وخزة قلم..

عجبتُ لمن يطالب الجنوبيين بأن يتخلوا عن كياناتهم الثورية والسياسية ووحداتهم الأمنية والعسكرية وعن تطلعاتهم السياسية في وقت يراوح فيه الموقف السياسي من القضية الجنوبية مكانه من النكران ومن عدم الاعتراف الواضح بحقيقة وجود قضية سياسية وطنية وليس مطلبية فقط ,قضية هي المولود الشرعية لوحدة فاشلة أو بالأصح وحدة تم افشالها، وفي وقت أيضا يصرُّ فيه الطرف الآخر ليس فقط على عدم إبداء أية جدية لحل هذه القضية بل ويصر على التمسك بذات العقلية التي انتجت هذه القضية وبذات منطق الوحدة أو الموت بنسخته المعدلة :" المخرجات أو الموت".. فلماذا مطلوب من الجنوب وهو الضحية أن يتخلى عن قناعاته و يسلم أدواته واسلحته للقصّاب المتعدي الذي ما زال يتمترس بذات خندق أطماع عام 94م، ويكدس بلا هوادة جبال من الأسلحة والأموال ويحشد كل ماكناته السياسة والإعلامية والحزبية والجماهيرية لجولة أخرى من معاركه الوحدوية النهبوية.؟ .

العدل يقول الجاني هو من يبدي حُــسن نية للحل إن كان فعلا قد أقر بُــجرمه واقتنع بتصحيح تباعاته – كما تزعم بعض أصوات داخل معسكر قوى حرب 94م وليس الضحية هو من يبادر الى ذلك، وبرغم ذلك إلّا أنه في حالة القضية الجنوبية حدث ويحدث العكس، فالجنوب هو من قدّم مبادرات الحلول، وتبنى أدنى سقف لهذه الحلول ليس بدأً بمبادرة مؤتمر القاهرة الجنوبي ولا انتهاءً بمشروع مؤتمر شعب الجنوب بحوار صنعاء بل أنه يبعث أكثر من مرة عبر تصريحات قيادات من مختلف مشاربه الى أنه على استعداد أن يقطع نصف المسافة الفاصلة، مع أنه ليس معنيا باستجداء الحلول من الجُــناة, ومع ذلك فعل، وليت هذا شفع له عند هؤلاء، بل ما زال لسان حالهم يقول: هل من مزيد, حتى الوصول الى مرحلة الخنوع و لحظة الاستضعاف والمذلة.!
مَــن أضاع اسمه أضاع قسمه.. فمِـن الغباء بل من المريب جداً أن يطالب البعض وبالذات من شخصيات وكيانات جنوبية تناضل لنصرة القضية الجنوبية بأن يتخلى الجنوبيون عن مشاريعهم وينسفوا كل ما بنوه من عمل سياسي طيلة الفترة الماضية ويهدموا كل وحداتهم العسكرية والأمنية التي أسسوها بالسنوات الأربع الماضية فيما الطرف الآخر يسمّــن نفسه عسكريا وحزبيا وماديا باضطراد ولم يقطع ولو ربع المسافة الفاصلة مع ضحاياه، كما أنه ما يزال يتصرف ويمضي دون اكتراث لتمرير مشروعه السياسي الذي سلقه على حين غفلة من الزمن بأحد فنادق صنعاء قبل هذه الحرب، وكأن شيئاً من هذه الحرب ومن حرب 94م ومآسيهما والخارطة السياسية التي تشكلت مؤخرا لم تكن ولم تحدث , وكأن الدماء التي سالت خلال ربع قرن مياه معدنية .!
فتمسك كثير من الجنوبيين بالقوات الجنوبية العسكرية والأمنية من ألوية عسكرية ونُخب وأحزمة أمنية ومؤسسة أمنية رسمية وبكل الكيانات الجنوبية الثورية والسياسية التي ما تزال تتبنى القضية الجنوبية كالمجلس الانتقالي الجنوبي وباقي القوى الفاعلة الحقيقة -على علاتها- هو أمر منطقي أن يحدث ومطلوب حدوثه في ظل تمسك الطرف الآخر بسلوكه الاستعلائية الاحتلالي تجاه كل ما هو جنوبي ويرفض كل الحلول العادلة... وسيظل هذا التمسك الجنوبي مستمرا ومتصاعدا بذات القدر الذي يتمسك فيه وتتصاعد فيه غطرسة وعنجهية الطرف المقابل حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين .
*صلاح السقلدي