أممٌ متحدةٌ على قتل اليمنيين.. الحقيقة التي رآها لوليسجارد بعينيه وغضّ الطرف عنها
الخميس 28 فبراير 2019 20:00:51
رأي المشهد العربي
"ما لم تصدقه الآذان رأته العيون".. تلخيصٌ فاضحٌ لمدى التورط الأممي بالصمت القاتل في دعم الجرائم التي ترتكبها مليشيا الحوثي الانقلابية ضد الشعب، وإراقتها مزيداً من الدماء وقدراً أكبر من التأزيم السياسي.
بينما كان رئيس اللجنة الأممية المكلفة تنسيق إعادة الانتشار، الجنرال الدنماركي مايكل لوليسجارد، يستنشق غبار الأزمة في الحديدة، اخترق رصاص الحوثي جدار التواطؤ الأممي، عندما استهدفت المليشيات مواقع القوات المشتركة في المدينة وذلك بالتزامن مع مرور موكب الفريق الأممي الذي زار مخازن القمح في مطاحن البحر الأحمر للاطلاع على انتهاكات الحوثيين.
مصدر عسكري قال إنّ مليشيا الحوثي قصفت بالأسلحة الرشاشة مواقع القوات الحكومية في مستشفى "22 مايو" الذي كان يوجد فيه الوفد الأممي، مشيراً إلى أنَّ الموكب الأممي اضطر للتوقف أثناء القصف قبل أن يواصل مسيرته إلى مقر إقامته داخل مدينة الحديدة.
ضمّ الوفد الأممي الذي زار مطاحن البحر الأحمر وذلك للمرة الأولى منذ سبتمبر الماضي، رئيس لجنة إعادة انتشار القوات في مدينة الحديدة، وممثل من برنامج الأغذية العالمي، وبرفقته فريق أممي متخصص في نزع الألغام والعبوات الناسفة، بجانب فريق ثانٍ متخصص لبحث مدى صلاحية القمح المتبقي للتوزيع.
في الشأن نفسه، صرح وضاح الدبيش المتحدث باسم ألوية العمالقة، بأنّ مليشيا الحوثي أطلقت نيراناً كثيفة باتجاه مواقع القوات الحكومية المتمركزة في المستشفى لدى خروج موكب لوليسجارد، لافتاً إلى أنّ المبعوث الأممي تواصل مع قيادة المليشيات لمعرفة ما حدث، لكنه لم يتلق رداً.
لم يكن هذا الهجوم عادياً أو شبيهاً لقائمة الانتهاكات الحوثية التي تتكرر بشكل يومي، لكنّه يحمل أولاً وأخيراً رسالة إلى المجتمع الدولي - ممثلاً في الأمم المتحدة - أنّ أصوات البنادق لن تتوقف، وأنّ المليشيات مستمرةٌ في كل دون رادع أو وازع، وهو ما يعيد تساؤلات ملّ الكثيرون من تكرارها إزاء الصمت الأممي تجاه هذه الجرائم.
ورغم أنّ لوليسجارد كان شاهداً بـ"أم عينيه" (كما يقولون) عن هذا الجُرم الحوثي، لكنّ آمالاً كثيرة لا يجب أن تُعلَّق على تحرُّك حاسم ضد المليشيات، لا سيّما أنّ السوابق في هذا الصدد غير إيجابية بأي حالٍ من الأحوال.
ففي منتصف فبراير الجاري، طالب فريق الخبراء للجنة العقوبات الأممية المعنية باليمن - في توصيات مقدمة إلى مجلس الأمن الدولي - بإصدار قرار يلزم المليشيات الحوثية باحترام الاتفاقيات الدولية، وبالتعاون مع مكتب الأمين العام أنطونيو جوتيريش والحكومة اليمنية والجهات المانحة من أجل تعزيز بعثة الأمم المتحدة التي تقوم بتفتيش السفن المتجهة إلى الموانئ في اليمن بحثاً عن أسلحة غير قانونية حتى تتمكن من تحديد الشبكات التي تستخدم وثائق مزيفة للتهرب من التفتيش.
كما طالب الفريق بالعمل فوراً على إيقاف انتهاكات المليشيات الحوثية لا سيّما نهب المساعدات الإنسانية، وإنذار منظمة الطيران المدني الدولي بمخاطر الطائرات المسيرة بدون طيار وتوجيه رسالة إلى المنظمة الدولية تحذرها من القذائف المضادة للسفن.
وكشف التقرير تورّط المليشيات في سرقة المساعدات واعتقال وإرهاب العاملين في مجال تقديم المعونات، وعدم احترام استقلال المنظمات وإلغاء بعضها، ووضع عراقيل أمام وصول المساعدات للمحتاجين.
وفي نهاية يناير الماضي، اتهمت منظمة العفو الدولية "أمنستي"، مليشيا الحوثي، بارتكاب جرائم جسيمة قد يرتقي بعضها إلى جرائم حرب، واستخدام السلطة القضائية لتصفية حساباتها السياسية مع المناهضين لها في مناطق سيطرتها.
وأكدت المنظمة - في تقرير - اقتراف الحوثيين انتهاكات بحق معارضين ذكوراً وإناثاً، منها الإخفاء القسري والتعذيب داخل معتقلاتها، مثل التعليق من السقف لساعات والركل واللكم على الأعضاء التناسلية والتهديد بالاغتصاب والابتزاز المادي.
كما أوردت المنظمة حالة امرأة ورجلين اختفوا قسراً، وتعرّضوا لسوء المعاملة قبل أن يحكم عليهم بالإعدام، إثر محاكمة بالغة الجور أمام إحدى محاكم صنعاء، وقالت إنّ هذه القضية هي أحدث مثال على أنّ الحوثيين يستخدمون السلطة القضائية لتصفية حسابات سياسية.
وقد حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء، بالإعدام على كل من أسماء العميسي، وسعيد الرويشد، وأحمد باوزير، وبالسجن 15 عاماً على المتهم الرابع، وهو ماطر العميسي، والد أسماء العميسي.
وقالت راوية راجح، كبيرة مستشاري برنامج الاستجابة للأزمات بمنظمة العفو الدولية: "بينما يستمر النزاع المسلح في اليمن، فإن المحاكمة الجائرة لأسماء العميسي والمتهمين الثلاثة الآخرين ما هي إلا جزء من نمط أوسع يستخدم فيه الحوثيون السلطة القضائية لتصفية حسابات سياسية".
وجاءت هذه المحاكمة "العبثية" بعد ارتكاب مجموعة من الانتهاكات الجسيمة والجرائم، يرتقي بعضها إلى جرائم حرب، حيث تعرّض المتهمون في البداية، إلى الاختفاء القسري، واحتجزوا بمعزل عن العالم الخارجي، ونقلوا سراً من مرفق إلى آخر، وتمّ احتجازهم في وضع مزرٍ لعدة أشهر في فترة ما قبل المحاكمة، كما تعرضوا للابتزاز من أجل الحصول على المال، وأُخضعوا للإذلال المستمر والإيذاء البدني الشديد، وحرموا من الحقوق الأساسية.
هذان المثالان الصارخان على الجرائم الحوثية لم تقابل بتحرّك دولي، وبالتالي لا يمكن توقع أن يحدث شيء عقب "فضيحة الأمس" أمام أعين لوليسجارد.
ويمكن القول إنّه لا حلاً للأزمة الراهنة إلا ويبدأ بالضغط على المليشيات لوقف هذه الجرائم والانتهاكات؛ حفاظاً على الأقل على صورة الأمم المتحدة باعتبار أنّ دورها المفترض هو العمل على حل الأزمة، وليس الوقوف بمشهد المتفرج إزاء كل هذه الجرائم.
وإذا حاولت الأمم المتحدة التركيز على اتفاق السويد الموقع في ديسمبر الماضي، فإنّ الخطوة الأولى تتمثل في تغيير التعاطي وطريقة التعامل مع المليشيات على الفور.