المؤامرة.. شبح أردوغان لتبرير سياسة القمع والبلطجة
يسعى رئيس الدكتاتورية التركية رجب طيب أردوغان، إلى خلق شبح المؤامرة وتصدير نظرية وجود مخططات تستهدف استقرار سلطنته، وهذا ليس سوى مزاعم كاذبة، يستغلها للفتك بمعارضيه، باعتبار ذلك عملا وطنيا، يستجدى به ثقة البسطاء والقوميين أيضا، لإحكام قبضته على السلطة، ومنح أجهزته مبررا يبدو أخلاقيا، للتعدى على الدستور والقانون.
الباحث الأمريكي مايكل روبين، رسم أبعادا واضحة لشخصية الرئيس التركي، عبر مقاله في صحيفة ناشونال انتريست، مؤكدا أن دعايته لحملة العداء العالمية، التي تستهدف دولته، مزيفة وغير موجودة، وتهدف لتكريس سطوته على السلطة، وتعكس رغبته العميقة في إثارة مشاعر العداء لأمريكا، وتغذية أوهام المؤامرات المريبة عند أتباعه، بدلًا عن أي مفهوم للأدلة أو العدالة.
روبين غاص في نفسية أردوغان، كاشفا محاولته الذهاب بعيدًا بأتباعه، إلى مراحل الأوهام، واستخدام مصطلحات المؤامرة، والعداء، حتى يغطي على فشله في العديد من الملفات الهامة، ومنها الاقتصاد، خصوصًا بعد انهيار الليرة المحلية، أمام الدولار الأمريكي، وتبرير سياساته القمعية بحق المعارضين، فضلا عن تدخلاته السافرة في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وخصوصًا سورية.
الكاتب الأمريكي، فسر لجوء أردوغان الدائم إلى استغلال مسرحية الانقلاب، في يوليو 2016، لملاحقة معارضيه وإعلان حالة الطوارئ، والتي سمحت له بتحقيق ما يحظره القانون التركي.
“إلى أي نوع من التحالفات ينتمي الناتو هذا”عبارة أطلقها إردوغان في منتصف فبراير الماضي، أمام حشد انتخابي لأنصاره، استعدادًا لانتخابات المحليات، محاولًا السخرية من حلف شمال الأطلسي، قائلا: “إنك تعطي الإرهابيين حوالي 23 ألف شاحنة من الأسلحة والمعدات عبر العراق، لكن عندما طلبنا أن نشتري، لم تبيعوها لنا”.
بشكل واضح، – يقول الباحث الأمريكي – كل هذا الكلام هو محض هراء، فقد بدأت الولايات المتحدة بدعم الأكراد السوريين، الذين يقاتلون “داعش” على خلفية حصار كوباني، بين عامى 2014-2015، حيث صمد المقاتلون الأكراد فوق أرضهم، وتمكنوا في نهاية المطاف من صد هجوم التنظيم المتطرف، على المدينة الحدودية، في حين لم ترفض تركيا فقط دعم مقاومة المواجهة لـ”داعش” في معظم أوقات الحصار، لكنها سمحت باستخدام حدودها لدعم وإمداد التنظيم الإرهابي، كما أن 90% من مقاتلي التنظيم الأجانب، خلال هذه الفترة، كانوا يجتازون الحدود التركية بسهولة، تحت بصر حكومة العدالة والتنمية.
وفي حين يعتبر أردوغان أن الميليشيات الكردية السورية إرهابية، بسبب صلاتها بحزب العمال الكردستاني في تركيا، وأن إصراره على وصم جميع الأكراد السوريين بأنهم إرهابيون، بسبب عرقهم، أضعف جدية قبول طلباته الدبلوماسية. ويرصد الباحث الأمريكي ميل قوات إردوغان الخاصة إلى الانخراط في عمليات التطهير العرقي والثقافي للمدن والقرى الكردية التاريخية، في سورية المحتلة، بحجة مكافحة الإرهاب، حسب مقالة روبين.
ويضيف مايكل روبين في مقالته، إن السبب الأوسع للسخرية الغربية والأوروبية تجاه شكاوى إردوغان من الإرهاب، تؤكد أن هذا الإرهاب المزعوم، يرعاه إردوغان نفسه، ويستخدمه كوسيلة لتشويه صورة خصومه السياسيين، وتمرير فرض حالات الطوارئ، التي تعطيه فرصا مستمرة لانفراده بالسلطة.
في واقع الأمر، – حسب المقال – أصبح أردوغان أحد أكبر المعجبين، في القرن الحادي والعشرين، باستراتيجية “حريق الرايخستاج”، وكما أن النازيين الألمان يلقون باللائمة على المنافسين، في إحراق مبنى البرلمان الألماني، واستخدام الأزمة لتعليق الحريات المدنية، وتعميق السيطرة النازية على الدولة، كذلك يروج إردوغان مرارًا وتكرارًا لمؤامرات مزيفة من أجل تعزيز سيطرته.
وقد روجت الحكومة التركية في البداية (ربما بدعم من حلفائها السابقين في حركة الداعية فتح الله جولن) لمؤامرتين انقلابيتين زائفتين، من أجل تهميش العلمانيين داخل الجيش.
وعندما انهارت فكرة المؤامرات تلك، كان إردوغان قد نجح في تدمير الحياة المهنية لخصومه، والاستفادة من تلك الاتهامات، بالتعجيل في تفكيك نظام الضوابط والموازين، الذي يرى في العمل العسكري ضامنا للدستور.
ليس من قبيل المصادفة – يتابع الباحث الأمريكي – أن أسوأ الهجمات الإرهابية في تركيا، تحدث قبل الانتخابات، وقد أشارت أصابع الاتهام إلى ضلوع إردوغان في تفجير “داعش” مسيرة السلام في أكتوبر 2015 في أنقرة.
وكشفت شبكة أحوال، وهي بوابة صحفية مستقلة، أن التقارير الإخبارية التي لا يسمح إردوغان للصحف بنشرها، كان أحدها تقرير لمخابرات الاتحاد الأوروبي، أشارت إلى احتمالية تنفيذ عملاء “داعش” للهجوم الإرهابى، بتكليف من قوى داخل حزب العدالة والتنمية.
أما مسرحية الانقلاب الفاشل، في يوليو 2016، والتي استخدمها إردوغان لإطلاق عملية تطهير ضد المعارضين، وإعلان حالة الطوارئ، وإطلاق يده بطريقة جنونية للخلاص من كل شىء لا يثق فى ولائه المطلق له.
وألقى الرئيس التركي باللائمة على حليفه السابق، فتح الله جولن – رغم مشاركة أتباع الداعية بالفعل – فإن الرواية التي يعتنقها إردوغان، ويصر على تضخيمها أمام وسائل الإعلام، لا تبدو حقيقية، وتتشابه مع أجواء مؤامرات الانقلاب التى روج لها سابقا، إضافة إلى تفجير أنقرة. الباحث الأمريكى يقول” يوجد العديد من الأسئلة لا تزال دون إجابة”.
روبين تحدث عن إصرار أردوغان على إثارة العداء ضد أمريكا، قائلًا إن احتجاز القس الأمريكي أندرو برونسون، الذي لم يتم تبريره – أطلق سراحه الآن – واستمرار احتجاز أمريكيين، وأتراك، يحملون الجنسية الأمريكية، مثل سركان جولج، من وكالة ناسا، يعكس رغبة عميقة لدى إردوغان في إثارة مشاعر العداء لأمريكا، وتغذية أوهام المؤامرات المريبة عند أتباعه، واجتذاب أصوات الناخبين قبيل الاستحقاقات الانتخابية.
قد يدير إردوغان الآن مؤامرات حول دعم الولايات المتحدة وحلف الناتو للإرهاب، وسوف يذكي عداء واشنطن المتوطن بالفعل داخل تركيا. لا يوجد شيء يمكن القيام به حيال ذلك، عدا الضغط الواضح والمستمر واليومى، من أجل كشف الحقيقة أمام الأتراك المجذوبين بأكاذيب إردوغان.
ويضيف الباحث، ولكن مع تباطؤ الاقتصاد التركي، وتورط القوات التركية بشكل متزايد في سورية وكردستان العراق، فإن إردوغان بالطبع لا يهتم بالحقيقة، يبقى هدفه الوحيد هو إشعال نيران الكراهية، من أجل صرف الانتباه عن سجله الاقتصادي والعسكري المؤسف.