حرب المنظمات تثير خلافاً متجدداً بين حكومة هادي والمجتمع الدولي
تثير المنظمات الدولية العاملة في اليمن الكثير من الجدل في الفترة الأخيرة، حول طبيعة عملها الإغاثي الذي يُقابل بسلسلة كبيرة من الانتقادات، فنّدتها الحكومة على لسان أحد مسؤوليها.
وزير التخطيط والتعاون الدولي نجيب العوج قال إنّ 80% من هذه المنظمات ترفض التجاوب مع طلبات الحكومة بتقديم أرقام واضحة عن نفقاتها التشغيلية والمساعدات التي تقدمها للمدنيين، محذراً هذه المنظمات من إجراءات قانونية ستتخذ قد تصل لحرمانها من العمل.
الرأي العام اليمني، بحسب العوج الذي تحدّث لصحيفة الشرق الأوسط، يتساءل عن كيفية صرف أموال المساعدات المقدمة من الدول المانحة عبر المنظمات الدولية التي تبالغ في نفقاتها التشغيلية بشكل كبير جداً، حيث تصل نفقاتها إلى 25%، فيما المعدل العالمي المتعارف عليه هو 5% فقط نفقات تشغيلية.
وأوضح العوج أنّ الحكومة جدّدت المسألة على طاولة المنظمات الدولية والأمم المتحدة والبنك الدولي، إلا أنّ 80% من المنظمات لم تتجاوب حتى الآن، فيما أبدت 20% منها مرونة كبيرة، وقدمت أرقامها للحكومة.
وأضاف: "في كل اجتماع مع المنظمات العاملة في اليمن نطلب منهم تفاصيل أعمالهم في اليمن من مبدأ الشفافية في العمل، بحيث نعلم بالضبط حجم الأموال، وأين تذهب، وحجم نفقاتها التشغيلية، خصوصاً أن بعض المنظمات تفوق نفقاتها التشغيلية المعدل المتبع به عالمياً.. نقوم بشكل مستمر، بوضع هذه المعلومات أمام سلطات البنك الدولي في واشنطن ومع الأمم المتحدة".
وتابع: "بعض المنظمات تتجاهل الرد، لكن بعضها تجاوب وعملنا ورش عمل معها، وحددوا لنا تفاصيل ما أنجزوه في 2018، وما هو برنامجهم في 2019، وبالتالي نحن بصدد أن نتخذ إجراءات محددة وقانونية مع المنظمات التي تتجاهل تزويدنا بالبيانات المطلوبة حول عملياتها في اليمن، وأين تذهب الأموال، خصوصاً أن هناك رأياً عاماً شعبياً في اليمن يتساءل حول هذا الموضوع، ونحن نمثل الشعب، وأي متطلبات من الشارع اليمني سوف نتجاوب معها، بشكل قوي".
هجوم الحكومة على أغلب المنظمات الدولية جاء بعد فترة قليلة من الكشف عن قائمةً تضم 96 منظمة محلية ودولية، استلمت مبالغ من الدول المانحة باعتبار أنّ هذه الأموال مساعدات إنسانية للشعب اليمني، لكنّ هذه المنظمات لا تنفق شيئاً لإغاثة المواطنين.
موقع تتبّع الأموال التابع للأمم المتحدة كشف أنّ قيمة المبالغ التي تسلمتها هذه المنظمات تصل إلى مليارين و652 مليوناً و595 ألفاً و525 دولاراً.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد أعلن أنّ المانحين قدّموا 2,62 مليار دولار لضمان استمرار وتوسيع نطاق العمليات الإنسانية باليمن، حيث تشكِّل هذه المساعدات شريان الحياة الوحيد لملايين المواطنين وهي زيادة عن إجمالي تعهدات العام الماضي البالغة 2,01 مليار دولار، وتم الوفاء كاملةً.
وتتطلب خطة الاستجابة الإنسانية للعام الجاري، أربعة مليارات دولار للوصول إلى 21.4 مليون شخص على قيد الحياة، مع تخصيص أكثر من نصف التمويل لمساعدات غذائية طارئة لـ 12 مليون شخص بزيادة قدرها 50% مقارنةً بالعام الماضي.
2.6 مليار دولار تسلّمتها نحو 100 منظمة دون أن يتضح لها أثرٌ على أرض الواقع، وقد كشفت مصادر صحفية أنّ المنظمات تأخذ من هذه المبالغ 30% كمصاريف إدارية.
ومن بين المنظمات التي ورد اسمها في التقرير، اتحاد نساء اليمن الذي حصل خلال العام الماضي على مليونٍ و553 ألفاً و352 دولاراً، ورغم أنّ مهمة الاتحاد تقديم الدعم والمساندة والحماية للسيدات المعنفات لكنّها لم تقدم شيئاً على أرض الواقع، كما استلمت منظمة الصحة العالمية مبلغ 197 مليوناً و947 ألفاً و69 دولاراً فيما لم يُعلن عن تفاصيل إنفاقها هذه المبالغ.
الأمر نفسه يندرج على منظمة "اليونيسف" لرعاية الطفولة التي استلمت من المانحين خلال العام الماضي مبلغ 444 مليوناً و851 ألفاً و563 دولاراً مقابل رعاية الأطفال، وهي معنية بتقديم الدعم الصحي والنفسي والغذائي ومختلف أوجه الدعم، بالإضافة إلى منظمة "تمدين شباب" التي يرأسها حسين السهيلي، حيث استلمت من المانحين خلال العام الماضي مليونين و258 ألفاً و821 دولاراً، ولم تقدم شيئاً للمدنيين في ظل الحرب الراهنة.
برنامج الغذاء العالمي استلم أيضاً مبلغ مليار و140 مليون و957 ألفاً و345 دولاراً، بالإضافة إلى 21 مليون دولار إلى منظمة رعاية الأطفال (سيف شيلدرن)، فيما حصلت مؤسسة ينابيع الخير على 397 ألفاً و204 دولارات، بينما تبيّن أنّ الجمعية لا يوجد لها موقع إلكتروني، ولديها فقط صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، و"المدرسة الديمقراطية لحقوق الطفل" برئاسة جمال الشامي، حيث استلمت 699 ألفاً و529 دولاراً بينما لم تصدر هذه المنظمة أي تقرير عن انتهاكات حقوق الأطفال خلال السنوات الماضية.
وتساءل الكثيرون عن مصير كل هذه الأموال، لا سيّما أنّها لم تحدث تأثيرات إيجابية في جهود مواجهة المأساة الإنسانية الناجمة عن الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي الانقلابية، كما أنّها تفتح سيلاً من الأسئلة عن الدور الذي يتوجب أن تلعبه مثل هذه المنظمات.
وقال الصحفي علي الفقيه إنّ المنظمات تسرق من المساعدات أكثر من 50% كفارق سعر الصرف حيث يتم تحويل الأموال عبر بنوك أهلية وتحسب قيمة صرف الدولار من (215 ريالً) بينما السعر الحقيقي وصل إلى 700 ريال، لافتاً إلى أنّ هذه المنظمات تتلاعب بأسعار ونوعية مواد الإغاثة ليستفيدوا من فوارق الأسعار.
وأضاف أنّ المنظمات الدولية تعمد إلى اعتماد وكلاء محليين تتبع نافذين حوثيين لتحصل على تسهيلات مقابل التغاضي عن تصرُّف المليشيات الانقلابية بالإغاثة كمجهود حربي أو بيعها في السوق السوداء، وذلك ما أفصح عنه برنامج الغذاء العالمي بعد أن زادت نسبة المسروقات من الإغاثة المقدمة عبره عن 70%.
وأشار إلى أنّ جزءاً كبيراً من المبالغ التي صرفت تحت مسمى الإغاثة ذهبت لتمويل ورش عمل وفعاليات شكلية وسفريات وفنادق لموظفي المنظمات الدولية ووكلائهم المحليين.
ووجّه الفقيه، انتقاداً للحكومة في هذا الصدد، قائلاً إنّها إذا قامت بواجبها في ضبط أداء المنظمات وتحديد آليات وأولويات الصرف ورسمت خارطة المنظمات المحلية الموثوقة لما وجدوا الفرصة للعبث بهذه المليارات التي تقدم باسم ضعفاء تفتك بهم المجاعات والأوبئة.