همس اليراع

استرجاع الأحزان

تعدو السنوات ونعدو معها بأفراحنا القليلة وأحزاننا المتراكمة، فتطل الذكريات من بين ثنايا السنوات وتجاعيدها المتعرجة، لنستحضر لحظات حزن لا يمكن ان نتعداها، هرباً او تجاهلاً او اصطناعا للفرح النادر والمكلف في هذا الزمن.
سيظل هذا اليوم من كل عام يذكرني بروح أمي التي غادرت عالمي منذ خمس سنوات، وأشعرتني كم أحتاجها، وكم كنت اجهل هذه الحاجة عندما طغى علي غروري وظننت أنني قد شببت عن الطوق، لكن موتها أيقظ بقايا الطفل في داخلي وأشعرني بعجزي أمام نوائب الدهر وأعادني إلى ذلك اليوم الذي أجبرها فيه بكائي وندائي لها على ترك الجراد تأكل المحصول حينما كانت تدافع عنه بأدواتها البدائية.
ما زلت اتذكر حينما وَصَلَت واحتضنتني ومسحت دموعي وأطعمتني خبزا جافاً كان يمكنني أن أتناوله بدونها، وحينما ابتسمت فرحاً بها وشبعاِ من الخبزة الجافة قالت ما معناه : فليذهب المحصول إلى الجحيم، فكله لا يساوي هذه الابتسامة.
رحمك الله يا أمي الحبيبة، وأسكنك الجنة مع الاتقياء الصالحيَن. 
ورحم الله والدي الحبيب الذي تركتما أنت وإياه فجوةِ كبيرة في حياتنا انا وإخوتي وأولادنا وبناتنا، فجوة لن تتضاءل ولن تمتلئ إلى يوم الدين