همس اليراع

الشرعية والانقلاب . . . صراع المقومات2

أواصل هنا ما كنت قد تناولته في منشور سابق عن مفارقة الصراع بين الانقلابيين (غير الشرعيين والعدوانيين والمتمردين) المتفوقين في كل مقومات سير العمليات سياسيا وعسكرياً وميدانيا، وبين الشرعية (صاحبة الحق والمدعومة إقليمياً ودولياً وقانونياً ودستورياً) والتي يتراجع أداؤها وحضورها بشكل ملحوظ لكل ذي عينين، وأعيد السؤال الذي كنت قد طرحته في نهاية المنشور السابق وهو ذو شقين: الأول لماذا استمات الانقلابيون واستبسلوا حتى صار المجتمع الدولي يثق فيهم ويتعامل معهم أكثر من تعامله مع الشرعية وأنصارها وثقته فيهم؟ والسؤال الثاني وفي ضوء الإجابة على السؤال الأول، ما هو مستقبل التسوية السياسية للصراع اليمني؟ وما هي ملامح مثل تلك التسوية إن وجدت؟
إن عنصري المشروعية والأحقية غير كافيين في حسم الصراع بين أية قوتين متنازعتين أو أكثر إذ لا بد لهما أن يكونا مدعومين بعناصر الصدق والنزاهة والعدالة والإرادة، من ناحية والتفوق الأخلاقي والمعنوي والاعتباري من ناحية أخرى، وامتلاك القوة التي تعزز من مكانة المشروعية والأحقية على الأرض من ناحية ثالثة، ومن المؤسف أن طرفي الصراع في اليمن يفتقدان إلى الكثير من هذه المقومات، مع فارق ضئيل يتمثل في أن الطرف الانقلابي يمتلك القدرة على الحركة والمناورة وتصنُّع القدرة على التفاعل مع المتغيرات فضلاً عن إيمان قيادته بأهدافها السياسية وثقتها في ما تفعله، في حين يعتمد تحالف الشرعية على قوى شاخت سياسيا ومعنويا، وعجزت عن التفاعل مع المتغيرات العاصفة التي يشهدها الواقع المحلي والإقليمي والدولي ثم إنها لا تقل فساداً وعبثاً واستهتاراً عن الجماعة الحوثية وكل تاريخها السياسي يبرهن أنها لا تستطيع العيش إلا في الماضي الذي افتقد شروط صيرورته واستمراريته.
لم يتفوق الحوثيون وأنصارهم بعدالة القضية التي يقاتلون من أجلها، ولا بتفوقهم الإخلاقي والمعنوي ولا بفضل أدائهم السياسي (الذي يبدون فيه أفضل من ممثلي الشرعية) ولا حتى بالقوة العسكرية والقدرة على الحشد، بل إن تفوقهم يأتي بفضل الفشل الذريع الذي يبرزه يوما عن يوم أنصار الشرعية وانحسار سمعتهم بفعل تورطهم في فساد مفضوح لم يمارسه الحكام الفاسدون في البلدان التي تتمتع بموارد عالية ويتمتع مواطنوها بمستوى محترم من الخدمات والمعيشة والأمن، إذ إن أنصار تحالف الشرعية يفسدون في كل شيء حتى في أدوية الأمراض المستعصية ومستحقات الجرحى وتعويضات أسر الشهداء والمواد الإغاثية والدوائية المخصصة لإسعاف ضحايا المجاعة والأوبئة، وأية قوة سياسية كهذه ذات سلوك وسمعة كهذه لا يمكن أن تقاوم باطلاً أو تنصر حقاً حتى لو ادعت اقتدائها بكل الأنبياء والرسل وتمثلها لكل ما تدعو إليه كل الكتب السماوية.
وهكذا فإن عناصر وأدوات الصراع في اليمن هي أدوات ومقومات الوجود والأداء وقابلية الاستمرارية، وهو ما يجعل الحل السياسي للأزمة اليمنية ما يزال بعيد المنال خصوصا وإن الشرعية، (صاحبة الأحقية والمشروعية) تخسر يوماً عن يوم المزيد من الأنصار بل وتستعدي أقرب أنصارها وأصدقاءها وتستقطب مزيداً من الفاسدين والفاشلين والتافهين وسيئي السمعة، بسبب هيمنة القوى العتيقة المتورطة في كل مساوئ الماضي.
ومن المؤسف أن التباطؤ في الحركة باتجاه حل الأزمة يمضي على حساب القضايا العادلة خصوصا القضية الجنوبية بعدالتها ومشروعيتها، القضية التي يناصبها العداء طرفا الصراع على السواء، وهو ما يمكن تناوله في سياق آخر وفي منشور آخر،  إلي جانب مستحقات المواطنين وحقوقهم في الخدمات والأمن والرعاية والاستقرار وحق العمل وتقاضي موظفي الدولة لمرتباتهم الشهرية.