الحوثيون والموائد الخاوية.. عن بهجة رمضان التي ماتت
عندما يحين موعد الإفطار، ويطلق ذلك المدفع الروحاني الصغير تلك القنبلة الإيمانية العطرة، ويفرح الصائم بلحظة كسر الفريضة، يجلس "منصور" وعقله شارداً في كوابيس الواقع المؤلم.
حتى وقت قريب وفي سنوات ما قبل الحرب، كان "رمضان" يحمل لمنصور نسائم إيمانية عطرة، ينتظر شغف لحظة إفطاره، تجمعه مائدته الرمضانية لأسرته الصغيرة، يتباركون ويضحكون، تغمرهم إيمانا الشهر الفضيل، يتنفسون عليل هذه الروائح، لكن كل هذا انتهى في زمن الحرب الحوثية.
خسر أسرته في قصف حوثي استهدف منزله، واضطر للنزوح بعيداً عن حطام منزله، عن مدينته، عن دولته، بل عن قارته آسيا، فانتقل للعيش في مصر، وحيداً بين جملة من نازحين، لن يجدوا سبباً لذاك السؤال الشارد في مخيلاتهم، هل في الدنيا شيء يستحق أن يُفعَل بنا ما فعل.
افتقد منصور "لمة" أسرته حول مائدة رمضان الثرية ليس بمأكولاتها العديدة بل بأجوائها ودفئها وإيمانها، ويقضي الآن "رمضانه الثالث" في مصر، يعيش فيه على ذكرى أيامه الخوالي.
حال منصور هو حال كثيرين، تقطعت بهم السبل، الذين ألمت بهم الحرب الحوثية، الذي فرّقت شتاتهم جرائم المليشيات.
رمضان جديد حلّ على اليمن، وكأنه ليس رمضان الذي يعرفه الناس، قليلٌ من علامات الفرح والبهجة، مصالحٌ عمالية معطلة لآلاف اعتادوا على رزق وفير في موسم الخير والبركات.
العديد من الأسباب تكالبت لتُغرِق اليمن في مأساته الإنسانية الراهنة، التي لم يرَ العالم مثلها، وربما لن يرى في حاضره ومستقبله.
سببٌ رئيسي آخر فيما حلّ باليمن يعود إلى الحكومة، تلك التي تسببت أخطاؤها وجرائم بعض أطرافها في إغراق الملايين في براثن الأزمة.
أخطاء الحكومة تنقسم إلى شقين، أحدهما اقتصادي يتمثل في عديد القرارات الفاشلة التي أضرّت بالعملة، بالإضافة إلى غياب الرقابة ما سمح بتفشي موجة فساد فاقمت مأساة الناس.
الشق الآخر وربما هو الأكثر فداحة يمثّل في "الخيانة" وهنا الحديث عن حزب الإصلاح (الذراع السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية)، ففي الوقت الذي يدعي فيه انضواءه في كنف الشرعية، لكن العديد من الفضائح كشفت علاقته سيئة الذكر بمليشيا الحوثي، وهو تحالفٌ سنح للانقلابيين بالتمدد، وعرقل نصراً سريعاً للتحالف العربي.
التحالف هو الآخر مطالب بإعادة ترتيب الأمور سواء فيما يتعلق بالمواجهات مع الحوثيين على الأرض أو علاقاته من الشرعية في ظل اختراقها من حزب الإصلاح الإخواني.
الطرف الأخير من المعادلة هو المجتمع الدولي، وهو جانب ٌ لا يمكن التعويل عليه كثيراً، فصمت الأمم المتحدة على الجرائم الحوثية طوال الأعوام الماضية وإصرارها على التغاضي عن الخروقات الحوثية المتواصلة لاتفاق السويد، كل هذا أجهض أي آمال يمكن أن تُعلَّق على الحاضنة الأممية.