواجهوا الجيش وجهاً لوجه وليس بعبوات وألغام".
تنقسم الألغام في صعدة إلى مجموعات مختلفة، بعضها بدائي الصنع مخصص للأفراد، والآخر يتم تعديله لإحداث أكبر أثر تدميري ضد قوات الجيش والتحالف، الذين يحققون نتائج ملموسة في سياق التصدي لهذا العدوان الحوثي.
إجمالاً، أصبح اليمن بفعل الإرهابي الحوثي، أكبر دولة مغلومة على مستوى العالم، حيث زرعت المليشيات أكثر من مليون لغم أرضي منذ بدء الحرب، ما جعلها أكبر دولة ملغومة منذ الحرب العالمية الثانية.
وأمس الجمعة، تمّ الإعلان عن نجاح القوات المشتركة في تفجیر أكثر من عشرة آلاف لغم، زرعتها ملیشیا الحوثي قبل فرارھا من المناطق المحررة بالحدیدة.
وأكدت وحدات ھندسیة تابعة للقوات المشتركة أنّ ما تمّ تفجیره (أمس) في منطقة غلیفقة الساحلیة ألغام ومتفجرات معظمھا قطع من أنابیب النفط والغاز وربیترات خاصة بفلترة النفط وكذلك أنابيب المجاري نھبتھا الملیشیات الحوثیة من مخازن الدولة وحولتھا لأسلحة قاتلة للمدنیین.
وأضافت أنّ الأمر الذي یجعل الأمم المتحدة أمام مسؤولیة إنسانیة وأخلاقیة وقانونیة لمنع استخدام ھذه الأسلحة المحظورة، والعمل على تدمیر مخزون ألغام ھذه الملیشیات المدعومة إیرانیاً حتى لا تُشكِّل تھدیداً جدیداً على المدنیین في مناطق خرى وفقاً للقانون الدولي واتفاقیة أوتاوا التي تجرم تصنیع وزراعة الألغام.
وقبل أيام، صرح القائد السابق للقوات البريطانية الجنرال سير مايكل جاكسون بأنّ آثاراً مروعة ستخلفها مئات الآلاف من الألغام الأرضية التي زرعتها مليشيا الحوثي، معتبراً أنّها "محنة طويلة الأمد".
جاكسون أوضح في مقالٍ بصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إنّ "الإرث الأكثر ديمومة للحرب هو الخسائر البشرية المروعة لهذه الألغام التي خلفها الحوثيون هناك"، وأضاف: "حجم التحدي هائل، بسبب وجود عدد كبير جدًا من الألغام الأرضية والعبوات الناسفة التي تم زرعها هناك، إلى جانب بقايا الذخائر غير المتفجرة، التي يتبين من كثير منها أنها من إيران وحزب الله".
وأشار إلى أنّ الأمر الأكثر قلقاً، أنّ هذه الألغام تستهدف المدنيين، مع وجودها داخل المنازل والحقول والموانئ، لكنّ بعيدًا عن تسبُّبها في وقوع ضحايا بين صفوف المدنيين والجيش، لافتاً إلى أنّ هذه الاستراتيجية جعلت العودة إلى الحياة الطبيعية أمراً بالغ الصعوبة في تلك المنطقة التي تحررت من سيطرة الحوثيين، وستكون عملية إعادة بناء البنية التحتية الأساسية التي دمرتها الحرب، أكثر صعوبة بكثير وأبطأ وأكثر إيلاماً.
لم يكن ذلك أول تحذير من مخاطر "ألغام المليشيات"، ففي مطلع فبراير الجاري كشف مشروع برنامج "ACLED" الدولي، أنّ مليشيا الحوثي الانقلابية حوّلت اليمن إلى أكبر دولة مغلومة على مستوى العالم.
وقال البرنامج - المتخصص بجمع بيانات مناطق النزاع حول العالم وتحليلها - إنّ "الحوثيين زرعوا أكثر من مليون لغم أرضي منذ بدء الحرب، ما جعلها أكبر دولة ملغومة منذ الحرب العالمية الثانية".
وأشار إلى مقتل خمسة خبراء يعملون في مشروع منظمة "مسام" (مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية) أثناء نقل الألغام من مقر المنظمة في مأرب، حيث انفجر لغمٌ كانوا يحملونه في الشاحنة انفجاراً قوياً قتل الخبراء الخمسة وأصاب خبيراً آخر.
وأضاف البرنامج أنّ هذه الحادثة ليست معزولة، بل تكشف عن الخطر الأوسع المتمثل في الألغام المجهولة والأجهزة المتفجرة البدائية (العبوات الناسفة) التي لا تزال تشكل خطراً على المدنيين اليمنيين في جميع أنحاء البلاد.
وبحسب "البرنامج"، قُتل 267 مدنياً على الأقل بفعل الألغام الحوثية في 140 حالة تمّ الإبلاغ عنها منذ العام 2016، ويشمل هذا الرقم الأسماء المسجلة رسمياً فقط، فيما تشير تقديرات بحسب قناة "العربية" إلى أن عدد المقتولين بفعل الألغام يتجاوز 920 مدنياً، فضلاً عن آلاف الجرحى.
وأوضح أنّ الاستخدام المتفشي للأجهزة المتفجرة يؤدي أيضاً إلى إضعاف النشاط الاقتصادي، وكثيراً ما أصابت الألغام الأرضية التي يتم زرعها في المراعي المزارعين والحيوانات التي تُشكِّل المصدر الرئيس لكسب العيش بالنسبة لكثير من الأسر في المناطق الريفية.
وذكر البرنامج: "ازدادت حدة الانفجارات الناجمة عن الألغام الحوثية منذ بدء تحالف من القوات اليمنية المشتركة بحملة عسكرية في محافظة الحديدة الغربية، والتي تشكل حوالي 60% من مجموع الوفيات المدنية المرتبطة بالألغام التي زرعها الحوثيون في عام 2018، كما ازدادت حوادث الألغام تدريجياً خلال العام الماضي، وبلغت ذروتها في ديسمبر 2018 ويناير 2019 وهي الأشهر الأكثر دموية منذ أن بدء توثيق أحداث العنف".
وتابع: "تفحص البيانات عن كثب، يمكن أن يساعد في تفسير العوامل التي تقف وراء هذه الزيادة، حيث تفيد التقارير بأنّه بين يناير ومايو من العام الماضي، قتلت الألغام التي زرعها الحوثيون، ما يبلغ متوسطه ثلاثة مدنيين في كل شهر في الحديدة".
في الوقت نفسه، أعلن "مسام" أنّ إجمالي ما نزعه المركز منذ بداية المشروع (ثمانية أشهر) بلغ 38817 لغماً زرعتها مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، في الأراضي والمدارس والبيوت في اليمن، وحاولت إخفاءها بأشكال وألوان وطرق مختلفة راح ضحيتها عددٌ كبيرٌ من الأطفال والنساء وكبار السن سواء بالموت أو الإصابات الخطيرة أو بتر للأعضاء.