نذير ما قبل الكارثة.. الموجة الثالثة من الكوليرا الحوثية تطرق الأبواب
لم يكن مصادفةً أن تعمد مليشيا الحوثي الانقلابية على تفشي الأمراض القاتلة في مناطق سيطرتها، ويتضمّن ذلك العمل على محورين اثنين، أحدهما المتاجرة بصرخات الناس، والآخر إطالة أمد الأزمة إلى أقصى حد ممكن.
"الكوليرا" هي أشد الأسلحة الحوثية فتكًا وقتلاً، وهي تحمل الكثير من القصص التي لا تنتهي والمآسي التي لا تتوقف، مخلفةً وراء ذلك أرقاماً مروعةً، تكشف حجم الكارثة الإنسانية التي أحدثتها المليشيات.
وتزداد المخاوف من تفشي موجة ثالثة من الكوليرا خاصة بالتزامن مع هطول موسم الأمطار وتدهور الخدمات الصحية في البلاد، حيث سجّلت منظمة الصحة العالمية 2743 حالة وفاة بالكوليرا من أصل قرابة 1.4 مليون إصابة منذ انتشار الوباء في موجتيه الأولى والثانية في اليمن من أبريل 2017 وحتى نهاية عام 2018.
"أم سحر".. واحدة من كثيرات دفعن الثمن، حيث فقدت طفليها بسبب الكوليرا كما أصيبت هي الأخرى بالمرض نفسه.
تقول السيدة المكلومة، لصحيفة "الشرق الأوسط": "جئت أملاً في إنقاذهم ولم أكن أعلم بأني أذهب بهم إلى بؤرة الموت، حيث لا علاج ولا اهتمام ولا نظافة ولا رعاية صحية في المستشفيات الحكومية، ولولا فاعل خير أخرجني وتكفل بعلاجي بمستشفى خاص لكنت الآن بجوار سحر وشادي".
يكشف حديث السيدة، جانبين من المأساة أحدهما تفشي المرض بشكل مروع، والآخر غياب أي خدمات صحية تنفذ الحياة وتوقف المعاناة، لا سيّما أنّ المليشيات الحوثية دمّرت القطاع الصحي بأكمله سواء من قصف المراكز الصحية أو تحويلها إلى معسكرات، بالإضافة إلى سرقة الأدوية واللقاحات وبيعها في السوق السوداء لتمويل بها عملياتها الإرهابية.
في السياق نفسه، يقول "أبو صابر" للصحيفة: "أسعفت بنتي وزوجتي إلى مستشفى 22 مايو، وعبر وساطة أحد المعروفين معي حصلت على سرير واحد لهما إلا أنه طيلة يوم كامل لم يتم إعطاؤهما أي علاج فتدهورت صحتهما، الأمر الذي جعلني أنقلهما إلى مستشفى خاص".
فيما يذكر سعد، وهو مرافق لمصاب بالكوليرا: "إذا كان المريض محظوظاً سيحصل على سرير يستلقي عليه، حيث لا يمنح إلا لمن حالته خطرة ولديه وساطة في المستشفى، وإن كان أقل حظاً فسيفترش الممرات وإن لم يواكبه الحظ فستقيد بياناته ويستلقي في فناء المستشفى".
وبحسب الصحيفة، فإنّ المياه الملوثة العامل الأكبر لانتقال الكوليرا، وذلك بنسبة 90%، و10% بسبب الطعام الملوث، حيث تزيد حالات الإصابة مع حلول موسم الأمطار وانهيار الخدمات الأساسية، بما فيها أنظمة التزويد بالمياه الصالحة للاستخدام، وشبكات المياه والأوضاع السيئة لأنظمة التخلص من مياه الصرف الصحي، واستخدام المياه الملوثة للزراعة، وعدم ضمان توفر الكهرباء لتخزين الطعام.
ونقلت عن مصدر مسؤول في مؤسسة المياه والصرف الصحي القابعة تحت سيطرة المليشيات بصنعاء، اتهامه للانقلابيين في انتشار الكوليرا والمتاجرة بحياة المواطنين، ويقول: "عمدت مليشيا الحوثي إلى تعطيل محطة معالجة مياه الصرف الصحي شمال العاصمة صنعاء التي تعد البؤرة الرئيسية لتفشي وباء الكوليرا، إذ يتجاهلون إعادة تشغيلها رغم جاهزيتها وينقصها فقط مادة الديزل".
في الوقت نفسه، أرجعت مصادر طبية تردي الأوضاع الصحية وانتشار الأوبئة إلى الصلف واللامبالاة التي تمارسها مليشيا الحوثي في هذا القطاع، سواء عبر منع إيصال المساعدات والمعونات المقدمة من قبل المنظمات والمجتمع الدولي أو الاستحواذ عليها وبيعها في السوق السوداء، كما تقوم سياسة ميليشيا الحوثي في التعامل مع الأموال والمخصصات التي تقدمها المنظمات الدولية والمحلية بوضعها في المكان غير الصحيح.
وتكتفي المليشيات بإعلان حالة الطوارئ في صنعاء، وتعلن عن مراكز ومستشفيات لعلاج الكوليرا، لكن الكثيرين حين يذهبون لهذه المراكز يتفاجأون بأن لا وجود غير الإهمال إن لم يكن الرفض لاستقبال حالاتهم.
وكانت منظمة الصحة العالمية، قد أعلنت أمس الاثنين، ارتفاع الوفيات بمرض الكوليرا في اليمن إلى 291 حالة منذ بداية العام الجاري.
وقالت المنظمة، في بيانٍ لها، إنّ عدد الإصابات بالمرض الذي تشمل أعراضه إسهالًا مائيًا حادًا بلغ 147 ألفاً و927 شخصاً منذ بداية العام حتى 28 مارس الماضي.
وقد سجّل شهر مارس الماضي ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات والوفيات، بواقع 195 حالة وفاة، و76 ألفاً و152 مصاباً.