همس اليراع
محنة الأقلية الجنوبية
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
منذ العام ١٩٩٠م وبمجرد إعلان بيان ٢٢ مايو الذي نص على دمج الدولتين (اليمن الديمقراطية) و(العربية اليمنية) في دولة واحدة جرى إعلانها عن طريق الكلفتة المستعجلة، وجد الجنوبيون أنفسهم وبصورةٍ مفاجئة أقلية هامشية لا تستطيع الإسهام الإيجابي في اي حدث ذي شأن يتعلق بالمستقبل مهما صغر شأنه.
لن أتحدث عن التفاوت بين الدولتين في مستوى المعيشة ومستوى الخدمات ومستوى التعاطي مع النظام والقانون ومستوى الحياة المؤسسية ولا عن التباين بين الثقافتين والعادات والتقاليد، لكنني سأتطرق فقط ألى جوانب تصنع المعضلة التاريخية للجنوب والجنوبيين وهي معضلة الأقلية الجنوبية، من خلال المؤشرات التالية
* دخل الجنوبيون مشروع العام 1990م بدولة متكاملة الأركان، جيشاً وجهازا إداريا، وقضائيا وبرلمانا يتكون من 111 عضوا (منهم 11 إمرأة) وجرت إضافة 30 عضوا إلى حصة الجنوب من البرلمانيين المعينين بقرار من مجلس الرئاسة لاستكمال العدد الذي نص عليه الدستور، وكان لدى الجنوب نصف مجلس الوزراء، وحظي الجنوب بعضوين في مجلس الرئاسة منهما نائب رئيس الجمهورية وبرئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب .
وبسبب الأقلية السكانية انخفظت حصة الجنوب من النصف عام ١٩٩٠م إلى 56 عضواً (السدس) في انتخابات ١٩٩٣م، مقابل 145 للأشقاء في الشمال، وكانت هذه واحدة من المنتجات القاتلة للشراكة الجنوبية، فالجنوب أقلية ولا يحق له مناقشة لماذا تضاءل دوره في المساهمة في صناعة القرار.
* وتبعا لهذا المتغير تغيرت حصة الجنوب في مجلس الوزراء وفي الوظيفة الحكومية وفي السلك القضائي والدبلوماسي، وتلى ذلك تقلص حصة الجنوب في الكليات العسكرية والأمنية والمعاهد المتخصصة، وما شابه ذلك، وطبعا جاء هذا في ظل الإعداد والتحضير للجريمة الأكبر وهي حرب الغزو والاحتلال في العام التالي لتلك الانتخابات.
* وهكذا لم تكن هذه المتغيرات القاتلة هي الوحيدة التي نتجت عن ثنائية الأقلية الجنوبية والأغلبية الشمالية، بل تبعتها المتغيرات الأكثر تدميرا.
فعندما نشبت حرب 1994م على الجنوب كان التحريض يقوم على حرب المسلمين الوحدويين (الأكثرية) على الكفار الانفصاليين (الأقلية) ، ولأن "الكثرة غلبت الشجاعة" كما يقول المثل العربي، فقد سخرت قصة الأغلبية لسحق الجنوب واجتياحه واستباحة كل ما فيه، ونتج كلّما نتج عن هذه الاستباحة من الحجر إلى البشر مما لا يحتاج إلى شرح وتفصيل.
* أما ما بعد الحرب فهذه قصة يعلمها كل جنوبي ممن قاسوا من الازدراء والتحقير والمعاملة الدونية وفقدان كل أسباب ومقومات الحياة، حيث حاول الأشقاء المنتصرون تطويع الجنوب للعادات والتقاليد والثقافة والسلوك والأخلاقيات التي اصطحبوها معهم، وتمت إعادة الجنوب مئات السنين إلى الوراء، وأصبح ما بناه الجنوبيون على مدى ما يقارب قرنين من الزمان محل حرب ونهب وسلب وتدمير وتهميش واستئصال.
ولأن القيم الأصيلة المزروعة في أعماق النفوس كالمخلوقات الحية تقاوم الاندثار وتتمسك بأسباب الوجود، فقد بقيت مقومات الهوية الجنوبية كامنة في الوجدان، وصحيح أن استعادة بعثها وتحويلها إلى حالة يومية تحتاج إلى زمن طويل لكنها لم تندثر ولن تندثر مهما بذل المحاولون، وهي التي أبت الاندثار في ذروة الانكسار وعز تشامخ واستعلاء هؤلاء المحاولين.
* ما تم التعرض له في هذا المنشور ليس استنقاصا للشعب الشمالي الشقيق ولا استعداءً لأبنائه، بيد أنه حتى عند ما تتصارع النخب السياسية فأن النخبة ذات الكثرة تجر معها أنصارها من البسطاء الذين هم أيضاً كثرة بالمقارنة مع أنصار النخبة الأصغر الذين هم أقلية، مع كل التفهم لمعاناة الغالبية من سكان الشمال، الذين هم ضحايا لكن أغلبهم يدافعون عن جلاديهم اكثر من دفاعهم عن أنفسهم.