جنوبيو السلطة.. “هيانة” نهاية الخدمة

لا اعتقد ان جنوبيا يرضي بهيانة “مواطنه الجنوبي”، مهما كان الخلاف بينهما، لكن ما يحز في النفس ان الجنوبيين في الشرعية بزعامة الرئيس هادي، يحاولون بشتى الوسائل اثبات الولاء والطاعة لصنعاء ومأرب، على الرغم من انه يفترض انهم الحاكمون الحقيقيون والفعليون لليمن.
حين دفعت “المبادرة الخليجية” -التي صاغتها السعودية بالتشاور مع صالح- بعبدربه منصور هادي، كمرشح توافقي وحيد لرئاسة اليمن، أعلن الجنوبيون رفضهم لهادي، ليس كرها في الرجل الذي شارك وقاد قوات صالح صوب الجنوب في حرب 1994م، ولكن لأنهم يدركون كامل الادراك ان هادي لن يكون الا مشرعا لاحتلال بلادهم، لا اقل ولا اكثر.
رفض الجنوب لك الجنوب انتخابات هادي رئيسا توافقيا ومؤقتا لليمن لمدة عامين، بما في ذلك قرية ذكين في الوضيع –مسقط رأسه – ومع ذلك تم تزوير الانتخابات لأن الرياض ارادت فرض هادي كحل مؤقت لمدة عامين فقط.
لم يتسلم هادي في صنعاء الا “قطعة قماش”، هي علم الجمهورية اليمنية، في حين ان العاصمة اليمنية مقسم بين اطراف الصراع الزيدي “ال الأحمر وآل عفاش”، كما قال هادي نفسه.
تسلم هادي الحكم، وللأمانة كان شجاعا في مواجهة الثعابين في صنعاء، ألتف حوله الكثير من الجنوبيين، كانت صنعاء مقسمة الى ثلاثة معسكرات “معسكر عفاش، ومعسكر آل الأحمر، ومعسكر الحوثيين”.
كان الحوثيون حينها قد أحكموا سيطرتهم على صنعاء، بدأ هادي مرحلة الحوار الوطني اليمني، بعد ان اقنع الجنوبيين بأهمية المشاركة، تزعم المشاركة الجنوبي محمد علي أحمد وأحمد فريد الصريمة، الله يحفظ الأول ويرحم الثاني”.
كانت فكرة الحوار جميلة، فالحوار لا بد ان يحدث للخروج بحلول لكل تلك القضايا، ولكن لأن الجنوبيين عندهم تجارب مرة مع جيرانهم الأعداء التاريخيين، رفضوا الحوار، بل وذهبت وفود إلى محمد علي أحمد تخبره ان الشماليين لا يمكن ان يقبلوا باي حلول للقضية الجنوبية.
كان هادي يتعرض لضغوط كبيرة في صنعاء، فأوكل مهمة الحوار لأحمد عوض بن مبارك، الذي تتلمذ في مدارس الإخوان المسلمين، فأدار الحوار على الطريقة التي ترغب فيها الهضبة الزيدية ومشروع الاخوان الذي كان يرى ان حكم اليمن حق من حقوقه التي اكتسبها من “ثورة فبراير”، بل ان هذا التنظيم الى اليوم يمكن أنصاره في كل مفاصل الدولة والسلطة تكريما عن مشاركتهم في الانتفاضة التي لم تقلع النظام، بل من أبرز انتصاراتها انها دفعت بالحوثيين من كهوف صعدة الى وسط صنعاء.
شعر أحمد فريد الصريمة بان الحوار اليمني الذي يديره بن مبارك، حوار كاذب الهدف منه إيجاد مشروع وشرعنة جديدة للاحتلال اليمني، فغادر أبن الصريمة فتبعه محمد علي أحمد وفريقه، وبته بعض الجنوبيين الذين شاركوا في الحوار على قائمة الرئيس هادي.
طبعا الكثير يعرف فصول تلك المسرحية الهزلية القبيحة، ولكن ما اود الإشارة اليه هنا، أنه لم يتم التوافق على أي حلول في الحوار، الذي كان الجنوب فيه مرفوض حلا وقضية.
في رحلة جوية طار فيها زعماء الإخوان من صنعاء الى كهف مران في صعدة، وكان اللقاء التشاور حول مرحلة ما بعد هادي، الذي حاولوا اغتياله أكثر من مرة.
وكما اسلفت لم يتم التوافق على أي حلول في مؤتمر الحوار، بل ان كل المتحاورين غادروا صنعاء، دون ان يعلموا ما هي الحلول التي تم الاتفاق عليها، لأنه لم تكن هناك أي حلول، فقط الكثير ممن شاركوا لم يشاركوا الا من اجل الكسب المادي، بعد ان ابلغتهم الرئاسة اليمنية قبيل الحوار ان هناك امتيازات مالية لكل من يشارك، ناهيك عن انه سيتم تعيينه في مناصب داخلية وخارجية، والكثير ان لم يكن الاغلب شارك لهذا الهدف.
وافق هادي على مقترح تقدمت به احدى دول الإقليم، تمثل هذا المقترح بان يقسم اليمن الى ستة أقاليم، وفي اليوم الذي كان بن مبارك في طريقه الى الرئيس هادي لما قال انه التوقيع على مسودة المشروع، تعرض للخطف من قبل ثلاثة مسلحين حوثيين مع ان بن مبارك لديه حراسة أكثر من ستة اشخاص، واقتيد الى صنعاء، وهناك سلم الحوثيين “الجمل بما حمل”، بما في ذلك تسجيلات للمكالمات التي كان يجريها مع الرئيس هادي ويقوم بتسجيل المكالمات، في اقبح عملية تجسس لم تحصل في أي مكان في العام، شخص تأتمنه وتسلمه كل شيء، ثم تكتشف انه كان يسجل المكالمات، وخاصة تلك التي فيها شتيمة.
بعد ذلك دشن الحوثيون حربهم ضد هادي وتعرض للحصار في منزله، في حين كان الشماليون كلهم يتحاورون في فندق موفنبيك بصنعاء حول اسم الشخص الذي سيخلف هادي، المحاصر من قبل مسلحين حوثيين.
طبعا لا أحب الخوض فيما تعرض له الرئيس هادي من حصار والتنكيل وقتل وجرح واسر حراسته الشخصية الذين ينتمي الكثير منهم الى أبين لودر تحديدا، وفرض حراسة مشددة على منزله وتفتيش كل من يريد الدخول الى منزل الرئيس.
فالكثير يعرف التفاصيل الى حصلت وصولا الى خروج هادي من سلطنة عمان ووصوله الى السعودية.
طبعا أود الإشارة ان هادي رضخ للكثير من الضغوط التي مورست ضده، حتى انه تخلى عن الكثير من ابرز رجاله ابرزهم الجنرال محمد ناصر أحمد وزير الدفاع حينها، والذي تعرض هو الأخر لمحاولة اغيال في بوابة وزارة الدفاع بصنعاء.
خالد بحاح كان الرجل الثاني كرئيس للحكومة ونائب للرئيس، كان يرغب ان يكون وحدويا ولو صوريا لكي يبقى في الحكم، فقدم لبحاح مشروع شركة اتصالات في عدن، بعد التحرير وكان لم يتبق الا ان يوقع عليها.
لم يوقع كان رضوخا لرفض وزراء شماليين بدعوى ان هذه الشركة قد تؤسس لانفصال الجنوب.
حاول بحاح التلويح بورقة الجنوب من خلال نشره لصورة في باب المندب ظهر خلفه بوضوح علم الجنوب، ولكن بعد ان صرف له الإخوان صك الخيانة العظمى لتتم الإطاحة به، ليجد نفسه بعيدا عن الحكم وملاحقا بجملة من الاتهامات من بينها انه يؤسس لانفصال الجنوب وعرقلة تحرير تعز، والتهمة الكبيرة انه كان يخطط للانقلاب على الرئيس هادي، وكان جزء من المبرر ان خلفه علي محسن الأحمر سوف يحرر مدينة تعز ويفك طوق صنعاء، ولكن لم يحصل أي شيء.
خلفه الجنوبي الأخر أحمد عبيد بن دغر، كان من اشد المسؤولين مناهضة للجنوب وحتى حقه الحوار مع الجنوبيين، بل انه وصف الحوثيين بالشركاء، لكن رفض ولا يزال حتى الحديث عن الجنوب، فهو يرى ان الوحدة شيء مقدس.
ولكن ازيح من منصبه وبدلا من تكريمه على نهاية الخدمة حصل على لقب “يحال التحقيق”، ومع ذلك يحاول بن دغر مجاملة الشماليين وتقديم لهم وعود كثيرة مقابل ان يعود الى الحكم مجددا، للحكم.. ولكن أي عودة بعد الهيانة.
والنموذج الرابع، وزير الخارجية خالد اليماني، فالرجل حاول بشتى الوسائل ان يكون قريبا من مختلف الأطراف فما في ذلك جماعة الحوثي.
قد يستغرب البعض من قولي ان “اليماني كان يقترب من الحوثيين”، فبعيدا عن توقيعه على مخرجات مشاورات السويد، حاول اليماني تقديم نفسه كرجل مرحلة ما بعد هادي، بل انه وصل به الأمر الى التقليل من الصراع في اليمن، وزعم ان الحرب في طريقها الى التوقف وان الأمر لا يريد سوى الحكمة اليمانية.
الحوثيون يقتلون المدنيين ويجتاحون الضالع، والبعض ينتظر الحكمة اليمانية التي بشر بها اليماني، ولكن لم تأت الحكم بل أجبر اليماني على الذهاب ولكن بعد ان تعرض للهيانة والسب خلال اتصال تلقاه من العاصمة السعودية الرياض قبيل تقديم الاستقالة بساعة، وكان السعوديون يعلمون بذلك.
للأسف الشديد قدم الشرعية، اليماني كبش فداء لفشل عمره أربع سنوات، وحملوه وزر اتفاق السويد، بل وأصبح المتهم الرئيس في عرقلة تحرير ميناء الحديدة، يعني خروج من السلطة بسلة تهمة الكثير منها كيدية.
وللعلم، حاول اليماني بشتى الوسائل الاعتراض على مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في المشاورات، بل انه قال ان ذلك ينسف قرار مجلس الأمن، وانه ليس من حق المبعوث الأممي الجلوس مع الأطراف الجنوبية.
ليست تلك وجهة نظر اليماني، بل انه حاول بشتى الوسائل اثبات ولائه لأصحاب مشاريع الاستثمار الوحدوية، ولكن اين هو اليوم.
طبعا هناك الكثير من المسؤولين الجنوبيين، الذين مجرد ان يوصلوا للسلطة حتى يشرعوا في ممارسة الولاء المطلق للشمال بالهجوم على الجنوب، وتخوين قياداته.
أتذكر الآن قيادي سابق في الحراك الجنوبي وتيار “مثقفون من أجل جنوب جديد”، مارس كل وسائل القبح بحق الجنوب والجنوبيين ورفاق دربه، وكله عشان انهم ما ضموا اسمه ضمن المجلس الانتقالي وذهب بقوة لتقديم الولاء والطاعة لحكام مأرب من الرياض، ولكن دون جدوى.
تشكلت الكثير من التيارات السياسية الجنوبية لهدف وحيد هو اظهار ان الجنوب كله مع الوحدة اليمنية وان الانفصاليين شرذمة قليلة، وحين يجد نفسه انه مجرد كرت لا فائدة منه، يعود للجنوب ويرفع شعار الاستقلال، ولكن بعد ان تعرض للهيانة، فعاد للجنوب كمحاولة انتقامية لما حصل له.
أتذكر في 2014م، وزيرة حين تمت اقالتها فرت صوب عدن، وكتبت على تويتر “لقد وصلت عدن، وانا مع تقرير مصير الجنوب”، وحين تمكنت من الخروج من عدن الى بلاد الضباب، عادت لترفع شعار “رابعة”.
وتبقى الإشارة الى ان الكثير من المسؤولين الجنوبيين تعرضوا للهيانة لمرة واحدة، في حين القليل جدا منهم ادمنوا على ذلك.
ولكن يبقى التأكيد ان كل مسؤول جنوبي يعمل في الحكومة الشرعية معرض للهيانة، بل انه أصبح من الضروري هيانته قبيل الإطاحة به، ولنا في خالد اليماني أحدث مثال على ذلك.
ويكفي.